دولة الاحتلال.. وأوهام القوة 700

مروان سمور

باحث سياسي أردني

​​​​​​​

تعيش اليوم دولة الاحتلال حالة من الصدمة ، اثر عملية طوفان الأقصى -يوم 7 أكتوبر الماضي- بعدما تعرضت -بشكل مفاجئ، لهجمات متتابعة من قبل مقاتلي كتائب القسام التابعة لحركة حماس وبمشاركة فصائل مقاومة اخرى . حيث تكبدت اسرائيل خسائر فادحة بالأرواح والمعدات ، علاوة على أسر المقاومة اعداد كبيرة من جنودها ومواطنيها ، ومنيت بخسائر اقتصاديه باهضة .

في المقابل، اعلن رئيس الوزاء الصهيوني"بنيامين نتنياهو" قرار الحرب -اثر تفويض من مجلس الوزراء الأمني المصغر- وبدء عملية "السيوف الحديدية". وعلى اثر ذلك، شن الطيران الصهيوني غارات مكثفة وعنيفة على مناطق غزة بأكملها ، ما أسفر عن سقوط شهداء وتدمير هائل لمنازل المدنيين وبشكل متوحش .

ان عملية "طوفان الأقصى" كانت حدثا مفاجئا لدولة الاحتلال، رغم أن هجوما بهذا الحجم يتطلب أشهرا من الإعداد والتجهيز من المقاومة.



وفي نفس الوقت، ان بقاء المؤسسة السياسية والأمنية الصهيونية عاجزة ، وفي حالة ذهول، طيلة أيام، يدل على فشل ذريع في التعامل مع هكذا أزمة.

بالاضافة الى انها كشفت مدى ارتباك الدولة العبرية ، وتأخرها قي الاستجابة والرد السريع على عملية المقاومة؛ فالخسائر المعلنة من جهة اسرائيل لغاية اللحظة هائلة . لم يسبق لها مثيل في حروب اسرائيل منذ حرب اكتوبر عام 1973 .

في "اكتوبر" توفرت لدى اسرائيل معلومات بالحشد المقابل ، ولكن كان خطأها بالتقدير ، بينما في هذه الحرب لم يكن لديها اي معلومات ، وتفاجئت بما حدث .

في الحقيقة، ان المقاومة تسفت اسطورة جيش "الصهيوني" الذي لا يُقهر .وان هذه القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة ، انهارت أمام بضع مئات من المقاتلين. 



وان اعلان رئيس الوزاء الصهيوني"بنيامين نتنياهو" قرار الحرب ، اثر خسائر جيشه الكبيرة، جاءت للخروج من ورطته الاسراتيجية والتاريخية ، وعبر تصريحاته المتكررة بالقضاء على حركة حماس .  بالسابق حاول جيشه انجاز شيء كهذا، خلال العقدين الماضيين، ولكنه باء بالفشل . 

شاهد "نتنياهو"جنده وهم مذعورين عندما كانوا في قواعدهم المحصنة ، حينما اقتحمها مقاتلوا المقاومة باسلحتهم الفردية البسيطة، فيما سكان مستوطنات غلاف غزة، يفرون مرعوبين الى خارجها .



في اعقاب ذلك، لم تكتفِ الولايات المتحدة الأمريكية بالدعم المادي واللوجستي ، بل حركت حاملات طائراتها نحو المنطقة ، في محاولة لرفع معنويات الجيش الاسرائيلي المنهارة. وما كانت لتتحرك ، لولا إدراكها التام بأن هذا الجيش بات عاجزا ولم يستوعب الصدمة بعد . بالاضافة الى أن هذا الحشد الامريكي كان رسالة قوية لإيران وحلفائها ، بلزومهم الحياد .



وعندما نقارن اليوم بما حدث بالحروب السابقة ، فسنجد ان المقاومة اليوم قد غيرت من تكتيكاتها واساليبها .

فتحول نهجها من رشقات صاروخية على عدة بلدات ومدن والتزامها حالة الدفاع وعدم اقتحام قواتها خارج غزة، الى الهجوم والتحييد الكامل للمنظومات الدفاعية على الحدود مع غزة ،  ومن ثم اقتحام المستوطنات . بالاضافة الى أنها أدارت اللعبة العسكرية والاعلامية والسياسية باقتدار وبمنتهى الاحترافية . واصبحت هي من تحدد توقيت المعركة ،



وما حدث في السابع من اكتوبر ، اصبح يعتبره الصهاينة الحادي عشر من سبتمبر الصهيوني.



اما أكبر تحدي تواجهه دولة الاحتلال في الوقت الحاضر ، هو عدد الاسرى الصهاينة الكبير لدى المقاومة، واحتمال قيام الأخيرة بتوزيع هؤلاء الاسرى على كامل القطاع ، في محاولة منها لردع الاحتلال عن استهداف المدنيين في قصف طيرانها على غزة  . 

أما المحتجزين الصهاينة لدى المقاومة ، فان دولة الاحتلال لا تملك أوراقا للضغط على المقاومة للمساومة عليها ، الا ان تضطر للاذعان لشروط المقاومة ، وما سياسة تكبيد المدنيين المزيد من الارواح للضغط على المقاومة فانها غير مضمونة العواقب.



في الواقع، ان الأزمة الحالية تجاوزت من كونها حلقة من حلقات الصدام المتكرر بين المقاومة ودولة الاحتلال. من شن الطيران الاسرائيلي لغارات على قطاع غزة . بالمقابل تقوم المقاومة باطلاق رشقات صاروخية على المدن والبلدات الصهيونية. بل ان الحديث يدور اليوم حول اجتياح صهيوني واسع لقطاع غزة . في الجهة الأخرى، هناك تحذيرات تصدر من ايران وحلفائها بفتح جبهات أخرى ، اذا توسعت اسرائيل وقامت بالحرب البرية . 

والخلاصة ، ان ما حدث في "طوفان الأقصى ، قد غير معادلة الصراع للابد ، وقضى على اسطورة جيش اسرائيل الذي لا يقهر . 



وسواء اقرت اسرائيل بالمتغيرات الجديدة ، التي تعني : بأن دولتهم الاقوى في المنطقة ، وجيشهم المدجج باحدث انواع الاسلحة،اهتزت هيبته، وبات يخسر في الحروب .

و لا أحد يستطيع تنبؤ كيف سيتطور المشهد؟ لكننا أمام حرب قد تتطور ، وتقلب موازين الشرق الأوسط لتعيد تركيبه من جديد .



والحقيقة ان ما جرى يوم ٧ أكتوبر، كان علامة فارقة في تاريخ هذه المنطقة ونقطة تحول مفصلية بهذا الصراع .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023