إبراهيم أبراش لماذا هذا التجني على الشعب الفلسطيني؟

الفلسطينيون ليسوا ملائكة ولكنهم أيضاً ليسوا شياطين كما يحاول البعض من العرب تصويرهم أسوة بالصهاينة، إنهم كبقية شعوب الأرض لهم أخطاؤهم وزلاتهم، وشعب يواصل النضال والمعاناة لمدة مائة عام في مواجهة عدو كالحركة الصهيونية وكيانها المدعوم تاريخياً من دول الغرب الاستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، شعب خسر أرضه بسبب حروب خاضتها جيوش عربية وانهزمت فيها، هذا الشعب وقياداته المتوالية لا بد أن يواجه في بعض المراحل التاريخية أحداثاً تدفعه لاتخاذ مواقف لا ترضي جميع الدول والتنظيمات العربية المتصارعة أصلاً مع بعضها البعض، بما فيها دول عربية شقيقة لم يكن الفلسطينيون يتوقعون أو يتمنون أن يختلفون معها كما هو حاصل اليوم.

ما كان الفلسطينيون يرغبون في وصول العلاقات الفلسطينية الخليجية وخصوصاً مع العربية السعودية ودولة الإمارات لهذا الحد، لأن الفلسطينيين كانوا وما زالوا يؤمنون بأن قضيتهم لن تحل حلاً عادلاً إلا بدعم ومساندة الأشقاء العرب، وأن أي تحالفات فلسطينية عربية أو إقليمية لن تكون ذات جدوى دون المملكة العربية السعودية ومصر أو كانت معادية لهما.

إلا أن ما آلت إليه الأمور من تدهور في العلاقات الفلسطينية مع بعض الدول العربية وسماح إعلام هذه الدول وخصوصاً العربية السعودية والإمارات لشخصيات بالتطاول على الشعب الفلسطيني، كما فعل الأمير بندر بن سلطان عبر قناة العربية، تستحضر التساؤلات التالية: لماذا هذا التحامل الآن من بعض الأشقاء الخليجيين على الشعب الفلسطيني؟ وهل أن التطبيع مع إسرائيل يحتاج بالضرورة لتشويه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة التي تعترف 140 دولة بعدالتها وبحق الشعب الفلسطيني بأن يكون له دولة مستقلة على أرضه؟ وهل أن الفلسطينيين قصروا بالفعل في مواجهة الكيان الصهيوني وضيعوا فرصاً للسلام كما يزعم المتحاملون على الفلسطينيين؟.

كتبنا منذ فترة مقالاً بعنوان (طبعوا إن شئتم ولكن ليس على حساب الشعب الفلسطيني) ومقالات أخرى عديدة سابقة ولاحقة حول نفس الموضوع ،ونكرر مرة أخرى ما تمنيناه على الأشقاء العرب حيث قلنا إن أردتم أن تعترفوا بالكيان الصهيوني وتطبعوا معه فهذا من حقكم ولن نحاججكم بمفاهيم الانتماء القومي والمصير العربي المشترك ومسؤولية العرب عن ضياع فلسطين ولا حتى بالمبادرة العربية للسلام التي صدرت عن قمة عربية الخ، ولكن نرجو ألا يكون سقف مواقفكم أدنى من موقف الدول الأجنبية والغربية غير العربية وغير الإسلامية التي لها علاقات مع دولة الاحتلال ولكنها لا تسئ للشعب الفلسطيني بل تحترم تاريخه النضالي وكفاءته ولا تشكك بالرواية الفلسطينية كما تتمسك بالحل العادل الذي يقوم على فكرة حل الدولتين.

الخطورة في نهج بعض الدول الخليجية تجاه الصراع الفلسطيني/العربي مع الكيان الصهيوني أنه لا ينطلق من حكم الضرورة السياسية أو المصلحة الوطنية لبلدانهم كما هو الحال مع مصر والأردن حيث طبَّع النظامان مع إسرائيل من موقف الاقتدار وبحكم الضرورة دون الإساءة للشعب الفلسطيني أو التشكيك بعدالة قضيته ودون ممارسة كي الوعي على الشعب لتغيير قناعاته تجاه الصراع مع الكيان الصهيوني، بل جاء التطبيع الخليجي خضوعاً لإملاءات أمريكية وانطلاقاً من وهم عند بعض النخب بأن هذا الكيان الصهيوني قد يشكل شبكة حماية من الخطر الإيراني ومن أية قلاقل داخلية.

أما مقولة إن الفلسطينيين فرطوا بأرضهم وحقهم وقصروا في واجبهم تجاه قضيتهم، فنحن لا ننكر وجود أخطاء وتجاوزات تم ممارستها خلال مائة عام من النضال الفلسطيني، ولا ننكر سوء الوضع الفلسطيني الداخلي بسبب الانقسام... ولكن ما آلت إليه القضية الفلسطينية ليس لخلل في النظام والأداء الفلسطيني. فمنذ منتصف الستينيات وحتى السبعينيات والثمانينات مارس الفلسطينيون العمل الفدائي باقتدار وحظوا بدعم وتأييد غالبية دول العالم واعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير واستقبلت رئيسها أبو عمار عام 1974 وما كان الرئيس الأمريكي كارتر يطرح على الأمير فهد الاعتراف الأمريكي بمنظمة التحرير مقابل اعتراف المنظمة بقراري مجلس الأمن 242 و338 كما يقول الأمير بندر بن سلطان لولا هذه المقاومة الفلسطينية،  وخلال مسيرتهم الكفاحية أستشهد وجرح وتم أسر مئات الآلاف كما قاموا بانتفاضتين داخل الأراضي المحتلة، وعندما طرح العرب بداية فكرة التسوية السياسية ساندها الفلسطينيون، وكانت بداية الفكرة سعودية مع مبادرة الأمير فهد في قمة فاس في المغرب 1981/1982 كما شاركوا في مؤتمر مدريد للسلام 1991 ووقعوا اتفاقية أوسلو مع إسرائيل والتقى الرئيس أبو عمار ومن بعده أبو مازن الرؤساء الأمريكيين والإسرائيليين من أجل السلام وما زال الرئيس أبو مازن متمسك بالحل السلمي ويرفض العنف والإرهاب، والفلسطينيون لا يطالبون إلا بتطبيق قرارات الشرعية الدولية حتى وإن اقتصرت على قراري 242 و338 اللذين يزعم الأمير بندر بأن الفلسطينيين يرفضونها.

إذن المشكلة ليس في الفلسطي

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023