نتنياهو.. هل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

حضارات

مؤسسة حضارات

المقال الأسبوعي لفضيلة الشيخ رائد صلاح، تحت عنوان :

هل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

بعد أحداث 2023.10.7 أعلن نتنياهو أنه سيقتحم غزة بهدف القضاء على حماس، وتحرير الرهائن، وتعيين قيادة بديلة لحماس في غزة، وإعادة سكان غلاف غزة إلى بلداتهم مع توفير الأمن لهم، والحفاظ على أجواء الأمن لكل سكان المجتمع الإسرائيلي أينما عاشوا، ثم بدأت حملة نتنياهو العسكرية من أجل تحقيق تلك الأهداف، وكانت هذه الحملة ولا تزال مدعومة بأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بخاصة، والكثير من دول العالم بعامة وهي الدول التابعة لأمريكا والمضبوعة بها، والتي لا تجرأ أن تعصي لها أمرًا، وها هو قد مضى على هذه الحملة العسكرية لنتنياهو بضعة أشهر، وخلال هذه الأشهر الماضية جرت مياه كثيرة في النهر، وظل نتنياهو متصلبًا في موقفه ومصرًا على مواصلة حملته العسكرية، وكأنه غير آبه بما وقع في هذه الأشهر من أحداث جسام قد تقود العالم إلى حرب إقليمية ثم حرب عالمية، وظل نتنياهو على إصراره، وبات بعض المراقبين يتساءلون: هل يخوض نتنياهو الآن مغامرة أم مقامرة؟! وهل هو الآن مغامر أم مقامر؟! لا سيما وقد اجتمعت هذه المعطيات:

1. بات يزداد عدد الأصوات التي تقول علانية لا يُمكن القضاء على حماس، ومع ذلك يواصل نتنياهو إصراره على مواصلة هذه الحملة العسكرية، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

2. بات يزداد عدد الأصوات التي تقول علانية: لا يُمكن إعادة الرهائن إلا عبر المفاوضات، ولا يُمكن أن تنجح أية مفاوضات لإعادتهم إلا بعد وقف إطلاق النار، ومع ذلك يُصر نتنياهو على موقفه!!، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

3. كانت محاولات عسكرية إسرائيلية لإعادة الرهائن، إلا أنها قد فشلت وتسببت بمقتل مجموعة من الرهائن، ومع ذلك يُصر نتنياهو على موقفه!!، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

4. غادر سكان غلاف غزة بلداتهم، ولم يبق فيها إلا القليل، وغادر الكثير من المجتمع الإسرائيلي بلداتهم الواقعة في الشمال على حدود لبنان، وليس واضحًا متى يعودون، ومع ذلك يُصر نتنياهو على موقفه، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

5. بدأت تزداد المؤشرات من خطر الحال الذي يُهدد الاقتصاد الإسرائيلي والذي قد يتسبب بالبطالة وغلاء المعيشة وتوقف مشاريع البناء وجمود السياحة وتعثر الزراعة والهجرة إلى أوروبا وأمريكا، ومع ذلك يُصر نتنياهو على موقفه، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

6. تُشير الاستطلاعات العالمية إلى زيادة عالمية في نسبة الكارهين لسياسة المؤسسة الإسرائيلية والرافضين لها أو المقاطعين لها أو الداعين لتقديمها للمحاكم الدولية، ومع ذلك يُصر نتنياهو على موقفه، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

7. ازدادت حدة هوة التصدعات في المجتمع الإسرائيلي، وزادت ظاهرة الإستقطابات فيه، على خلفيات كثيرة، قد تكون عرقية أو دينية أو طبقية، وبدأت تتلاشى نظرية “الانصهار”، بمعنى صهر كل المجتمع الإسرائيلي في المشروع الصهيوني الواحد المتعاضد، وقد تكون إسقاطات هذه التصدُعات خطيرة، ومع ذلك يُصر نتنياهو على موقفه، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

8. ارتفع عدد الأرقام التي تُشير إلى فداحة الكارثة الإنسانية في غزة، فها هو عدد ضحايا هذه الكارثة يزيد على ثلاثين ألفًا حتى الآن، وها هو عدد مُصابي هذه الكارثة يزيد على السبعين ألفًا حتى الآن، وزاد عدد البيوت المُدمرة على 80% من مُجمل بيوت غزة، وزاد عدد النازحين من موقع إلى موقع في غزة إلى أكثر من مليون ونصف، ومع ذلك يُصر نتنياهو على موقفه، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

9. لا تزال تزداد أعداد القتلى في الجيش الإسرائيلي، وفق المصادر الإسرائيلية، ولا تزال تزداد أعداد جرحاه، وأعداد من أصيبوا بأمراض نفسية، وأعداد المعوقين، وأعداد من فقدوا بصرهم، ومع ذلك يُصر نتنياهو على موقفه، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

10. صرّح “عامي أيلون” أحد الرؤساء السابقين لجهاز المخابرات الإسرائيلي الداخلي (الشاباك) في مقابلة مطولة في صحيفة “هآرتس”، قائلًا: (الفلسطينيون مستعدون للقتال والموت من أجل استقلالهم)، ومع ذلك ظل نتنياهو يُصرح في كل إطلالاته الإعلامية أنه سيقضي على حماس وسيُعيد الرهائن الإسرائيليين، ولذلك سيواصل الحرب في غزة، وإلى جانب صوت “عامي أيلون” ارتفع صوت الرئيس السابق لشعبة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال إحتياط “شلومو غازيت”، وقال صراحة: (… بينما كنا في ذلك الوقت “أي ما قبل 2023.10.7” نعيش على أمل أن تُبادر إسرائيل إلى عملية عسكرية هجومية، فإننا نواجه الآن علامات تدل على فشل هذه العملية وتفويت الفرصة المترتبة عليها)، ومع ذلك أصمّ نتنياهو أذنيه عن سماع هذه الأصوات، وظل مُصرًا على موقفه!!، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

11. وقامت جوقة مُطبلين ومُزمرين حول نتنياهو كأني بها تصرخ في أذنيه طوال الوقت: (الحرب.. الحرب.. الحرب) حتى تضمن دوام إصراره على موقفه، فهذا “نيسيم فاطوري” عضو الكنيست الليكودي ونائب رئيس الكنيست، صرح قائلًا: (يجب حرق غزة، وتصفية من بقى فيها)!!، وهذه “تسيبي حطوفيلي” السفيرة الإسرائيلية في لندن صرحت قائلة: (يجب تدمير غزة وتسويتها بالأرض)!!، لا بل دعا أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي علانية إلى إلقاء قنبلة ذرية على غزة!!، فجاءت هذه التصريحات لتشدّ على يديّ نتنياهو، وليواصل إصراره على موقفه، دون أن يسأل نفسه ولو لمرة واحدة إذا كان في مغامرة أم مقامرة؟!

12. وخرجت جنوب أفريقيا عن صمتها وتقدمت بدعوى ضد المؤسسة الإسرائيلية أمام محكمة العدل الدولية مُتهمة إياها بممارسة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، ثمّ انضمت كل من تركيا وماليزيا والأردن وبوليفيا إلى الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، ولعل دولًا أخرى ستنضم إلى هذه الدعوى لأن نائبة رئيسة الحكومة الدانماركية أعلنت أنها ستطالب حكومتها بالانضمام إلى هذه الدعوى، ومع هذا التغير العالمي والذي بات يُطالب علانية بمحاكمة المؤسسة الإسرائيلية ظل نتنياهو مُصرًا على موقفه، وبدل أن يُصغي إلى نبض الشارع العالمي يبدو أنه أعجب بانتقاد الرئيس الإسرائيلي “إسحاق هرتسوغ” لهذه الدعوى واصفًا إياها بأنها: (دعوى لا يوجد ما هو أكثر وحشية وسخافة منها)، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

13. ووفق استطلاع رأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ارتفعت نسبة اعتبار القضية الفلسطينية قضية كل العرب بشكل ملحوظ بين جماهير العالم العربي، ففي دولة المغرب ارتفعت من 59% عام 2022 إلى 95%، وفي مصر ارتفعت من 75% إلى 94%، وفي السعودية ارتفعت من 69% إلى 95%!!، ووفق هذا الاستطلاع فإنّ 89% من جمهور العالم العربي يرفضون أن تعترف بلدانهم بإسرائيل، ووفق هذا الاستطلاع فإنّ نسبة الذين أفادوا بأنهم لا يتضامنون مع الفلسطينيين 1% فقط.

وهكذا بات الشارع العربي في العالم العربي في واد وبات التطبيع وباتت اتفاقية (أبراهام) في واد آخر، ومع ذلك لا يزال يُصر نتنياهو على موقفه، فهل هو في مغامرة أم مقامرة؟!

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023