تعقيدات مركبة تُصعِّب هزيمة حماس

حضارات

مؤسسة حضارات



بقلم: يوآف ليمور/ صحيفة اسرائيل اليوم


الانتقال من المرحلة الثانية إلى الثالثة في القتال في غزة، الذي أعلن عنه أمس وزير الدفاع والناطق العسكري وبالتوازي فإن الرئيس الأميركي هو الآخر يضع إسرائيل أمام غير قليل من المعضلات التي لا حل لها في الطريق إلى تحقيق أهداف الحرب.

هذه البيانات، التي أطلقت في مقابلات مع وسائل الإعلام الأميركية (وزير الدفاع لـ "وول ستريت جورنال" والناطق العسكري لـ "نيويورك تايمز" تسمح بإطلالة نادرة إلى الشكل الذي تجري فيه الأمور من خلف الكواليس. كما أنها تدل على الضائقة الاستراتيجية التي علقت فيها إسرائيل في ضوء ضغط متزايد من جهة واشنطن لتخفيض كثافة المعركة لأجل التسهيل على سكان قطاع غزة.


تصريحات للأذن ­الأميركية

في الأسبوع الماضي طالب الأميركيون بأن تعلن إسرائيل رسمياً عن إنهاء القسم المكثف من المعركة في غزة وعن الانتقال إلى مرحلة جديدة تركز على اجتياحات وهجمات مركزة تنفذ من أراضي إسرائيل. كما ادعى الأميركيون أن بياناً كهذا سيسمح بتخفيض الضغط في الشمال ويساعد في الوصول إلى اتفاق مع حزب الله. رفضت إسرائيل المطلب الأميركي بدعوى أن بياناً كهذا سيعزز حماس التي ستفهم أنه مطلوب منها التمترس لزمن قليل آخر إلى أن يقل الضغط العسكري عليها. كل هذا دون أن يكون تحقق حل لمسألة المخطوفين ودون أن تصاب قيادة المنظمة بأذى أيضاً.

لأجل منع تصاعد الضغط في أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، انطلق وزير الدفاع والناطق العسكري إلى وسائل الإعلام الأميركية وأعلنا فيها عن التغيير في شكل القتال.

وقد فعلا هذا بالإنجليزية لأذن أميركية وليس بالعبرية للجمهور الإسرائيلي.

يوجد في هذا معنى للقول إن من ينزف في هذه الحرب هو قبل كل شيء الجمهور الإسرائيلي الذي يستحق أجوبة واضحة من قيادته السياسية الأمنية عن أهداف الحرب وإنجازاتها. كما أن هذه القيادة تمتنع عن مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية وتكتفي بأجوبة جزئية في مؤتمرات صحافية وفي أحاديث مغلقة.

وهكذا تعفي نفسها من سلسلة أسئلة ستواجهها مع التعهدات التي أعطيت للجمهور الإسرائيلي منذ هجمة 7 أكتوبر.


الأهداف لم تتحقق

عند الخروج إلى الحرب وضعت حكومة إسرائيل لنفسها هدفين. إسقاط حكم حماس ونزع قدراتها العسكرية (إلى جانب الامتناع عن فتح حرب في الشمال وخلق الظروف لإعادة المخطوفين).

صورة الوضع صحيح حتى أمس، بعيدة عن تحقيق هذه الأهداف. في شمال القطاع انتهت الأعمال في صيغتها الحالية عملياً والجيش الإسرائيلي خفف جداً حجم قواته.

وحسب تقارير الجيش، بقي في هذه المنطقة 8 آلاف نشيط من حماس من أجل 14 ألفاً – أي لا يزال 6 آلاف من رجال حماس يعملون فيها وبقدر ما هو معروف، يحتجز فيها مخطوفون أيضاً.

في وسط القطاع يعمل الجيش في قسم من مخيمات اللاجئين، ويبدو أنه لا ينوي العمل الآن فيها كلها. في خان يونس يتركز العمل في المنطقة التي حسب التقديرات يوجد فيها "منجم الذهب" الذي تختبئ في داخله قيادة حماس، إلى جانب الكثير من المخطوفين.

مع ذلك فإن أجزاء أخرى من المدينة لم تعالج بعد وكذا مدينة رفح كلها بقيت خارج الحرب – بما في ذلك محور فيلادلفيا الذي يستخدم الآن أيضاً لتهريب وسائل قتالية وبضائع من سيناء.

لقد حبست حكومة إسرائيل نفسها بين تعهدات متضاربة: تلك التي أعطيت للجمهور الإسرائيلي، وبموجبها لا توجد حدود زمنية والحرب ستستمر قدر ما يلزم، حتى الحسم، وتلك التي أعطيت لدول العالم، وعلى رأسها الإدارة في واشنطن، وبموجبها تنتقل المعركة الآن إلى مرحلة جديدة، أقل كثافة، مثلما أعلن أمس الرئيس بايدن.

ستدعي الحكومة أن هذا تغيير تستدعيه احتياجات الشرعية ولا يشهد على تغيير في أهداف الحرب، لكنها ستكون مطالبة بأن تشرح للجمهور الإسرائيلي كيف تعتزم بالضبط هزيمة حماس في صيغة العمل الجديدة، عندما يكون واضحاً بأن معالجة رفح (وكذا مخيمات اللاجئين الأخرى في وسط القطاع) لا يمكنها أن تتم في إطار الاجتياحات وهي توجب قوات أكبر بكثير وأعمالاً تقف على تضارب مع التعهد الذي أعطي للأميركيين.


في الجنوب ينتظرون البشرى

فضلاً عن ذلك، فإن انعدام الحسم من شأنه أن يعرقل النية لإعادة معظم سكان الجنوب إلى بيوتهم. منذ البداية كان واضحاً أن مطلبهم بصفر تهديدات ليس واقعياً لأنه يكون دوماً من يطلق صواريخ من غزة، لكن حجم التهديد الذي سيبقى الآن – قبل الحسم – سيدفع الكثيرين لأن يفضلوا حلولاً مؤقتة على أن يعودوا للسكن في منطقة تعتبر في نظرهم خطيرة.

معقول أيضاً أن التسوية في الشمال إذا ما تحققت لن تلبي مطالب السكان، لأنه فضلاً عن التصريحات مشكوك أن تعطي حلاً حقيقياً لمشكلة تواجد قوات الرضوان عند الجدار.

لقد ثبت مرة أخرى أنه من الأفضل الامتناع عن الإعلانات المبالغ فيها والتي من الصعب إسنادها بالأفعال. فحماس بعيدة عن الهزيمة، وإسرائيل مطالبة بأن تعمل ضمن جملة اعتبارات مركبة تتعقد أكثر فأكثر الآن مع المداولات في محكمة العدل الدولية في لاهاي حول دعوى جنوب إفريقيا للإعلان عن أنه في غزة تنفذ إبادة شعب.

رئيس الوزراء، الذي قبل بضعة أسابيع فقط ادعى أن من لا يمكنه أن يقف في وجه ضغط أميركي لا يمكنه أن يتولى المنصب، تلقى من واشنطن درساً في الحدود ذات الصلة بمواصلة الحرب أيضاً.

خيراً يفعل إذا ما نقل الآن درساً مشابهاً لوزرائه الذين يورط بعضهم إسرائيل على أساس يومي بتصريحات وأفعال عديمة المسؤولية.

الانتقال إلى مرحلة أخرى يطرح أيضاً بضع مسائل أخرى. فالغموض في كثافة الحرب (وبالتأكيد إذا ما "أغلقت" المعركة في الشمال)، وتسريح معظم رجال الاحتياط، يتيحان البدء بالفحص المرتب لهجمة 7 أكتوبر والأحداث التي سبقتها. وقد سبق للجيش أن تعهد بأن يفعل هذا في سلسلة تحقيقات مهنية لكن نضج الوقت أيضاً لإقامة لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضي عليا.

إن التغيير في شكل المعركة لا بد أنه يؤدي أيضاً إلى بحث يقظ في الساحة السياسية.

فالوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت اللذان دخلا إلى حكومة طوارئ كي يساعدا في الحرب سيكونان مطالبين بانسحاب محتمل الآن، وكذا الضغط لإجراء انتخابات في جدول زمني مقصر سيزداد بالتأكيد.

وهما سيتلقيان ريح إسناد من انتظامات مختلفة لرجال احتياط تنوي الشروع في حملة جماهيرية لاستنفاد مسؤولية من كانوا مشاركين في إخفاقات أدت إلى السبت الأسود.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023