المسؤول الأمني السابق تشاك فرايليخ - هآرتس:
صحيح أن سقوط النظام السوري السابق هو أمر يبعث بالدفء إلى القلب، لكن السؤال الأعمق هو: "هل يخدم هذا الأمر مصالح إسرائيل؟ وكيف؟" تفضّل إسرائيل دائماً وجود دولة مستقرة ذات سيادة على حدودها بدلاً من ميليشيات، وخصوصاً إذا ما كانت تلك الميليشيات إسلامية "متطرفة"، إذ حافظ النظام السوري السابق، على الأقل، على حدود هادئة لمدة 50 عاماً.
ومن الممكن أن يفضل المتمردون التركيز أولاً على ترسيخ حكمهم بدلاً من مواجهتنا، لكن بعضهم تحدّث فعلاً عن نيّاته البعيدة المدى. لذلك، يجب إتمام الهجوم الذي يشنّه جيش الدفاع الإسرائيلي، والذي يهدف إلى منعهم من السيطرة على المقدرات العسكرية السورية، التقليدية وغير التقليدية، والمعروفة وغير المعروفة (بما في ذلك آلاف الدبابات، والمدافع، والصواريخ، والأسلحة الكيميائية، وربما حتى مكونات برنامج نووي معاد تجديده).
على إسرائيل أن تعمل الآن على تجديد التعاون (بما في ذلك الطبي) الذي كان قائماً في السابق مع مجموعات متمردة معتدلة، وتعزيز التعاون مع الدروز والأكراد، باعتبارهم عوامل موازنة أمام المتمردين الإسلاميين والنفوذ التركي المتزايد في سورية. وبالتوازي، فمن الضروري العمل على تقليص أي ارتباط مستقبلي بين سورية وإيران وحزب الله.
لقد أدى سقوط النظام في سورية فعلاً إلى تراجُع الوجود العسكري الإيراني وحزب الله على أراضيها، واستبداله بعناصر سنية "متطرفة"، وهو ما سيصعّب مرور المساعدات إلى حزب الله في لبنان عبر سورية. ومع ذلك، فسيتعيّن على إسرائيل الاستمرار في العمل لإحباط نقل الأسلحة، عبر وسائل عديدة، منها غارات جوية على غرار تلك التي نفذتها خلال السنوات الأخيرة، وبقدر الإمكان، عبر التعاون مع القوى الجديدة الفاعلة في سورية.
سيسهّل انهيار محور المقاومة على إسرائيل العمل على تثبيت وقف إطلاق النار وضمان حدود هادئة مع لبنان، وأيضاً تشجيع إطلاق عمليات داخلية لبنانية تهدف إلى إضعاف حزب الله. لقد أصبح واضحاً للجميع في لبنان أن حزب الله، المدعوم من إيران، لا يحمي الدولة، إنما يدمرها. ومن المتوقع أن تدفع عزلة حزب الله، نتيجة أحداث سورية هناك، والضربات التي تلقّاها في الأشهر الأخيرة، إلى احترام وقف إطلاق النار. ولتعزيز هذه الاتجاهات، يجب علينا العمل مع الولايات المتحدة وفرنسا ودول أُخرى لتعزيز حكومة لبنان وجيشها، والتخفيف من حدة الأزمة السياسية والاقتصادية في البلد، لكن أيضاً فرْض عقوبات عليها إذا لم تتعاون.
إن مخاوف النظام الإيراني من امتداد الأحداث في سورية إلى أراضيه، ومن تضرُر محور المقاومة بصورة عامة، وقدوم دونالد ترامب، ربما تدفعه إلى السعي لتحقيق قدرة نووية تشغيلية. ومع ذلك، فإن هذه المخاوف تشجعه أيضاً على التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة. وتكمن الطريقة الأمثل لمنْع إيران من تحقيق تقدُم نووي في التوصل إلى اتفاق نووي جديد، إذ إن الاتفاق وحده يمكن أن يحقق وقفاً طويل الأمد لبرنامجها النووي، وعلى إسرائيل أن تعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة لتعزيز استعدادها لإجراء مفاوضات مع إيران بشأن اتفاق جديد، وفي الوقت ذاته، احتواء نشاطها الإقليمي الخطِر.
يشكّل سقوط النظام السوري ضربة قاسية لإيران ومحور المقاومة، وهما العنصران الأساسيان اللذان يزعزعان الاستقرار في المنطقة، كما أنهما الخصمان المشتركان لنا وللدول السنية المعتدلة؛ فهذه الدول تخشى، كما نخشى، أن تُحدث الأحداث في سورية موجات ارتدادية إقليمية تهدد استقرارها الاجتماعي وأنظمتها. وكما هو حالنا، فإن هذه الدول لا تملك علاقات واسعة مع المتمردين، لكنها تملك القدرة على تطوير هذه العلاقات، والاستثمار في إعادة إعمار سورية، والعمل معنا على استقرار الجبهة الشمالية. لقد تعاونت معنا هذه الدول مرتين خلال السنة الماضية في التصدي لهجمات صاروخية إيرانية ضد إسرائيل، والآن هناك فرصة لتعميق العلاقات معها.
لن تنتهي الحرب في القطاع إلاّ باتفاق، ولن تنهيها أي خطوات عسكرية إضافية، فانهيار محور المقاومة يزيد من الضغط على حركة "حماس" للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، ويمكّن من بناء بديل سلطوي في غزة بالتعاون مع الدول المعتدلة والسلطة الفلسطينية. وإن اتفاقاً كهذا سيسمح أيضاً بإنقاذ الأسرى الذين تركتهم حكومة إسرائيل بلا حماية في انتهاك لكل المعايير. ولو كانت إسرائيل قد التزمت أفقاً سياسياً على الساحة الفلسطينية، لَساهم ذلك في تشكيل جبهة إقليمية ضد إيران.
إن المحافظة على العلاقات الخاصة والتنسيق مع الولايات المتحدة هو أمر ذو أهمية قصوى، وخصوصاً فيما يتعلق بالقضية السورية ومحور المقاومة بصورة عامة، فهذه العلاقة مع الولايات المتحدة لا تقل عن كونها مصيرية، ولن يمكننا تلافي المخاطر الكامنة في انهيار سورية إلاّ عبر تنسيق مكثف مع الولايات المتحدة، كما لن يمكننا، من ناحية أُخرى،
#يتبع > Muath Al Fudailat: استغلال هذا الانهيار لكبح إيران فعلياً ومواجهة برنامجها النووي بأفضل طريقة ممكنة إلاّ عبر التنسيق مع أميركا. سيكون هذا التنسيق بالغ الأهمية، وخصوصاً مع الرئيس الأميركي المتقلب القادم، والذي يبدو أن التزامه الوحيد هو مصلحته الشخصية، وليس السياسات أو الدول أو القيم.
صحيح أن محور المقاومة تلقّى ضربة قاسمة، لكن من دون أن تكون لدينا استراتيجيا شاملة (وليس مجرد شعارات فارغة)، فسيتبدد الجهد الكبير الذي بذله جيش الدفاع الإسرائيلي، وسيذهب أدراج الرياح. سيذهب هذا الجهد الذي دفعنا فيه أثماناً باهظة سدى على يد قيادة سياسية فاسدة أسيرة لنزوات مسيانية. ما تبقّى أمامنا هو الإطاحة بنظام آخر في المنطقة، وكلما كان ذلك أسرع، كان أفضل.