أموالنا.. إعلامنا.. أين هما؟!

حضارات

مؤسسة حضارات

أموال الأمة الإسلامية والعالم العربي ذات مصادر شتى، فقد يكون مصدرها النفط أو المناجم المخزونة في الأرض أو القدرة الصناعية أو الإنتاج الزراعي أو ضرائب المرور من الممرات المائية أو الحركة السياحية.. إلخ، ولعل هناك مصادر أخرى، وما يُميز هذه الأموال في الأساس أنها ملك للأمة الإسلامية والعالم العربي، وليست مُلكًا لحاكم بغض النظر عن اسمه واسم منصبه كحاكم أو اسم الموقع الجغرافي الذي يحكمه، ولأنها ليست مُلكًا لأي حاكم من حُكام الأُمّة الإسلامية والعالم العربي فلا يجوز لأي حاكم منهم أن يتصرف بهذه الأموال كأنها ملك شخصي له ولأولاده وذريته، ولا يجوز له أن يتصرف بالموقع الجغرافي الذي يحكمه كأنه مزرعة خاصة له ولأولاده وذريته، بل يجب إنفاق هذه الأموال وفق رؤية راشدة تُحقق العدالة الاجتماعية لكل فرد من رعية هذا الحاكم أو ذاك، وتحفظ على شعبه السيادة البريئة من أية ضغوط خارجية، وتشق لهذا الشعب طريق التقدم والازدهار، وتحفظ بيضة الموقع الجغرافي الذي يحكمه، وما فاض من هذه الأموال يجب إنفاقه على المشاريع الضرورية وفق واجب الوقت وفقه المصالح المُعتبرة وفقه الأولويات وسد باب الذرائع ودفع المضار وإحقاق الحق وإزهاق الباطل ونشر قيمنا الإسلامية العروبية في كل الأرض، ولكن حُكام المسلمين والعرب اليوم مع أموال المسلمين والعرب بخلاف ذلك إلا من رحم الله تعالى وقليل من هم، وها أنذا أسجل هذه الملاحظات:


1. لا زلتُ أسمع منذ صغري أن الحركة الصهيونية تُسيطر على الإعلام العالمي سواء كان صحفًا أو قنوات، وتُسيطر على إنتاج الأفلام في هوليود وغيرها، وذلك بسبب ما تملك من أموال!!، والسؤال الذي يجب أن يُسأل: من الذي ملك بالأمس ويملك اليوم الأرصدة المالية الأكثر؟! هل هي الحركة الصهيونية أم أموال المسلمين والعرب التي يتحكم بها حُكام المسلمين والعرب؟!

والجواب واضح!!، إن ما يتحكم به حُكام المسلمين والعرب من أموال المسلمين والعرب يُساوي أضعاف ما تملكه الحركة الصهيونية، فهل فكرّ هؤلاء الحُكام كيف لهم أن يُخصصوا نسبة مئوية من هذه الأموال التي هي أمانة في أعناقهم وجيوبهم لتحويلها إلى قوة إعلامية ذات تأثير عالمي، وذات امتداد عالمي يُتيح لها التأثير الحق المُنصف على الإعلام العالمي بشتى أدواته ولغاته، وعلى إنتاج الأفلام العالمية، وبذلك نتمكن كأمة مسلمة وعالم عربي بعامة وكشعب فلسطيني بخاصة أن ننتصر إعلاميًا على صعيد عالمي لكل قضايانا المُلحة المكلومة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية؟!

وإلا سنبقى تحت رحمة الإعلام العالمي المُنحاز وتحت رحمة مُنتجي الأفلام العالمية الذين لا يزالون يُغيبون قضايانا العادلة عن أهل الأرض، بل قد يُشوهونها في كثير من الأحيان عن مكر وسبق إصرار، لنتحول نحن الضحية إلى مُتهم، ونحن المظلوم إلى ظالم، ونحن المنكوب إلى إرهابي، ونحن المُشرد إلى عدو للسلام، ونحن المسروق إلى سارق، ونحن المطرود من وطنه إلى عدوانيّ شرّير!!

لا زلتُ أذكر فاجعة الطفل الشهيد محمد درة التي هَزّت مشاعر كل حر في العالم، ولا زلتُ أذكر مشهد والده وهو يحتضنه ليحفظ حياته وهو يصيح في وجه جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين كانوا يُطلقون عليهما الرصاص: (مات الولد .. مات الولد)، حيث انتشر هذا المشهد كالنار في الهشيم على صعيد عالمي، ثمّ حدثني بعض المثقفين الثقاة أنَّ البعض في كندا دبلجوا هذا المشهد ووضعوا قبعة دينية لليهود على رأس والد الطفل الشهيد محمد درة، فبدا للنظارين كأنه أب يهودي وكأن الشهيد محمد الدرة طفل يهود، ولما انتشر هذا المشهد المُدبلج قامت مظاهرات غاضبة في كندا ضد وجود المسلمين والعرب والفلسطينيين في كندا!!، وهو مجرد مثال يؤكد كم تأثير الإعلام، وكم هو قادر على قلب الحقائق وغسل الأدمغة وصناعة الرأي العام على قاعدة: (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس)، وهذا المثال هو غيض من فيض، وهو مثال من ضمن عشرات آلاف المشاهد الإعلامية المُفبركة التي أتقن سحرة الإعلام الدجالون صناعتها، حتى يطمسوا الحقيقة ويؤلبوا الرأي العالمي ضدنا، وكأننا نحن المحتلون الذين احتلوا أرض فلسطين التاريخية!!، وكأننا نحن الذين احتلوا القدس والمسجد الأقصى المباركين!!، وكأننا نحن الذين طردوا شعبًا آخر من أرضه وبيته ووطنه ومقدساته!!، فلماذا لا زلنا نُردد تلك الجملة الممجوجة: (الحركة الصهيونية تُسيطر على الإعلام العالمي وعلى إنتاج الأفلام العالمية)!!، فأين أموالنا؟! وأين اعلاميونا؟! وأين دورنا؟! وأين منتجو أفلامنا؟! وأين مخرجو مسرحياتنا؟

ولماذا لم ننتقل حتى الآن إلى مرحلة إزالة الغشاوة عن عيون أهل الأرض حتى يُشاهدوا الحقيقة!!، مع التأكيد أننا لسنا بحاجة أن نكذب حتى يُصدقنا الناس، بل نحنُ مُطالبون أن ننقل الحقيقة كما هي إعلاميًا أو عبر أفلام عالمية إلى كل أهل الأرض بكل لغاتهم وستأخذ الحقيقة أثرها التلقائي، وستفضح الكذب، وستُعري معسكر الكاذبين، وستُنقذ أهل الأرض من سحرة الإعلام الدجالين، وعندها سيتعرف أهل الأرض علينا وعلى الحقيقة التي نحملها وعلى الثوابت والقيم الإسلامية العروبية الفلسطينية التي نتمسك بها، وعندها سيعرف كل أهل الأرض أننا أمة الرحمة وأمة السلام وأمة اقرأ وأمة إعمل وأمة أتقن عملك وأمة نشر القسط والعدل في كل الأرض، ثم عندها سيعرف أهل الأرض أن من قال عنا غير ذلك فقد كذب وخدع أهل الأرض وسفّه أحلامهم واستغل عقولهم!!.



2. عندما نتحدث عن إعلامنا لا يُمكن لنا أن نمر غافلين عن قناة (الجزيرة)، فهي التي أدخلت إعلامنا في مرحلة جديدة، ولا أقول إن قناة الجزيرة معصومة، ولكنها دون شك قد أدّت رسالة إعلامية طالما طمعنا بها، فقد تحولت إلى صوت المظلومين والمُستضعفين والمنسيين، وقد تحولت إلى منبر عالمي لنقل همومنا إلى أهل الأرض بخطاب مهني مُتألق ومُحترف، ولنتصور لو كانت هناك قناة شبيهة بها بمهنيتها وقوة تأثيرها في تركيا، وأخرى في أندونيسيا، وثالثة في ماليزيا، ورابعة في باكستان، وخامسة في المغرب العربي، ولنتصور لو كانت هناك قناة شبيهة بها في أوروبا وأخرى في أمريكا وثالثة في روسيا ورابعة في الهند وخامسة في الصين وسادسة في جنوب أفريقيا وسابعة في أمريكا الجنوبية.. إلخ، لو تحقق كل ذلك لصنع إعلامنا الرأي العام العالمي الحق والمنصف الذي ينتصر للحق والإنسانية والعدالة وحرية الشعوب وحقوق الإنسان!!، وما الذي ينقصنا حتى يتحقق ذلك؟! لا شيء؟!



فإنّ كل ما هو مطلوب مُتوفر بين أيدينا، بداية من المال ووصولًا إلى العقول الإعلامية المُبدعة، مع التأكيد أنَّ هذا الطموح الإعلامي لن يتحقق إلا إذا أصبحت أموال الأمة الإسلامية والعالم العربي تحت تصرف الأمناء الذين يُمثلون طموح المسلمين والعرب، مما يعني أنه لا يجوز لهذه الأموال ذات الأرقام الفلكية أن تبقى كأنها ملك شخصي للحُكام وأولادهم وبطاناتهم!!



3. مما لا يزال يستوقفني منذ عشرات السنين مقولة: إن الحركة الصهيونية تُقرر مصير الحكومات في كل العالم، وتملك قوة ضغط على هذه الحكومات وعلى سياسات هذه الحكومات بما يصب في مصلحة المؤسسة الإسرائيلية!!، وإن سأل سائل ما سر ذلك؟! كان الجواب لأن الحركة الصهيونية تملك القدرة المالية العالمية والامتداد السياسي العالمي والقدرة على التأثير في مُجريات انتخاب الرؤساء والبرلمانات!!، ولو افترضنا أنّ هذا الجواب هو الجواب الصواب الذي لا ينتطح عليه عنزان، فأعود وأقول: أموال الشعوب المسلمة والعربية أضعاف الأموال التي تملكها الحركة الصهيونية، والامتداد البشري للجاليات المسلمة والعربية والفلسطينية أوسع بكثير من الامتداد البشري للحركة الصهيونية، ولعلي لا أبالغ لو قلت: ما من دولة في العالم إلا وفيها حضور عددي لهذا الامتداد للجاليات المسلمة والعربية والفلسطينية؟!، فأين صوت هذه الجاليات؟! ولماذا لا تعكس قوتها العددية قوة سياسية في كل دولة تعيش فيها، وقوة ضغط وتأثير على كل حكومة وعلى انتخاب كل رئيس حكومة، وعلى انتخاب كل برلمان في الأرض، وعلى كل قرار يصدر عن كل حكومة ورئيسها وعن كل برلمان في الأرض، فجالياتنا المسلمة والعربية والفلسطينية هي الجاليات التي تملك القوة العددية، والقوة العلمية حيث أن الكثير منها متعلمون وحملة شهادات جامعية عليا في كل التخصصات، وتملك وحدة الانتماء إلى ثوابت وقيم إسلامية عروبية فلسطينية، فما الذي ينقصها حتى تقوم بهذا الدور؟!


إنها بحاجة إلى رعاية لتوحيد صفها وكلمتها وموقفها وإرادتها وصوتها الانتخابي، ولو أتقنت ذلك لغيرت قواعد اللعبة السياسية العالمية اليوم، فهل من حاكم منا يتقي الله تعالى فينا، ويأخذ على عاتقه تحويل جالياتنا المسلمة والعربية والفلسطينية من قوة عددية لا وزن لها ولا اعتبار إلى قوة سياسية وإعلامية ومالية وعلمية لا تستطيع أية حكومة في الأرض تجاهلها.

4. أرأيتم لو أن سفراء الدول المسلمة والعربية أدوا دورهم كما يجب في كل دولة يؤدون فيها دورهم كسفراء، لنجحوا أن ينقلوا كل همومنا على صعيدها الإسلامي والعربي والفلسطيني إلى كل أهل الأرض، ولنجحوا أن يستقطبوا كل شعوب الأرض لنصرة كل قضايانا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فما الذي يمنعهم من القيام بهذا الدور؟!، وإلا لماذا يُطلقون على أنفسهم اسم سفراء؟!، وهل مهمة السفير هي إقامة وجبات الغداء الفاخرة وسهرات الليل حتى ما بعد منتصف الليل؟!

5. أختم وأقول: أنا لا ألوم جالياتنا المسلمة والعربية والفلسطينية على تقصيرها، ولا ألوم سفراء الدول المسلمة والعربية على تقصيرهم، لأنه لا حاكم يتحلى بالعدل والعدالة يرعاهم، فهم يُعانون كما نحن نُعاني من كرباج الحكم الجبري المُسلط على ظهورنا، وسنبقى على هذا الحال حتى يتحقق فينا مُبشرات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يقول فيها: (ثمّ تكون خلافة على منهاج النبوة تملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن ملأت ظلمًا وجورا)، وحتى تتحقق هذه المبشرات نحن مطالبون أن نقوم بدورنا وفق استطاعتنا، بما في ذلك هذه الجاليات وهؤلاء السفراء.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023