الشيخ رائد صلاح
يُحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو” أن يدّعي أن ما يقوم به اليوم على صعيد غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن هو بناء نظام جديد للشرق الأوسط!!، وأظن أن نتيجة ما يقوم به بهذه المواقع (غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن)، هو عكس ما يدّعيه تمامًا، سواء قصد ذلك أم لم يقصد، حيث أن النتيجة الوحيدة لما يقوم به -كما أظن- هي هدم لأية فرصة حاضرة أو مستقبلية لنجاح أية تسوية في الشرق الأوسط للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي أو للصراع العربي- الإسرائيلي، أو للصراع الإسلامي – الإسرائيلي، وهذا يعني هدم أية فرصة على المدى القريب والبعيد لصناعة انسجام بين المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي من جهة وبين المجتمع الفلسطيني والعالم العربي والأمة الإسلامية من جهة أخرى، والخاسر في ذلك هو المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي لأن هدم فرصة أي انسجام على المدى القريب والبعيد يعني إبقاء المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي في حالة عزلة دائمة عن الامتداد الفلسطيني العربي الإسلامي، وفي حالة نظرة دائمة للمؤسسة الإسرائيلية على أنها غريبة عن هذا الامتداد، ولا يُمكن التجانس معها، ومن الواضح جدًا أن دوام هذه النظرة من هذا الامتداد للمؤسسة الإسرائيلية سيولد حالة رفض لها لدى هذا الامتداد، وهكذا ستتحول المؤسسة الإسرائيلية إلى محاصرة في بحر هذا الامتداد الفلسطيني العربي الإسلامي، ومن أصابته نشوة فرح من المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي بعد اغتيال رئيس حركة حماس “إسماعيل هنية” فقد استعجل تقمص هذه النشوة، وكذلك ينطبق هذا الحال على من أصابته نشوة الفرح من المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي بعد اغتيال رئيس حزب الله “حسن نصر الله”، وبعد اغتيال مجموعة من قادة حزب الله ثم بعد مواصلة قصف بيروت وبعض البلدات في لبنان!!، لماذا أقول ذلك؟!، لأن مواصلة قصف غزة منذ عام، يعني إعدام أية فرصة تفاهم فلسطينية – إسرائيلية، مما يعني الإبقاء على صراع الاستنزاف الفلسطيني – الإسرائيلي، وواضح جدًا أن الطرف الفلسطيني يملك ما لا يملكه الطرف الإسرائيلي، حيث أن الطرف الفلسطيني يملك الامتداد العربي الإسلامي على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية إسلامية في الميزان الشعبي لهذا الامتداد، وهذا ما لا تملكه المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي!!
ثم لما أقدم “نتنياهو” على قصف لبنان واليمن، فهذا يعني من المؤكد أنه إستعدى على المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي الميزان الشعبي العربي الذي كان ولا يزال غير مُسَلمِّ بشيء أسمه التطبيع مع المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي، ولذلك أتساءل مرة أخرى ما بعد القصف الإسرائيلي للبنان واليمن: من الخاسر؟!، هل هي اليمن ولبنان أم المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي؟!، وأنا أظن شخصيًا أن الخاسر هما المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي، وقد يقول قائل: ماذا عن الاغتيالات التي نالت من بعض القيادات اللبنانية والفلسطينية في لبنان؟!، وماذا عن قتل مئات المدنيين وجرح الآلاف منهم في لبنان واليمن؟!، وماذا عن قصف العمارات الشاهقة والموانئ والمرافق الحيوية في لبنان واليمن؟!، وجوابًا على ذلك أقول: هي خسائر فادحة لا ريب في ذلك؟!، ولكن ما بعد هذه الخسائر فإن الخاسر الوحيد هي المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي على المدى القريب والبعيد؟!، وإلا إلى متى ستتحمل المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي حالة هذه العزلة التي لا نهاية لها عن الامتداد الفلسطيني العربي الإسلامي؟!، ألا تعلم المؤسسة الإسرائيلية أنه لا يمكن قصف إرادات الشعوب وطموحاتها وثوابتها حتى لو وقع القصف على أغلى ما تملك من قيادات، وحتى لو وقع القصف على أثمن ما تملك من ثروات ومرافق عامة ومنشآت حيوية؟!
وهل يمكن لهذا القصف مهما اشتد وتواصل أن يزيل شعبًا من هذا الامتداد الفلسطيني العربي الإسلامي؟!، ثم ألا تعلم المؤسسة الإسرائيلية أنه انتهى عهد التعويل على الحكام المستبدين حتى يواصلوا كبت الشعوب وخنق أنفاسها ومصادرة إراداتها في هذا الامتداد الفلسطيني العربي الإسلامي؟!، وها هو الربيع العربي كاد أن يستوي على سوقه، وكاد أن يُفرز حاضرًا عربيًا يقوم على إرادات الشعوب وحق تقرير مصيرها، وكاد أن يُطيح بجملة من أنظمة الاستبداد العربية، لولا ما وقع عليه من تآمر داخلي وخارجي؟!، ولكن ألا تعلم المؤسسة الإسرائيلية أن قابلية عودة يقظة الربيع العربي قائمة في كل لحظة؟!
ثم ألا تدرك المؤسسة الإسرائيلية أن أي تطبيع بأي إسم لهذا التطبيع مع أي نظام من هذا الامتداد الفلسطيني العربي الإسلامي لن يقود إلى ترويض شعوب هذا الإمتداد إطلاقًا!!، فها هو التطبيع الإسرائيلي – المصري منذ عام 1973م بإسم “معاهدة كامب ديفيد” لم يروّض الشعب المصري، ولم يمنع قيام ربيع عربي بمصر، ذاك الربيع الذي أفرز أول رئيس عربي منتخب بمصر، وهو الرئيس الشهيد “محمد مرسي”، ولن > Muath : يكون مآل التطبيع الذي حمل إسم اتفاقية “أبراهام”، أحسن حالًا من مآل ذاك التطبيع بمصر!!، وأنا أجزم سلفًا أن اتفاقية “أبراهام”، لن تنجح بترويض الشعوب في كل الدول العربية التي سارت في ركب هذه الاتفاقية، لأن ضمائر الشعوب لا يمكن أن تخضع للترويض في يوم من الأيام، ولذلك كانت هذه الشعوب التي تنتمي إلى هذا الامتداد الفلسطيني العربي الإسلامي قبل القصف الإسرائيلي، وستبقى بعد القصف الإسرائيلي، وسيبقى من المحال قصف حاضر هذه الشعوب وقصف مستقبلها وتوقانها للسيادة والحرية والكرامة والاستقلال.
وأظن أن عامل اعتماد المؤسسة الإسرائيلية على الدعم الأمريكي – الأوروبي على صعيد عسكري وسياسي واقتصادي وإعلامي ومخابراتي لن يبقى دائمًا إلى الأبد، لأنه دعم مُتغير مهما طال، ولذلك فإن هذا الدعم له نهاية كما كانت له بداية!، وعندها ماذا سيكون حال المؤسسة الإسرائيلية؟!، هل ستجد نفسها وحيدة أمام امتداد فلسطيني عربي إسلامي؟!، وماذا سينفعها القصف اليوم إذا وجدت نفسها وحيدة في قادمات الأيام؟!
لذلك هناك حالة تقول: إن الذي أقدم على اغتيال رئيس حركة حماس “إسماعيل هنية” بإيران لم يقم بذلك إلا بعد أن كان هناك ضمان أمريكي – أوروبي أن إيران سيتم منعها بكل لغة ضغط عليها كي لا ترد على ذاك الاغتيال!!، وإن الذي أقدم على اغتيال رئيس حزب الله “حسن نصر الله” بلبنان لم يقم بذلك إلا بعد أن كان هناك ضمان أمريكي – أوروبي أن إيران سيتم منعها بكل لغة ضغط عليها كي لا ترد على ذاك الاغتيال ولكن!! ولذلك فإن من الواضح لكل عاقل أن هذا الضمان الأمريكي – الأوروبي لن يظل أبدًا، مما يجعلني أقول مرة أخرى : إن من استعجل إظهار نشوة الفرح بسبب القصف الإسرائيلي فقد استعجل، وإن الخاسر من وراء هذا القصف الإسرائيلي هي المؤسسة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي.