مثال واحد فقط( وليس هو الأشد قتامة) في قطاع غزة

د. زهرة خدرج

كاتبة صحفية وناشطة فلسطينية

السبت ظهراً 9 ديسمبر 2023.

طائرات مسيرة تحلق على ارتفاعات منخفضة فوق مدرسة خليفة في مشروع بيت لاهيا!

و ضجيج الطيران الحربي والقصف لا يتوقف.. كل شيء حول المدرسة أحرقه جيش الاحتلال.. الوضع مخيف حد الرعب.. ولا أحد يدري كيف سيكون مصيره بعد لحظات.


المدرسة تعج بآلاف النازحين الذين لجأوا إليها ليحتموا من القذائف والقصف المتواصل على كل شبر في قطاع غزة، هذا إن كان المحتل حقاً يتذكر أن المدارس والمشافي ودور العبادة مناطق محمية بموجب القانون الدولي الذي لا تسري بنوده عليه!


بعد إطباق الحصار على المدرسة، بدأ جنود الاحتلال بإطلاق قنابل الغاز والرصاص داخلها.. الصراخ ملأ المكان، وتعالت الاستغاثات.. وتساقط الناس في كل مكان وسط الهلع والفوضى الشديدة.. 

لا أحد يعلم إن كان من سقط أرضاً شهيد أم به بقية من روح! فلا أحد يعي ما يجري، أو لديه متسع من وقت ووعي ليتفحص ويتيقن.


وما لبثت قوات الاحتلال أن اقتحمت المدرسة، عشرات الجنود المدججين بأحدث الأسلحة وأقدرها على الفتك ولجوا من البوابة الوحيدة دون أن يتوقفوا عن إطلاق النار.. 

صرخوا بمن بقي حياً تحت تهديد السلاح: ليخلع الرجال( فوق 15 عاما) كل ملابسهم.. ويصطفوا في تلك جهة، والنساء والأطفال يصطفون في جهة أخرى، أشاروا إليها.


صدع الجميع للأمر دون تفكير.. فلا مجال للتلكؤ أو المراوغة.. فالرصاص يتربص بالجميع!


أمروا النساء والأطفال بالخروج إلى ساحة القسام القريبة.. واقتادوا الرجال والفتيان إلى جهة مجهولة.. لا أحد يدري ماذا فعلوا بهم.. أو أين مضوا بهم!


أما الجثث الملقاة أرضاً.. فبقيت على حالها.. الشهيد والجريح النازف سيان ليكون المصير متشابهاً في نهاية الأمر.


جلست النساء والأطفال أرضاً، رغم برودة الجو ورطوبة التربة التي تحتفظ بماء المطر الذي انهمر آخره في ساعات الفجر الفائتة، ولحق بهم أيضاً بعد بعض الوقت: العدد القليل ممن عادوا من الرجال والفتيان.. منهكين، يمشون بصعوبة تبدو عليهم آثار الضرب المبرح. 


أمضى الجميع بقية النهار والليل أيضاً في البرد، جوعى عطشى، لا طعام لديهم يسد رمق الأطفال الذين يتضورون جوعاً، ولا ماء يرطب الشفاه والألسن الجافة المشققة.. 


الخوف والجوع والعطش والارتجاف برداً سادة الموقف!

ونيران القناصة ترقب أي شيء يتحرك في المحيط تحسباً من وصول نجدة بمقدروها أن تخفف من معاناة هؤلاء المنكوبين.


تذكروا أيها السادة: هنا غزة!

غزة المحاصرة منذ سبعة عشر عاماً والتي لم تتوقف معاناتها منذ داس الصهاينة أرضها لأول مرة..


د. زهرة خدرج

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023