إهدنا الصراط المستقيم

وليد الهودلي

كاتب وأديب فلسطيني

قصّتي مع هذه الاية الكريمة زمن الفتن والاهواء باختصار .. 
بدأت يومي بسؤال قضّ مضجعي وحرق سدول الليل وحال بينها وبين أن تُطبق على عقلي وقلبي، هل أنت جادّ بهذا الطلب يا وليد؟ قرابة خمسة عقود مضت من عمرك وأنت تلحّ بهذا الطلب، فهل تدرك كم هو مهم ولماذا طُلب منك من قبل خالقك وخالق السموات والارض ومن بيده حاضرك المؤقت الزائل ومستقبلك الابدي وما هي حقيقة هذا الطلب بكلّ أبعاده؟ 
صبّح عندي كم سؤال حول هذه الاية المذهلة التي جاءت وسط فاتحة الكتاب وهي واحدة من السبع المثاني التي امتدحها الله سبحانه: اليكم سادتي أسئلة داهمتني: عتبة الاية: اهدنا: هل الهداية نور في القلب يصلح الحال القلبي ويصوّب المشاعر أم هو أيضا فهم في العقل ورشد وصوابية وبصيرة وحكمة ورؤية تريك الحق حقا والباطل باطلا، وهل الهداية أيضا سلوك وعمل صالح وعطاء وتضحية للفكرة التي سكنت عقلك والايمان الذي وقر في قلبك، أم أن الهداية في الثلاثة مجتمعة. وكذلك ركز سؤال ربابته عند آخر حرفين منها: نا في اهدنا ، إذا فالمسألة جماعية ولست تلعب وحدك وفي ملعبك الخاص، إنها ليست لعبة ولا ملعب بل هي قيامة جماعية لأمّة أنت أحد عناصرها الفاعلين في سيمفونية نهضة ونصر وتمكين. 
وتتابعت الاسئلة هل الهدف بسيط وسهل عبارة عن ساندويتش على الطريق تتناوله وتمضي طريقك، أم أنه معقد صعب بعيد المنال، أم أنّه واقعي ممكن لمن جدّ واجتهد واستعان برّبه الهادي لكلّ من طرق بابه وسأله الهداية بصدق وجدّ؟ 
هل أنت يا وليد جادّ أنّك تريد تحقيق هذا الهدف وهل هو استراتيجي أم تكتيكي، شامل يؤخذ جملة واحدة أم ممكن أن تجزأه أو تمرحله أو تأخذ منه ما تطيق وتترك ما لا تطيق أو هو أصلا ممكن أن يكلفنا الله أن نساله ما لا نطيق في كتاب الهداية الذي أنزله علينا وهدي نبيّه الذي أرسله لنا؟ 
وكواقع من الذي يجسّد من الدعاة فيما يدعو له، كثرت الرؤى وتعدّدت السّبل وكلّ يشقّ طريق هداية يصدّرها بخطاب يدّعي به أنّه الهداية ومالك الحقيقة، بينما أبو بكر رضي الله عنه صاحب الدعاء المعروف: ( اللهم أرني الحق حقّا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه ولا تجعلني أتبع الهوى فأضلّ) إذا هناك من يلتبس عليه الحق والباطل في الفهم ثم في التطبيق، يا لروعة الدقة وارزقني اتباعه ، معركة مع الفهم ثم معركة مع التطبيق في ميدان النفس. ويأتينا هذه الايام من يقول لك هذا هو الحق ولا حقّ غيره ولا يميّز بين الدين وفهمه للدين الذي قد يصيب وقد يخطئ.. لذلك طلب الله منك أيها العبد الفقير إلى هداية ربّه وليد هذا السؤال الدائم والملحّ كي لا يذهب بك عقلك وأنت ترى نفسك أبا فهيم بعيدا عن حقيقة الدين.
قد يكون الامر سهلا يا وليد في الامور المعروفة في الدين بالضرورة أحكام الطهارةوالصلاة وفقه الظاهر مع حاجتنا للخشوع فيها وفقه مقاصدها ... الخ ولكن في الشئون السياسيّة العامّة وعند التباس الامور وما ابتلينا به من أدعياء المشايخ ومن عملوا باسم الدين لهدمه وضرب نور الهداية فيه.
هل ما صولت اليه من فهم للطريق الذي ينتج تحرير الامة ونهضتها وتخليصها مما علقت فيه هو الهداية المطلوبة في هذا المجال الهام، هل وصل عقلك للحكمة السياسيّة المطلوبة هذه الايام؟ أين أنت منها ومن فقه أولوياتها، وكيف تسير بك في درباتها؟ 
كم حقّقت في حياتك المديدة من أهداف في عالم الهداية هل تقول لنفسك وتزكّيها بمقولتهم: " لم يكن بالامكان أفضل مما كان" هل قطعت العشرينات والثلاثينات والاربعينات والخمسينات من عمرك وأنت على الهداية التامّة بوصولك إلى هدف هذه الاية بكلّ دقّة واتقان؟ استمثرت في هذه العقود وقتك وجهدك وأنت تطلب الهداية بصدق وجدّ ؟ 
وحاضرك اليوم وخاصّة عندما تدلهّم الامور وتختلط الرؤى والاحزاب في عالم السياسة ومصائر الشعوب والحكّام وبالاخصّ قضيتنا الفلسطينيّة، هل ما تراه وتشغل نفسك به هو على الصراط المستقيم؟ 
أصدقكم القول يا وليد وانتبه إلى أن هذه الاية تحتاج إلى أن تصدق التعامل معها وعندما تنطلق من لسانك في الصلاة وتمرّ بها مرور الكرام، أن نعيد الكرّة وتتساءل بالفعل هل أنت مع قلّة السالكين الصادقين أم أنّك مع الكثرة الهالكة لا سمح الله. 
وجدت نفسي أغرق في أسئلة تجوب بي عالم هذه الاية الكريمة. تنفّست الصعداء لأن التوجّه مباشر لربّ هادي بلا حدود ورحمن رحيم حفيظ ستار لطيف وقريب وودود بل هو بالناس لرؤوف رحيم فكيف بمن يتوجّهون له بقلوب خاشعة صادقة نسأل الله أن نكون منهم. 
المهم يا وليد إياك ثمّ إياكّ أن ترى نفسك هاديّا مهديّا وتعجب بما أنت عاليه بل كن دائما طالبا للهداية راجيا خائفا محسنا للظنّ بربّك. وإيّاك أن تحقّر غيرك مهما كان على درحة من الهداية إلا من ضرب برأيه أصولا في الدين واضحة البيان أو ضرب وحدة الامة واتفاقها والتقى بخطابه مع خطاب أعدائها، ولا تنسى دعاء أبي بكر رضي الله عنه: اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه.... الخ.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023