رسائل كلينتون تؤكد استقلالية مرسي عن الإخوان بعد الرئاسة
عربي21

كشفت إحدى الرسائل الإلكترونية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، عن طبيعة التوتر الذي صبغ العلاقة بين الإخوان المسلمين في مصر وبين المجلس العسكري الذي كان يسيطر على البلاد في منتصف العام 2012، وأكدت استقلالية الرئيس مرسي عن جماعة الإخوان بعد فوزه بالرئاسة.

وتحتوي الرسالة الموجهة بتاريخ 14 تموز/ يوليو 2012 من هيلاري كلينتون إلى جاكوب سوليفان، نائب كبير موظفيها في ذلك الوقت، على معلومات منسوبة لمصادر غاية في الحساسية حول لقاءات جمعت بين قيادة جماعة الإخوان وقيادة المجلس العسكري، بعد الإعلان عن فوز مرسي بمنصب الرئاسة.

استقلالية مرسي عن الإخوان

وتؤكد الرسالة، حسب المصادر التي نقلت عنها، وقالت إنها على اتصال عالي المستوى مع المجلس العسكري والإخوان ومخابرات غربية، أن الرئيس مرسي أراد الحكم بشكل مستقل تماما عن جماعة الإخوان، كما تكشف عن خلافات في وجهات النظر حول طبيعة الحكم في مصر بين قيادة الإخوان وبين مرسي في ذلك الوقت.

وتبدد هذه المعلومات الشائعات التي كانت تروج لتبعية مرسي لجماعة الإخوان بعد انتخابه رئيسا، وتؤكد أن مرسي تبنى خطة مستقلة عن الإخوان في الحكم، واتبع رؤية تختلف مع رؤية الإخوان، الذين كانوا يفضلون حكومة برلمانية، بينما يحتفظ الرئيس بمهام شرفية.

وتنقل الرسالة الموجهة أصلا إلى كلينتون من أحد مساعديها، ويدعى (SID) عن مصدر سري، رأيه في نظرة الإخوان للحكم، حيث يرى أن المرشد العام محمد بديع، ورئيس البرلمان عن حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني، كانا يشعران بانزعاج متزايد من مرسي، وأنهما يعتقدان أن مرسي بعد فوزه في الانتخابات يحاول فرض نفسه كزعيم حالي للدولة والحكومة، وهو ما يتناقض مع الاستراتيجية المتفق عليها، المتمثلة في دعم الهيكلة الدستورية التي تضع سلطات الحكومة في يد البرلمان ورئيس الوزراء، فيما يتصرف الرئيس كقائد شرفي للدولة.

وبحسب الرسالة، فإن ضباط المجلس الأعلى للقوات المسلحة كانوا يتابعون هذه الوضعية من خلال مصادرهم السرية، ويعتقدون أن هذا الخلاف سوف يحتدم بشكل متزايد مع انطلاق عمل اللجنة الدستورية.

وبحسب المصدر ذاته، فإن بديع كان يشعر بالقلق حول ما يعتبره الشخصية القتالية لمرسي وصراعاته الشخصية الطويلة مع قادة حزب النور السلفي، فيما كان يعتقد الكتاتني أن العلاقة بين الإخوان والنور سوف تظل مهمة، حتى لو تم انتخاب برلمان جديد، بما أن الإخوان المسلمين وحزب الحرية العدالة يجب أن يعتمدوا على أعضاء حزب النور في البرلمان؛ لضمان أغلبية بثلاثة أرباع المقاعد، وهو ما سيسمح لهم باتخاذ القرارات الصعبة التي يتطلعون إليها في 2012 و2013 أثناء تنظيم الإدارة المدنية.

توتر بين العسكري والإخوان.. هذه أسبابه

وتكشف الرسالة أن التوتر كان غالبا في العلاقة ين الإخوان والمجلس العسكري بعيد انتخاب مرسي، خلافا لما كان يروج من معارضي مرسي بأنه عقد اتفاقات من تحت الطاولة مع المجلس العسكري، وتنقل الرسالة عن مصادرها أن اللقاءات التي جمعت بين الطرفين في ذلك الوقت اتسمت بالتوتر الشديد، مشيرة إلى أن الخلافات كانت تتمحور حول ثلاث نقاط:

الأولى، هي رغبة المجلس العسكري بالحفاظ على امتيازاته، بمقابل تأكيد الإخوان أن الوضع النهائي يجب أن يضمن وضع الجيش تحت رقابة الشعب (البرلمان) مع احترام مكانته.

والثانية، أن الإخوان يريدون التأكد من حصول البرلمان والرئيس المنتخب على سلطاتهم كاملة، فيما كان المجلس العسكري يناور من خلال السعي لحل البرلمان وتعطيل أعماله.

والثالثة، هي رغبة الجيش بمنع "هيكلة المجتمع تحت مبادئ إسلامية"، فيما توصل الإخوان إلى تسوية مع المجلس على أن الحكومة ستكون إسلامية، ولكن منفتحة على العالم، و"قادرة على مواصلة الاضطلاع بدورها كعضو في المجتمع الدولي".

وتنقل الرسالة بالنص عن مصادرها أن القادة العسكريين كانوا يريدون "ضمانات بأن مكانتهم في المجتمع المصري سوف تكون محددة بوضوح ومحترمة، بما يتضمن التحكم في ميزانيتهم ومواردهم البشرية والهيكلة التنظيمية، كما أنهم سوف يحدون من التدخل في جهود الإخوان المسلمين لإعادة هيكلة المجتمع المدني تحت المبادئ الإسلامية".

وتكشف الرسالة أن الرئيس مرسي وقيادة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة كانوا يعتزمون مواصلة الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ من أجل تسليم السيطرة على البلاد إلى حكومتهم الجديدة. وقد جاءت دعوة مرسي لإعادة انعقاد البرلمان كمفاجأة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ما أدى لانزعاجهم الشديد، بحسب مصادر الرسالة.

وفي سلسلة من اللقاءات السرية، التي كانت أحيانا في غاية التوتر، بحسب الرسالة، اتفق الجانبان على أنه من غير الممكن تجنب قيام أعضاء البرلمان بتوجيه خطابات ناقدة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكن لن يتم اتخاذ أي إجراءات جادة للحد من مكانة الجيش.



وبحسب رأي أحد المصادر الذين نسبت لهم الرسالة معلوماتها، فإن الإخوان المسلمين على الأرجح لن يقبلوا بقيود طويلة المدى على السلطات التي فازوا بها في الانتخابات. وفي الحوارات غير العلنية، يقول بديع وقادة الإخوان المسلمين إنهم في النهاية يعتقدون بأن الجيش يملكه الشعب، وأنهم مقتنعون بأنه في المستقبل سوف يطلب الشعب الإشراف على الجيش. وفي تلك النقطة سوف يتطور الخلاف الحقيقي بين الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.


وتنقل الرسالة عن هذا المصدر شديد السرية قوله "إن العلاقة بين الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة سوف تتواصل، رغم كونها تتعرض لضغط متزايد، خاصة إذا وصل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لقناعة بأن الحكومة المدنية سوف تبدأ بالمساس بمبدأ سيطرته على شؤونه".

وسألت "عربي21" مصدرا مصريا عن تعليقه على هذه الوثيقة، فأكد صحة ما جاء فيها، وأشار إلى أن قيادة جماعة الإخوان كانت عاتبة على الرئيس مرسي؛ لأنه كان يخوض معارك سياسية دون التنسيق مع الحزب والجماعة، فيما كانت الجماعة مضطرة للدفاع عنه في هذه المعارك.

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم كشف هويته: "بينما كان الإخوان ومرسي يشهدون خلافات بينية ومع المجلس العسكري، تتركز على طبيعة الحكم، والتعامل مع القوى السياسية المختلفة، كان المجلس العسكري يركز صراعاته مع مرسي حول ضمان امتيازاته خارج رقابة البرلمان، ويسعى لمنع ما أسماها "هيكلة المجتمع المصري على أسس إسلامية".




جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023