الفلسطينيــون في مجهر الاحتــ ـــلال

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي


الفلسطينيون في مجهر الاحتلال 
بقلم ناصر ناصر 
11-10-2020 


يكاد قادة أجهزة أمن الاحتلال أن يخرجوا عن طورهم المهني بسبب ردة فعل المستوى السياسي الحكومي اللامبالية بتقديراتهم المتكررة وتحذيراتهم المتصاعدة من إمكانيات انهيار السلطة الفلسطينية بسبب انسداد الأفق السياسي بالأمس ، وما يبدو كانهيار للاستراتيجية الفلسطينية اليوم بعد تطبيع بعض الدول العربية مع الاحتلال ، وما قد يشكّله هذا الانهيار من تهديد كبير على أمن واستقرار الاحتلال ، وكان آخر هذه التحذيرات ما صرح به رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات الصهيونية العميد شالوم درور من أن السلطة عبارة عن قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة ، وبأن ذلك يشكل تهديداً يلي التهديد الإيراني في خطورته .
ومن جهة أخرى فقد حذر جنرالات اسرائيليون في هآرتس الجمعة الماضي بأن ابو مازن كغيره من كبار السن-الختيارية لا يغير رأيه بسهولة ، وقد بدأ في تحسين العلاقات مع حماس بعد أن شعر" بالتخلي عنه " وبانهيار استراتيجيته نتيجة للتطبيع ، وعليه يتوقع هؤلاء الجنرالات أن بعض ورثته كجبريل الرجوب قد يمضون مع حماس في نهج المقاومة العنيفة مما يشكل خطراً على اسرائيل ، هكذا هو الاحتلال الغاشم إذن ، يعلم مدى خطورة نتائج سياساته ويحذر منها ، ولكنه يمضي بها طالما لم يجد رادعاً حقيقياً لأعماله الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني سواءً في الضفة أم في القطاع .
في الضفة الغربية واتجاه السلطة الفلسطينية يتنازع الاحتلال توجهان ، الأول : سائد ويقوده نتنياهو ومن خلفه اليمين المتصاعد نتيجة لترامب والتطبيع والانضباط-الهدوء الفلسطيني الرسمي وغيره من العوامل ، وهو يعمل لبقاء وضع السلطة كما هي عليه الآن مع استمرار الاستيطان والضم الزاحف ، ولا يعبء بتآكل مكانة السلطة ، أما الثاني : وهو توجه"متنحي" إن صح التعبير ولا يملك القرار السياسي ويضم غالبية الأجهزة الأمنية كالجيش والشاباك والاستخبارات-باستثناء الموساد ومجلس الأمن القومي- والذين يدفعون ويدعمون من خلال تقديراتهم وتحذيراتهم المهنية المبنية على رؤية سياسية تقليدية بعيدة عن رؤية اليمين ضرورة تقوية السلطة وفتح آفاق سياسية لها للحفاظ على مكانتها وإلا فستنفجر هذه القنبلة الموقوتة ، والتي ضبطت حتى الآن كل عوامل التفجير والقوة الكامنة في أوساط الشعب الفلسطيني .
أما في غزة فيبدو الأمر مختلفاً حيث الاتفاق على المبدأ والخلاف في بعض التكتيكات ، أما المبدأ فهو ما عبّر عنه مجدداً رئيس قسم الأبحاث في أمان شالوم درور مكرراً تصريحات ليبرمان القديمة ( نجحنا في وضع حماس في نقطة ضعف مفيدة لاستراتيجيتنا دون حرب ، ولكن إن قمنا باحتلال غزة فمن يتحكم بها ؟ .. نحن نريد إبقاء رأس غزة فوق خط مياه الصرف الصحي ، وأن تبقى الأوضاع فيها أقل جودة من الضفة حتى لا يعتقد الناس أن نهج حماس قد حقق نجاحاً مقابل نهج السلطة ) .
ويبدو أن هذا المبدأ لم يحقق نجاحاً حقيقياً ، إذ أن استطلاعات الرأي العام تشير أن معظم الفلسطينيين يرون فشل مشروع واستراتيجيات السلطة القائمة على التنسيق الأمني دون أي أفق سياسي ، كما يرون أن أوضاع غزة هي نتيجة شبه طبيعية لصمودها وثباتها في وجه الاحتلال والحصار ، الأمر الذي ينسجم مع قيم وثقافة الفلسطينيين والعرب الراسخة التي تقول فيما تقول "تموت الحرة ولا تأكل بثدييها " .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023