المقال الأسبوعي لفضيلة الشيخ رائد صلاح
عجبٌ عجيبٌ هو حال بعض الأبواق الإسرائيلية التي تُعَرِّفُ نفسها على أنها أبواق إعلامية أو بحثية أو سياسية، فهي التي لا تزال تُعلن بين الحين والآخر أنها كانت ولا تزال تضيق ذرعًا بلجان إفشاء السلام ونشاطاتها، وباتت لا تتردد أن تُشكك بهذه اللجان ونشاطاتها أو تتهمها أو تُحرض عليها، لا بل وصل الأمر بهذه الأبواق الإسرائيلية أن تدّعي -باطلًا- أنها هي الوحيدة ذات الذكاء الخارق.
ولأنها كذلك فهي تعرف حقيقة نوايا هذه اللجان ونشاطاتها، وتعرف أن نوايا هذه اللجان ونشاطاتها ليست كما تبدو في ظاهرها، بل وراء الأكمة ما وراءها، ووفق هذا الأوهام الصبيانية التي سيطرت على ألسنة وأقلام وتفكير هذه الأبواق الإسرائيلية فقد أعطت لنفسها الحق -الموهوم- أن تطعن في لجان إفشاء السلام ونشاطاتها، فلأن لجان إفشاء السلام قد بادرت لزيارة كل رؤساء السلطات المحلية العربية الذين فازوا في جولة الانتخابات الأخيرة فقد بات هذا النشاط مطعونًا فيه في حسابات هذه الأبواق الإسرائيلية، ولأن لجان إفشاء السلام قد بادرت لزيارة الرؤساء الفائزين في السلطات المحلية العربية الدرزية في كل من يركا وأبو سنان وبيت جن والبقيعة وكسرى سميع وعسفيا ودالية الكرمل، فقد بات هذا النشاط مطعونًا فيه في حسابات هذه الأبواق الإسرائيلية.
ولأن لجان إفشاء السلام قد ضمت جهودها إلى جهود الكثير من لجان الإصلاح المحلية والقطرية، ونجحت هذه الجهود بإصلاح ذات البين في الكثير من النزاعات الدموية الشائكة التي أودت بحياة العشرات من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني كإصلاح ذات البين في كل من أم الفحم وكفركنا والبعنة وكابول ونحف والرملة وإبطن وميسر ويافا وغيرها، لأن لجان إفشاء السلام قد قامت بهذا النشاط، فقد بات هذا النشاط مطعونًا فيه في حسابات هذه الأبواق الإسرائيلية.
ولأن لجان إفشاء السلام لا تزال تقوم بنشاطات سنوية ثابتة في كل عام كيوم المعلم ويوم السياقة الآمنة ويوم صلة الأرحام ويوم عيادة المرضى ومسابقة الإنشاء القطرية، فقد باتت كل هذه النشاطات مطعونًا فيها في حسابات هذه الأبواق الإسرائيلية.
ولأن لجان إفشاء السلام قد زارت عشرات المدارس الإعدادية والثانوية في كل من أم الفحم وزلفة وكفركنا وطمرة وعرابة والطيرة ونحف وغيرها، وعقدت لقاءات حوارية مع الطلاب حول إفشاء السلام ومناهضة العنف والسير بمجتمعنا في الداخل الفلسطيني إلى شاطئ الأمن والأمان، لأن لجان إفشاء السلام قد قامت بكل هذه النشاطات التوعوية والتربوية فقد باتت هذه النشاطات مطعونًا فيها في حسابات هذه الأبواق الإسرائيلية.
ولأن لجان إفشاء السلام قد نجحت حتى الآن بإقامة أكثر من خمسين لجنة إفشاء سلام محلية، وأكثر من أربعين لجنة إفشاء سلام نسائية، وأكثر من ست وثلاثين لجنة إفشاء سلام شبابية في كل من الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة)، لأن لجان إفشاء السلام قد نجحت بذلك فقد بات هذا النجاح مطعونًا فيه في حسابات هذه الأبواق الإسرائيلية.
ولأن لجان إفشاء السلام تجهر برسالتها عبر نشراتها وفي مؤتمراتها وسائر نشاطاتها وتدعو علانية بلا تلعثم إلى ضرورة تجديد العهد مع قيمنا كبرّ الوالدين وكرامة المرأة والجيرة الصالحة والمُعاملة الحسنة وتوقير الكبار والرحمة بالصغار وإشاعة المودة والتراحم والتسامح وحب الخير والاحتكام إلى لغة الصلح ونبذ العنف وتحصين مجتمعنا من آفة السلاح الأعمى والمخدرات والسوق السوداء والظلم الاجتماعي وأكل الحقوق والخاوة، لأنّ لجان إفشاء السلام تحمل هذه الرسالة وتدعو لها في كل ثانية، فقد باتت هذه الرسالة الشمولية التي تدعو إلى هذه القيم الشمولية مطعونًا فيها في حسابات هذه الأبواق الإسرائيلية. ويا لسوء ظنّ هذه الأبواق الإسرائيلية، ويا لضحالة معلوماتها، ويا لسطحية تحليلها، وأنا شخصيًا وقفت على بعض تقارير هذه الأبواق الإسرائيلية التي تتحدث عن لجان إفشاء السلام والتي نشرتها بعض المواقع الإسرائيلية أو بعض الصحف الإسرائيلية أو بعض القنوات الإسرائيلية فانتابني الضحك الممزوج بالسخرية تارة ممن يقفون من وراء هذه التقارير أو حتى الشفقة عليهم في بعض الأحيان، أو نعتهم بالأغبياء في أحيان أخرى، فبعض من يقف من وراء هذه التقارير إدعى -غباء- أنَّ لجان إفشاء السلام هي استمرار لمسيرة الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًا منذ أواخر عام 2015!! والأمر ليس كذلك، فلجان إفشاء السلام هي إحدى هيئات لجنة المتابعة العليا، والذي يُحدد من هو رئيس هذه اللجان هي لجنة المتابعة العليا وليست أية جهة أخرى، فإذا كنتُ أنا اليوم رئيس هذه اللجان فقد يكون غدًا زيد أو عمرو وفق قرار لجنة المتابعة العليا، مع التأكيد أن الحركة الإسلامية لم تعد قائمة منذ حظرها، فيا هراء أقوال بعض من يقف من وراء هذه التقارير، والذين باتوا يعرّفون على أنفسهم أنهم محللون نادرون
ما جاد الزمان بمثلهم، أو أنهم خبراء في حال مجتمعنا في الداخل الفلسطيني رغم أن أقوالهم تؤكد أنهم من أجهل الناس بهذا المجتمع!! والعجب كل العجب أن بعض من يقف من وراء هذه التقارير هو مدلس عن سبق الإصرار، إذ أنه استند في تقريره إلى مقطع مصور يعود إلى عام 2015، علمًا أننا في عام 2024، وراح يوهم من سيُشاهد تقريره كأن هذا المقطع المصور قد حدث قبل بضعة أشهر!!، أليس ذلك تدليسًا رخيصًا ينسف كل تقريره ويذرهُ قاعًا صفصفًا؟!، والأدهى من كل ذلك أن بعض من يقف من وراء هذه التقارير راح يصور نفسه أنه (جيمس بوند 7) الذي نجح بالوصول إلى مقاطع مصورة سرية ثم أرفقها بتقريره غير المسبوق!!، وما يقول (جيمس بوند 7) هذا هو محض افتراء، إذ أن كل المقاطع المصورة التي أدخلها إلى تقريره كلها معروفة للقاصي والداني، وكلها علنية وقد تم نشرها منذ سنوات أو منذ أشهر في عشرات مواقع التواصل!!، ولذلك فكل إنسان منا يستطيع الحصول على هذه المقاطع المصورة دون أدنى عناء، وليس شرطًا عليه أن يصبح (جيمس بوند 7) حتى يصل إلى كل هذه المقاطع المصورة.
ومما يندى له الجبين وقد يصيب الواحد منا بالغثيان أن بعض من يقف من وراء هذه التقارير قد ألقى لسانه أو قلمه على غاربه وراح يرجم لجان إفشاء السلام والقائمين عليها بتهمة التحريض تارة، وبث الكراهية تارة أخرى والإرهاب تارة ثالثة واللاسامية تارة رابعة والطمع بالزعامة تارة خامسة، ولا يسعني إلا أن أقول لهذا ولمثله: إن كل إناء بما فيه ينضح!! ثم أتساءل بصوت عال: ما هو المطلوب من لجان إفشاء السلام في نظر من يقف من وراء هذه التقارير؟! هل المطلوب من لجان إفشاء السلام أن تحظر نفسها ثم أن تفكك نفسها ثم أن يجلس أعضاؤها في بيوتهم وأن يكتفوا بموقف المتفرج على مجتمعنا المسكين وعلى حاله البئيس الذي نخرت فيه عوامل العنف الأعمى وتغلغلت فيه حتى النخاع؟! أم المطلوب من لجان إفشاء السلام الاكتفاء بالشجب والاستنكار وإتهام الآخرين والتباكي على سوء الحال؟! ولعلي أبالغ بتساؤلاتي وأقول: هل المطلوب من لجان إفشاء السلام أن تُتاجر بالمخدرات حتى تُبعد عن نفسها سردية تهم هذه الأبواق الإسرائيلية؟! أم المطلوب من لجان إفشاء السلام إشاعة السوق السوداء وفوضى السلاح، وبذلك ستمسح على رؤوسها هذه الأبواق الإسرائيلية وستقول لها: الآن أصبحتم شاطرين …