أبو مرزوق: الأولوية القصوى للشعوب المحتلة هي الوحدة وإدامة الانقسام مصلحة استراتيجية للعدو
حركة المقاومة الإسلامية - حماس

أكد الدكتور موسى أبو مرزوق رئيس مكتب العلاقات الدولية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن القضية الفلسطينية تعرضت لتآمر، ووقعت تحت مخاطر خطط الحكومة الاحتلال الاسرائيلية تحت عنوان (حسم الصراع)، وتهميش متعمّد من الولايات المتحدة والغرب، ومن دول في الإقليم، وأصبحت القضية أمام تهديد وجودي، فجاءت معركة طوفان الأقصى لتخلق واقعًا جديدًا أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية.

وشدد د. أبو مرزوق خلال لقاء الفصائل الفلسطينية في الصين، على أن القضية الفلسطينية تستعيد حضورها في العالم وبشكل خاص في آسيا، وهذه الاستضافة هي تعبير عن مدى الاهتمام بالقضية وبتطلعات شعبنا الفلسطيني.

انعكاسات طوفان الأقصى
وأشار إلى أن ما جرى في السابع من أكتوبر كان زلزالًا ضرب أسس وقواعد وأصول بناء المشروع الاستعماري الصهيوني، وأحدثت المعركة تغيرات كبيرة على مستوى المشروع الصهيوني الذي تحوّل من مهدّد وجودي للقضية الفلسطينية إلى شعورهم بالتهديد الوجودي، إضافة إلى تغيّرات على المستوى الدولي والإقليمي، وإن سلسلة ارتداداتها وانعكاساتها مستمرة في التعاظم.

وقال أبو مرزوق: “سارعت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها إلى حماية الكيان الصهيوني، وأمريكا هي من تقود الحرب في غزة إلى جانب الكيان الصهيوني، إذ تعاملوا مع ما يحدث على أنه تهديد وجودي لإسرائيل، وخطر كبير على مشاريع أمريكا في المنطقة، والتي ضُربت أولوياتها”.

وأشار إلى أن الكيان الصهيوني يعتقد أن جرائمه ستمحو عار هزيمته الاستراتيجية يوم السابع من أكتوبر.

وأضاف أن أهلكم وإخوانكم وأبناءكم في قطاع غزّة يُقدّمون الغالي والنفيس، ويواجهون العدوان ببسالة وثبات وصبر، ولقد حافظ رجال فلسطين المجاهدون والمناضلون من أبناء القسام وسرايا القدس وأبو علي مصطفى وكتائب عمر القاسم، وشهداء الأقصى وغيرهم من كتائب المقاومة على قدرة فريدة في الإثخان في العدو، ولا يُوجد مدينة أو حي دخله العدو إلا وهي شاهدة على بشاعته، وعلى شجاعة أبطال المقاومة، فكل التحية لرجال فلسطين الأبطال ممن حملوا السلاح في غزة وجنين وطولكم والخليل وجميع ربوع فلسطين.

وأكد أن ما يتعرّض له شعبنا في قطاع غزة من إبادة جماعية، وعدوان فاشي ومدمّر لكل نواحي قطاع غزة، وما تتعرّض له القدس والضفة الغربية من اقتحامات متكررة وتغيير لحقيقتها الفلسطينية، والإجراءات العنصرية التي يتعرض له أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948، أظهر وجه الكيان الحقيقي ككيان استعماري متوحشّ، يتجاوز كل القرارات والهيئات الدولية، وأسقط الغشاوة عن أعين من سحرهم هذا الكيان بنفوذه وإعلامه وماله، وأظهر زيف روايته إلا للبعض الذي ارتبط مصالحه مع إسرائيل ارتباطًا عضويًا.

الوحدة الفلسطينية
وأوضح أنه على الرغم من أن الأولوية القصوى للشعوب المحتلة هي الوحدة، وأنها شرط لتحقيق النصر، ورغم عظم أثر المعركة، إلا أن سؤال الوحدة الفلسطينية ما زال مفتوحًا، فالأصل في الأزمات توحيد القوى والجهود والفصائل وتحييد الخلافات السياسية والأيديولوجية والمصالح الذاتية لمواجهة العدو المشترك، خاصة أن عدونا مجرم قاتل لا يحفظ عهدًا ولا يري لنا مكانًا على أرضنا إلا القبور.

وأضاف: “إذا كانت معركة الاحتلال في غزة اليوم إلا أن هدفه كل الشعب الفلسطيني المتبقي على أرضه، وخاصة الضفة الغربية والقدس وأراضي الـ48”.

وتساءل القيادي في الحركة: “هل يُعقل أن تنعكس المعركة على العدو والعالم ولا تنعكس على الفصائل الفلسطينية؟ هل ننتظر أن تمتد الإبادة إلى الضفة الغربية لنتوحّد؟ مؤكدًا أن هناك خطرا قادما على القدس والضفة الغربية، وهو خطر موجود، لأن شعارهم الضفة بعد غزة، ومشروعهم الحقيقي في الضفة، وما مصادرة الأراضي، وإلغاء المنطقة “ب” ورفض الدولة الفلسطينية، إلا بداية لتنفيذ مشاريعهم الاستراتيجية”.

ولفت د. أبو مرزوق إلى أن الحرب أثبتت أن النظام الدولي الحالي أثبت فشله في وقف الظلم والعدوان على شعبنا، مؤكدًا أن “علينا أن نتعاضد ونتكاتف فرغم الألم، فإن هذه المعركة فرصة للوحدة، فالقضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة، وقطار التحالف العسكري والاقتصادي مع الكيان الصهيوني تحت مسمّى التطبيع تعرقل، وعاد الكيان غريبًا في هذه المنطقة، وفشلت عملية دمجه والتطبيع معه”.

وأكد أن الكيان لم يعد بالقوة الإقليمية المهيمنة والمقرّرة في منطقتنا، وهو يفشل في مواجهة الآلاف من رجال فلسطين لأكثر من 290 يومًا ولم يحقق أيا من الأهداف المعلنة التي وضعوها لهذه الحرب، وللمرة الأولى منذ تأسيس الكيان يمر بهذه الأزمة المتعددة المستويات وعلى الأصعدة كافة، الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وأضاف: “في الكيان يتحدّثون عن خراب الهيكل الثالث، ولقد ضُربت نظرية الأمن للإسرائيليين، ولم تعد فلسطين هي المكان الأكثر أمانًا لهم، وأصبحت بروكلين أفضل من تل أبيب، وأصبح المغادرون أكثر من القادمين، والقادمون يملأ قلوبهم القلق، والمغادرون آمنون، وأصبح الإسرائيلي أقل ثقة في مستقلبه، والفلسطينيون أكثر ثقة في عودتهم وتحرّر بلادهم”.

فشل أوسلو
ونوّه رئيس مكتب العلاقات الدولية إلى أنه وعلى الرغم من عظم المعركة، وانعكاساتها الكبيرة، إلا أن هناك عوائق كثيرة أمام استثمارها لصالح مسيرة التحرّر التي يخوضها شعبنا منذ أكثر من مئة عام، ومن أهم هذه العوائق اتفاقيات أوسلو ونبذ المقاومة والتي لم نصل من خلالها إلا إلى ما نراه اليوم.

وقال أبو مرزوق: “إذا كان الحياد من غير الفلسطيني خُذلان وجريمة، فهل يُعقل أن يوجد فلسطيني على الحياد أو يصطف فلسطيني إلى جانب الاحتلال في هذه الإبادة ويُبرّر له جرائمه؟ وإن البيان الأخير الصادر بتاريخ 13- 7 الذي حمّل حماس مسؤولية جرائم الاحتلال، يعد تساوقًا كاملًا مع رواية الاحتلال، وإعفاء له من جرائمه، وغير مبرر وغير مقبول”.

وأضاف أن إدامة الانقسام يعد مصلحة استراتيجية للعدو الاسرائيلي، ولن يسمح هذا الكيان بوجود إدارة فلسطينية واحدة، حتى لو كانت من السلطة الفلسطينية وحدها، ونحن جميعًا مستهدفون، ونتنياهو يقولها مرارًا، لا حماس ستان ولا فتح ستان، لهذا يجب أن نتفق فيما بيننا، ولا نلتفت للموقف الإسرائيلي ولا للولايات المتحدة، وأن نمضي في الوحدة، والسؤال إن لم نتحد اليوم فمتى؟”.

وتابع: “بعد عشرة أشهر من الطوفان، وهذا الصمود الأسطوري لشعبكم، وهذه المقاومة الباسلة يبقى السؤال الجوهري ثم ماذا بعد؟، ما هو النظام السياسي الذي يجب أن يواجه المرحلة؟، ما هو المشروع السياسي الذي يجب أن نناضل لبلوغه؟، ما هي الأهداف السياسية الكبرى لشعبنا الفلسطيني، وهو يخوض معركة الحرية والاستقلال؟”.

ترتيب البيت الفلسطيني

وتساءل د. أبو مرزوق: “ما الذي يمنع أن تكون منظمة التحرير جامعة لجميع مكوّنات شعبنا؟ لماذا لا نخرج من الصين وقد أصبحت حركة حماس وحركة الجهاد والشعبية والمبادرة الوطنية والقيادة العامة والصاعقة جزءا فاعلا من منظمة التحرير؟ وحركة حماس جاهزة، فلا تشترط حماس شيئا، ولا نقبل أن يُوضع عليها أي اشتراط، إذا اعتبرت م ت ف هي ممثلة لكل الشعب الفلسطيني، ويجب أن تكون ممثلة للشعب الفلسطيني، وإذا أردتم الحقيقة، استفتوا الشعب الفلسطيني، لأن معظم الشعب خارجها”.
وأكد أن الحركة عبرّت مرارًا عن قناعاتها بضرورة تشكيل حكومة توافق وطني من الكفاءات الوطنية وبتوافق من الفصائل الفلسطينية وبمرجعية وطنية يتفق عليها، وتحمل هذه الحكومة مهام محددة: إعادة إعمار القطاع، ومعالجة الآثار القاسية للحرب في غزة، والعمل على التجهيز للانتخابات العامة، ولها مدّة محددة.

وقال: “نحن على مشارف الانتخابات الأمريكية، ولا مجال لكثير من الاجتهادات بأن ترمب قادم، وأولوياته ليست روسيا ولا أوكرانيا ولا أوروبا وكتلتها الأساسية الاقتصادية والعسكرية، ونائبه يدعو للانعزالية، لكن الأولوية الأولى هي منطقتنا، وخطته التي هدمناها في السابق، وسيأتي ترمب لإنهاء القضية الفلسطينية، وبالمناسبة المستهدفان هما نحن والصين، وخطته في بلادنا منح الضفة الغربية لإسرائيل، ما يعني أننا أمام أشهر قليلة، وموقفنا واضح وجلي وهو أننا نسعى لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس وعودة كافة اللاجئين”.

وأكد أبو مرزوق أن “علينا التوافق على برنامج نضالي لإنجاز أهدافنا الوطنية، تكون المقاومة الشاملة بكافة أشكالها هي قاعدته الأساسية”، مشيرًا إلى ضرورة التوافق على آلية لمتابعة ما يتم التوافق عليه.

ملف المفاوضات
وفيما يتعلق بملف المفاوضات قال أبو مرزوق إن “الحركة استفادت في التنسيق في محطات المفاوضات خاصة الإخوة في الجهاد والشعبية، من الآراء التي سمعناها وتناقشنا فيها على مدار الأشهر الماضية من عدد من الفصائل، والحركة دومًا منفتحة نحو مزيد التعاون”.

وأضاف: “لو كان بإمكان الحركة إنهاء الحرب في اليوم الأول لفعلنا، لأن ما نريده من المعركة أنجزناه في اليوم الأول، ولقد أبدت الحركة ومعها كل فصائل المقاومة جدية كبيرة ومرونة عالية من أجل الوصول لاتفاق يحقن دماء شعبنا ويوقف العدوان”.
وأكد أن الحركة حريصة على إنجاز اتفاق يحقن دماء شعبنا ويوقف العدوان، مشيرًا إلى أنه “حين وصلنا من الوسطاء مقترح 5 مايو/آيار 2024، أرسلنا رد الحركة خلال عدّة ساعات، وعبّرنا بإيجابية تجاه خطاب بايدن، وأسقط بيده وتراجع لأنه أراد به استهداف الحركة، ورحبنا بقرار مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار”.

وأضاف: “لم يتجاوب الاحتلال مع هذه المرونة، وواصلوا محاولاتهم للتحايل والخداع من خلال مقترحات وأفكار هدفها الحصول على الأسرى والعودة لاستئناف حرب الإبادة من جديد”.

وأكد أن ما يريده نتنياهو، هو دفع الحركة نحو الانسحاب من عملية التفاوض، مبينًا أن الحركة لم تنسحب، ومستمرة في التفاوض وتسهيل مهمة الوسطاء، وفي الوقت ذاته مستمرة في مسارات التصدّي للعدوان، وسُبل إنها حرب الإبادة ضد شعبنا والعمل على إغاثة شعبنا ودعم صموده.

وشدد على أن الحركة ومعها فصائل المقاومة جادون في إنجاز اتفاق يتضمّن: وقف إطلاق نار دائما، والانسحاب الشامل من غزة، والإعمار ومعالجة آثار الحرب، وصفقة تبادل للأسرى مشرفة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023