بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آل بيته الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين لا يخفى على شعوب أمتنا العربية والإسلامية ما تمر به غزة وأهلها من حرب وحشية مُدَمِرة تستهدف كل شيء؛ وقد بلغ الوضع الإنساني تأزما لدرجة مطالبة عدد من المؤسسات الدولية الإعلان عن المجاعة رسميا بقطاع غزة، نظرًا لما يشهده القطاع من تفاقم سريع لنقص الغذاء والدواء ولوازم الحياة؛ فضلا عن تدمير المجتمع، ناهيكم عن الأرواح والجراح.
وأمام هذه الظروف القاسية التي لم تَفُتّ من عضد مجاهدينا وشعبنا، تتأكد واجبات جمة ومسؤوليات عظيمة على الأمة: أفرادا وحكومات ومؤسسات؛ قياما بالمسئولية الشرعية التي أوجبها الله تعالى من خلال النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة، وفي الحديث الشريف عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة". رواه مسلم
ومن هذا المقام فإننا نصدر هذه الفتوى بين يدي شهر الحج والمناسك والشعائر المباركة، فنقول وبالله التوفيق:
أولا: أفضلية تقديم إغاثة أهلنا في غزة بمختلف المشاريع الداعمة لصمودهم وجهادهم على إقامة شعيرة الأضحية؛ وعند تزاحم الطاعات يُقَدَم الأولى؛ والجهاد بالمال، وهو واجب، مقدم بيقين على الأضحية وهي سنة مؤكدة عند الجمهور، بل إن القيام بالواجب المالي لأهل غزة أولى من حج النافلة.
ثانيا: من أراد التضحية من القادرين والمُوسرين فإننا نندبهم لجعل أضاحيهم في غزة، لأولوية احتياجهم، ومن لم يتيسر له لارتفاع قيمة المواشي نتيجة الحرب والحصار فليرسل سعته واستطاعته، ويُرجَى أن يتحقق له ثواب وجزاء الأضحية بِنِيَتِه، وإن لم يَقَع له الإجزَاء.
ثالثا: جواز تعجيل إخراج زكاة المال وصرفه لأهالي غزة ومشاريعها قبل حلول موعدها الشرعي للضرورة؛ فمن بلغ ماله نصابا ولم يحل موعد الإخراج بعد؛ نوصيه بالتعجيل للضرورة.
رابعا: نهيب بالأمة العربية والإسلامية أن تضاعف الجهد لغوث إخواننا وأهلنا في العشر المباركات من ذي الحجة؛ ففي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر" رواه البخاري، وهذا لفظ أبي داود وغيره، وإغاثة المسلمين من أفضل القربات وأجل الطاعات.
خامسا: توجيه لحوم هدي الحجاج لهذا الموسم إلى المحاصرين بغزة. أخيرا: يتأكد واجب النصرة والجهاد بالمال في كل حال وفق قاعدة بذل الوسع واستنفاد أقصى الجهد؛ ولا ينحصر الأمر بمواسم الخير فحسب؛ بل ينسـحب على كامل العام حتى يتحقق الانتصار والتمكين وتحرير المقدسات والأقصى بعون الله تعالى. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة: 105