يؤرخ الكثير من المتابعين للمقاومة في الضفة الغربية بأحداث مفصلية مرت على مدننا وقرانا وأهلنا وناسنا هناك، ففي عام 1987 بدأت الانتفاضة الأولى، وما رافقها من أعمال بطولية اتسمت بكثير من التحدي والعنفوان، ولكنها اقتصرت على عمليات اشتباك بالحجارة وعبوات الملتوف والمقاومة الشعبية، من حرق ودهس و(دهورة) لحافلات المستوطنين، ثم بدأت هذه الفعاليات بالخفوت والتراجع مع الأيام.
ثم كانت الانتفاضة الثانية عام 2000 والتي استمرت حتى عام 2005، حيث جاءت هذه الانتفاضة كرد على تدنيس " أرئيل شارون " للمسجد الأقصى؛ فكانت هبة أشعلت الأرض تحت أقدام العدو، بما صاحبها من عمليات استشهادية، واشتباكات مسلحة عسكرية.
ثم كانت عملية السور الواقي 2002 التي اجتاح فيها العدو مدن وقرى الضفة الغربية، وحاصر مقرة المقاطعة في رام الله حيث مركز قيادة سلطة الحكم الذاتي، وما رافق هذه العملية من بطولات في كافة مدن الضفة الغربية؛ خاص مدينة جنين ومخيمها، الذين أضحيا ـ وما زالا حتى الآن ـ أيقونة المقاومة ورمزاً للصمود، ومصدر قلق و(وجع) رأس للعدو الصهيوني.
ثم جاء السابع من أكتوبر 2023 وأرخى بظلاله ـ وما زال ـ على المشهد المحلي والإقليمي والدولي، حيث خطفت غزة الأضواء من معظم المشهد الدولي، فضلاً عن المحلي والإقليمي؛ حتى أنها تقدمت على أوكرانيا، وهي من هي في معادلات (الكباش) الدولي بين روسيا وحلف شمال الأطلسي؛ فسرقت غزة منها ـ أوكرانيا ـ الأضواء، كما لم يعد يفطن للسودان وما فيه من حرب أهلية، أو سوريا وما فيها من قواعد أمريكية.
وهنا لا بد من تسجيل نقطة مهمة يغفل عنها البعض وهي أن العدو عندما أفاق من صدمته ، والمفاجأة التي فاجأته بها قوى المقاومة وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام في غزة ، عندما صبّحته في يوم عيده في السابع من أكتوبر 2023 ، نقول أن العدو عندما أفاق من هذه الصدمة ؛ عمل على احتوائها ، والتعامل معها انطلاقاً من مجموعة دروس وعبر كان قد استخلصها من معركة " سيف القدس " عام 2022 ، عندما خرجت بعضاً من مدننا المحتلة عام 1948 عن سيطرة العدو ـ اللد مثلاً ـ ، حيث شكل له تحرك أهلنا في هذه المدن ، وفي الضفة الغربية قلقاً وفزعاً ، ظن معه أنه سائرٌ إلى الهاوية ؛ لقد كان أهم درس استخلصه العدو من معركة " سيف القدس " أنه لا يجب أن يخوض حرباً أو يخرج لمواجهة أي تهديدٍ قبل أن ( يُثَبّتَ ) مصادر التهديد في الضفة الغربية ، وفي المناطق المحتلة عام 1948 ، هذا فضلاً عن الجبهات الخارجية ؛ خاصة جبهته مع جنوب لبنان حيث المقاومة الإسلامية " حزب الله " ، فخصص لكل هذه الجبهات ما يناسبها من قدرات، ففي مناطق الثمانية والأربعين جهودٌ عسكرية وأمنية وسياسية ، منعت الجميع من الحراك أو المشاركة الفاعلية في التخفيف عن أهلنا في غزة ، أما الضفة الغربية ؛ فقد قطع أوصالها ، وشل حركتها ، ونشر فيها ما لا يقل عن 750 حاجز و ( محسوم ) ثابت وطيار ، وفي لبنان ؛ نشر ثلاث فرق عسكرية ، هو في أشد الحاجة لها في الجهد الرئيسي على جبهة غزة ؛ ثم لم يكتف بهذا الأمر ؛ فشرع في عمليات الاجتياح الشبه يومية للضفة الغربية ومدنها وقراها ، فبلغت عمليات اجتياحه اليومية ما لا يقل عن 60 عملية اجتياح ، فارتقى شهداء بلغوا الـ 450 شهيد ، واعتقل ما لا يقل عن 8500 معتقل ، وجَرّف البنى التحتية والخدمية في معظم الأماكن التي دخلها ، محاولاً تأليب الحاضنة الشعبية على فصائل المقاومة المنتشرة في المدن والمخيمات .
إن المراقب عن بعد يظن أن ما قام ويقوم به العدو في الضفة الغربية هو أقصى ما يمكن أن يقوم به الآن ، أو بعد انتهاء الحرب في غزة ،الأمر الذي يعتقد كاتب هذه الورقة أنه بحاجة لمرجعة ، حيث نعتقد أن العدو مقبلٌ على عمل هو أشد خطورة ، وأكثر فتكاً وإيلاماً للمقاومة وحاضنتها في الضفة الغربية ، وأنه ينتظر اليوم الذي ينتهي فيه من غزة كجهد رئيس للعمليات ، ليحوّل قدراته القتالية وجهوده التعبوية نحو الضفة الغربية ، فتصبح هي محور الجهود الرئيسية ، بعد أن كانت محط الجهود الثانوية ، الأمر ـ هذه التحول ـ ستحاول هذه الورقة التفصيل فيه عبر مجموعة من العناوين ، بهدف إعداد العدة للقادم من الأيام ، فـ ( العليق يوم الغارة ما بنفع ) .
هدف العدو:
لاستشراف حركة العدو المستقبلية؛ لابد من توقع نواياه ـ المهمة الرئيسية لضباط الاستخبارات العسكرية، معرفة نوايا العدو المستقبلية ـ وتعريف أهدافه المتوقعة من مناورته التعبوية المقبلة في الضفة الغربية، حيث نعتقد أن العدو يهدف من خلال عمله المستقبلي المتوقع إلى:
ملامح المشهد التعبوي:
تتكون قوات المقاومة التي ستواجه العدو في حال أقدم على مناورته في الضفة الغربية من :
أما عن قوات العدو، فبناء على نظام المعركة العدو، وتقسم مناطق المسؤولية، فإن منطقة الضفة الغربية تقع ضمن منطقة مسؤولة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، وهي قيادة مناطقية في جيش العدو مسؤولة عن جميع الوحدات والألوية الموجودة في منطقة الضفة الغربية والأغوار والقدس، وتضم التشكيلات والوحدات التالية:
مجموعة الدعم اللوجستي 5004 باستعداد لواء، وحدة الشرطة العسكرية 391، قاعدة العتاد القيادية للاتصالات 382، كتيبة الاتصالات 372، الكتيبة الطبية التابعة للمنطقة الوسطى.
إن الهدف من تفصيل تركيب قوات العدو في المنطقة العسكرية الوسطى لجيش العدو ؛ هو التذكر بأن هذه المنطقة العسكرية ، إن خرجت للمهمة المتوقعة مستقبلاً ، وبعد انتهاء الحرب في غزة ؛ فإن عمدة قواتها المناورة في منطقة العمليات سوف تكون من تشكيلات الفرقة 877 ، كون منطقة الضفة الغربية هي منطقة مسؤوليتها ، وحيث أن هذه الفرقة جزء من تشكيل المنطقة الوسطى الخاضعة لقيادة واحدة ، فإن باقي تشكيلات المنطقة العسكرية سوف تعبئ وتُستنفر وتكون جاهزة للقيام بأي مهمة ـ احتلال ، تأمين ، سيطرة ، تعزيز ـ تطلب منها لتأمين نجاح قوات الواجب الرئيسي والتي ستكون كما ذكرنا وحدات الفرقة 877 ، لذلك وجب التذكير .
إجراءات العمل التكتيكية:
نعتقد أن العدو من أجل تنفيذ مناورته وتحقيق هدفه منها سيعمد إلى مجموعة من الإجراءات التكتيكية، والحركات التعبوية، نذكر أهمها دون التفصيل في المقتضى التعبوي لكل منها، لاعتبارات فنية وتخصصية، لا نريد أن نثقل بها على القارئ، أما عن الإجراءات، فنعتقد أنها ستكون على النحو الآتي:
مواجهة الإجراءات العدائية :
للحد من فاعلية إجراءات العدو ، والعمل على التقليل من أثرها على المقاومين وبيئتهم الحاضنة ، لابد من القيام بمجموعة من الإجراءات والتحضيرات السابقة لمناورة العدو ، والمرفقة لها ، أما عن الإجراءات السابقة فإن أهما :
وأما عن الإجراءات المصاحبة لمناورة العدو ؛ فمن أهمها :
هذه مجموعة من الأفكار والتصورات لما يمكن أن تشهده الضفة الغربية من (طحشة) صهيونية مستقبلية، في حال انتهت الحرب في غزة، على غير ما يريد العدو، بحيث تشكل له هذه العملية ( فشة خلق ) يعوض فيها ما خسره من هيبة وسمعة وردع ، فإن كانت الحرب في غزة ، فإن العين على الشمال حيث لبنان ، وجوهر الصراع في الضفة الغربية .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.