يقال أن أحد مشاكل رئيس الوزراء الإسرائيلي ؛ الداخلية مع إئتلاف حربه الهجين ، والخارجية مع حليفه الرئيسي- أميركا- في الحرب علينا في غزة ، أحد مشاكله ـ وهي كثيرة ـ بحث موضوع اليوم التالي للحرب على غزة ؛ ففي الوقت الذي يرغب ـ وما كل ما يتمنى المرء يدركه ـ أن لا يرى هو وحامي الرأس " غالنت " فيهأثراً لحركة حماس ، ولا لقوى المقاومة في مستقبل غزة القادم ؛ يرى آخرون من حلفائه أن بلوغ هذا الهدف دونه خرط القتاد، وأن استئصال هذه الحركات هو حلم بعيد المنال ؛ فكيف يمكن استئصال فكرة أثبتت جدواها من رأس حاملها ؟ أو كيف يمكن القضاء على أمل تُرى مؤشرات تحققه من قلب صاحبه . فإن كان هذا هو دأب هؤلاء القوم في التفكير المبكر لليوم التالي لحربهم ؛ فإننا نعتقد أن قوى المقاومة ومحورها هم الأولى بالتفكير في اليوم التالي لهذه المعركة ؛ كيف لا ، وهي جولة ستتبعها جولات ، وعركة ستتبعها عركات . وقبل الخوض في أصل هذه الورقة وما تصبو له من المشاركة في وضع تصور لجدول أعمال بحث يفترض كاتب هذه السطور أنه يجب أن يكون محل اهتمام وتدارس قوى المقاومة ؛ قبل الخوض في هذا البحث ، لا بد من التذكير بأصل مهم من أصول أخذ قرار حرب أو معركة ، أو فتح اشتباك مع عدو ـ مطلق عدو ـ ، هذا الأصل لا نُذكّر به اعتقاداً منا أنه غاب أو يغيب عن صناع القرار أو متخذيه ؛ وإنما نُذكّر به من باب التدليل على أهميته ، وضرورة عدم غيابه أو التقليل من شأنه في ظل زحمة الأولويات ، وكثرة المعطيات التي توضع أمام متخذ القرار عند إرادته أخذ مثل هذه القرارات ، هذا الأصل يقول : أن صاحب القرار يجب عليه أن يسأل ـ وبرأس بارد ـ الأسئلة الصعبة المرتبطة بما هو مقدم عليه من فعل وإجراء ، ومن أهم هذه الأسئلة :
1. ما هو الهدف من الحرب أو المعركة أو الاشتباك ؟
2. هل يمكن تحقيق هذا الهدف بطرق غير الحرب أو القوة الخشنة ؟
3. ما هو رد فعل العدو المتصور على فعلنا المقرر ؟
4. هل ما نملكه من قدرات يحقق ما نصبوا له من رغبات ؟
5. ما هي أكلاف هذه الحرب أو المعركة ؛ البشرية منها والمادية ؟
6. ما هي جدواها على كل الصعد ؛ السياسية والعسكرية والمدنية ؟
7. ما هو شكل الموقف ـ
السياسي ، العسكري ، المدني والإنساني
ـ الذي سيلي وقف الحرب وانطفاء نارها ؟
هذه بعض أهم الأسئلة التي يجب أن تحضر على طاولة صُنّاع قرار ـ السياسيين والعسكريين ـ الحرب ومتخذيه ، قبل اتخاذهم قرار بدئها ، أو المصادقة على خرائطها وخططها ومراحلها .
وبناء على ما تقدم ، وتذكيراً بما مضى منذ بدء معركة " طوفان الاقصى " فيما يخص سلوك محور المقاومة الذي صاحب هذه المعركة ، حيث تداعت ــ وجاهة أو بالواسطة ـ رؤوس هذا المحور لتدارس الموقف ، وتقليب وجهات النظر فيه ، الأمر ـ التدراس ـ الذي رأينا أثره في اليوم الثاني لهذه المعركة ، حيث اشتبك رأس هذا المحور، ممثلاً بالمقاومة الإسلامية في لبنان " حزب الله " مع هذا العدو ، ففتح النار عليه في الثامن من أكتوبر 2023 ضمن سقوف وقواعد اشتباك معروفة ، قاعدتها ـ السقوف ـ عدم تدحرج الموقف وانفلاته إلى حرب مفتوحة مع هذا العدو وحلفائه ، مع عدم إراحتهم ـ العدو وحلفائه ـ ، وإبقائهم تحت الضغط والمشاغلة ، لما في هذا الأمر من أثر على مسرح العمليات الرئيسي في غزة ، وحيث أننا لسنا في صدد تقييم هذا الموقف ، أو السلوك الناتج عنه ، فقد رأت فيه ـ سلوك محور المقاومة ـ فئة من المراقبين سلوكاً مُحسناً ومساعداً للمقاومة في غزة ، بينما أعرب بعضٌ آخر عن عتبه مع تفهمه لهذا الموقف ، أما فئة الشامتين المعارضين لكل ما يصدر عن هذا المحور من سلوك أو فعل ؛ فيصدق فيهم المثل القائل : ( لا مع ستي بخير ولا مع سيدي بخير ) . هنا نغلق البحث والمقدمات ، لندلف إلى أصل الهدف من هذه الورقة وهو ما يعتقد كاتبها أنه يجب أن يكون محل بحث وتمحيص وتدقيق من أصحاب الاختصاص في " محور المقاومة " وفي مختلف المستويات ؛ السياسية والعسكرية والإجتماعية ؛ وكل في مجال تخصصه ، خلوصاً إلى نتائج وعبر ودروس ، وقرارات يبنى عليها مقتضاها .
نعتقد أن جدول أعمال قادة محور المقاومة ومنتسبيه لليوم التالي للحرب يجب أن يتضمن العناوين الآتية :
1. مراجعة ملابسات اليوم الماضي
وهنا سيكثر الحديث ، وتكثر التحليلات ، وسيختلط الشأن العسكري بالشأن السياسي والأمني ، وستتضارب المعطيات ، وستدخل العاطفة على حكم العقل ونظراته ، وهل ما قُدّم كان على قدر ما تُؤمل ؟ وهل كانت التوقعات على قدر التحليلات ؟ هل حضرت كل المعطيات قبل أخذ القرارت ؟ أين كانت الرغبات أكثر من القدرات عند أخذ القرارات ؟ هل استنفدت جميع الخيارات قبل الرسو على خيار المعارك والاشتباكات ؟ أصلا ً ؛ هل كان متفق على الأدوار والمهمات بين مختلف هذه المكونات ؟ وأسئلة يطول الحديث عنها وحولها وفيها ، لكن نكتفي بما ذكرنا خوفاً من الإطناب الممل .
2. إجراءات اليوم الحاضر
النقطة الثانية التي يجب أن تشكل محور بحث هذه الجهات ؛ هي إجراءات اليوم الحاضر ، فقد خرجنا من حرب ، أكلافها حاضرة في كل تفصيل نقرأه ، وفي كل مشهد نشاهده ، لذلك يجب تحديد الأولويات ، وتخصيص القدرات للحد من التداعيات، فمنهجية إدارة الأزمات ، تستدعي أولاً : محاصرة الأزمة ، ثم الحد من تفاقمها ، ثم العمل على علاج تداعياتها . وهل هناك أزمة أكبر أثراً وأكثر حضوراً من الخروج من حرب مدمرة ؟ أحرقت أخضر غزة العزة قبل يابسها ، وعليه ؛ ما هي الإجراءات التي يجب أن يُبدأ فيها وبشكل مباشر عند الإعلان عن وقف إطلاق النار الشامل ؟ وعلى كل الصعد ، المدنية والإجتماعية ، والعسكرية الميدانية ، والسياسية الدبلوماسية ، يجب أن تكون هناك برامج عمل وإجراءات تنفيذية حاضرة من الآن ، فالوقت لا يتسع لحديث ورش العمل والتفكير ؛ وإنما الوقت وقت التشمير عن السواعد ، والغوص في الإجراءات العملية التي يُرى أثرها في واقع الناس اليومي ، وهذه ـ إجراءات التخفيف عن الناس وتأمين وحماية متطلباتهم ـ يجب أن تولى الأهمية الكبرى ، وتوضع على رأس الأولويات ، غير ذلك ؛ فإننا نخشى ـ لا قدر الله ـ أن نُضيع ما حققنا في هذه المعركة من إنجازات ، عندها (لَكوا عن روسكو وروسنا ) .
3. رسم معالم اليوم التالي
أما النقطة الثالثة والتي نعتقد أنها يجب أن تكون على جدول الأعمال ، فهي نقطة رسم معالم اليوم التالي ، فحربنا مع عدونا لم تنته بعد ، وهذه معركة من معاركها ، وجولة من جولاتها ، فإن أردنا أن يكون الخير في ( الجايات ) ؛ نعتقد أننا بحاجة إلى مجموعة من الإجراءات يتفق فيها على :
▪رؤية اليوم التالي
ما هي رؤيتنا مجتمعين لليوم التالي ؟ ما هي معالم هذه الرؤية ومحدداتها ؟ وما هي ضوابطها وسياساتها ؟ وكيف تدار مواقفها وإجراءاتها ؟
▪ مهمة اليوم التالي
ما هي مهمة اليوم التالي ؟ وما هي مهام كل منا في سياق هذه المهمة ؟ كيف تؤمَن قدرات تنفيذ هذه المهمات ؟ هل هذه المهمات تتساوق مع سياسات كل منا وظروفه الإجتماعية والجغرافية ؟ كيف نُقرّب بين المتضادات الناتجة عن تشتت الجغرافيات ؟ ماذا عن الأولويات التي تفرضها الجغرافيات ؟
▪ شركاء اليوم التالي
ها قد خرجنا من معركة ، بان فيها الصديق من العدو ، والأصيل من الدعي ، والنائحة الثكلى من تلك المُستأجرة ، فهل سنكرر ما وقعنا فيه ماضياً من أخطاء عند تعريف الأعداء من الأصدقاء ؟ أم أن ما بعد هذه المعركة لا يجب أن يكون كما كان قبلها ، فتوضع معايير التعريف والتصنيف ، فما وافق رافق ؛ وما خالف تُخلي عنه ، إننا في المعركة القادمة مع هذا العدو بحاجة إلى صديق صدوق يقاتل معه في كل المحافل ، كتفاً إلى كتف ، وظهراً إلى ظهر ، ولسنا بحاجة إلى مخذلين مطبلين "يعطوننا من طرف اللسان حلاوة " فيدسون سمهم في ( دسمهم ) ، وهنا يجب التفريق بين ما هو شخصي وما هو عام ، ولا يجب الخلط بين العلاقات السياسية والعلاقات الشخصية ، فما عاد في القوس من منزع ، فوعد الآخرة بحاجة إلى أبناء آخرة ، لا أبناء دنيا !
▪ طرق ووسائل وإجراءات ضبط الحركات والمسارات
فنحن ـ محور المقاومة ـ في مركب واحد ، يجب أن تتضافر فيه جميع الجهود في اتجاه تنفيذ أصل الغاية العليا التي يتغنى بها الجميع ، وفي شأننا نحن ؛ فالقدس واسترجاعها والصلاة فيها هي أم الغايات ، وأولى الأولويات ، يشاركنا فيها أخوة لنا من مختلف الجغرافيات ، ولديهم هم الآخرون أولويات وغايات ؛لا تصرفهم عن السعي لتحقيق أسمى الأمنيات ؛ تحرير مسرى سيد الرسل والكائنات ، لذلك يجب أن يتم التفاهم على وسائل وطرق ضبط مختلف المسارات والحركات ، حتى لا تتضارب الأولويات ، وتتباعد المسارات ، وهذا صعب غير مستحيل ، يتطلب إبتداءً التفاهم على الرؤى والسياسات ، ليسهل معه إنتهاء ضبط المسارات ، بما لا يتعارض مع الأولويات .
▪رؤيتنا لليوم التالي
ثم وبعد هذا كله ؛ يجب أن يتم التفاهم على رؤيتنا لليوم التالي لهذا اليوم الحالي الذي تفاهمنا وتوافقنا على رؤاه وغاياته ، وطرق عمله وإجراءاته ؛ كيف نراه ؟ وما هي مواصفاته ؟
هذه أفكار سريعة ، وعصفٌ ذهني أسرع ، لما يرى كاتب هذه السطور أنه يجب أن يكون جدول أعمال قوى محور المقاومة ، لليوم التالي لما نحن فيه من يوم حالي ، علّنا بهذا نكون قدحنا زناد الأفكار ، وأضأنا شمعة تشخص نحوها الأبصار ، فإن أحسنا ؛ فمَنّ الله وفضله ، وإن أسأنا فمن أنفسنا والشيطان . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .