يارون أبراهام
القناة ١٢ العبرية
لو هبط مخلوق فضائي إلى أروقة السياسة الإسرائيلية، لما ساعدته سنوات خبرته الطويلة على الفهم كيف لم تغيّر أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الخريطة السياسية، بعد مرور عام ثانٍ على "المذبحة". كان هذا الفضائي سيسأل نفسه: بعد خطف أكثر من 250 شخصاً، لا يزال 100 منهم في أسر "حماس"، بين أموات وأحياء، وبعد حرب تأتي لنا كل يوم بخبر مؤلم من نوع "سُمح بالنشر"- كيف يمكن أن يبقى بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة، وهو ما زال يُحاكَم جنائياً أيضاً.
هذا المخلوق الفضائي لا يفهم في السياسة. لو كان يفهم في السياسة، لأخذ في الحسبان بعض المعطيات التي ربما كانت ستغيّر التنبؤات التي توصّل إليها بعد معرفة حجم الكارثة التي حلّت بالشعب اليهودي في دولته. المعطى الأول الذي كان يتوجب عليه أخذه بعين الاعتبار هو حقيقة أن رئيس الحكومة يريد هذه الرئاسة أكثر من أيّ شخص آخر. هذا يبدو بسيطاً للوهلة الأولى، لكن هذه المقولة التافهة تروي القصة برمتها.
من أجل أن نفهم ذلك في العمق، يجب العودة إلى أبعد كثيراً من 7 تشرين الأول/أكتوبر، التاريخ الذي من الصعب على نتنياهو نسيانه: 13 تموز/ يوليو 2021. هذا هو اليوم الذي جرى فيه تنصيب الحكومة الـ36 في إسرائيل، هي الحكومة التي تناوب على رئاستها نفتالي بينت ويائير لبيد. بعد تنصيب الحكومة بلحظة، ومع عودة زعيم المعارضة الجديد إلى مكتبه، توجه إلى المستشارين المحبطين، وقال لهم: هيا، جهزوا لي خطة عمل واضحة لكيفية عودتنا إلى الحكم خلال عام.
وفعلاً، بعد عام وأسبوع، رفع بينت يديه مستسلماً، وكان نتنياهو يتوقّع الانهيار. كان الضغط قوياً داخل الائتلاف على بينت، والذي كان رئيساً لديوانه، وتحول إلى مَن قذف به إلى المعارضة، بعد 12 عاماً من الحكم. عيديت سيلمان، التي كانت رئيسة الائتلاف في حكومة بينت وأصبحت اليوم وزيرة البيئة في حكومة نتنياهو، أسقطت الحكومة بسبب قضية تافهة، حتى إنها لا تتذكرها اليوم. لقد كان نتنياهو مثلما هو، لم يرتَح يوماً واحداً في هذا العام الذي كان خلاله في المعارضة، وقاد مع المقربين منه آلة ضخمة، حسبما أثبت تحقيق "عوفدا"، تضمنت زوجته سارة نتنياهو. كان يعلم أنه لو ضرب الصخرة بقوة، سيخرج منها الماء. فالمثابرة طريقة حياة، في نظر نتنياهو.
عندما يستمع الإنسان إلى خطة العمل التي كانت لدى نتنياهو خلال وجوده في المعارضة، يمكنه أن يبدأ بفهم كيف عاد من الهاوية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر. صحيح أنه كان محبطاً وضعيفاً ومذهولاً خلال الأيام الأولى للكارثة، وأخبر المقربين منه في المحادثات الخاصة كيف ستسقط البنايات في تل أبيب جرّاء نيران حزب الله، وأن الأرماغادون يظهر أمام عينيه. كل مَن اجتمع به في تلك الأيام تحدّث عن شخص مستفز جداً. أعتقد أنه تخيل كيف ستذكره كتب التاريخ، وهي المساحات التي لطالما اهتم بها.
وفي الوقت الذي احتاج نتنياهو القائد إلى طبقات دعم من بني غانتس وغادي أيزنكوت لإدارة الحرب، عاد نتنياهو السياسي سريعاً إلى عادته. كان يعمل في الموازاة على خطة المناورة العسكرية، وأيضاً السياسية، وخطّط كيف سيخرج من هذه الورطة. كانت جميع الأدوات صالحة للاستعمال - نزع الشرعية عن رئيس هيئة الأركان والجيش و"الشاباك" واتهامات غير مباشرة نشرها المقربون منه بـ "خيانة من الداخل"، ونظرية "لو أيقظوني من النوم، لكان كل شيء مختلفاً". حتى نضال عائلات المختطفين الذين اختُطفوا بملابس النوم من منازلهم خلال ولايته، حوّله إلى نضال سياسي. كل شيء شرعي.
بعد مرور 14 شهراً، بات من الواضح للجميع الآن أن نتنياهو كان على حق. قطرة الماء لا تخرج من الصخر إلّا بالمثابرة. إنه يركب الحصان الآن، وهناك سلسلة من الإنجازات مسجلة باسمه، ولم يعد مهماً مَن بدأ، وكيف بدأ، فمثلما كان هو المسؤول عن 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فهو المسؤول أيضاً عن اغتيال السنوار وحسن نصر الله، وقيادة حزب الله وعملية "البيجر" وأجهزة التواصل وإضعاف المحور الشيعي: مَن يريد تحميله مسؤولية الإخفاق لأنه "رئيس المنظومة"، يجب عليه أن يحمّله مسؤولية النجاحات أيضاً.
لكن على الرغم من الميل إلى تقسيم العالم إلى جزأين - مع نتنياهو، أو ضده - فإن الواقع أكثر تعقيداً. إلى جانب نتنياهو، هناك كثير من اللاعبين الإضافيين الذين كان يمكن أن تكون هذه الفرصة فرصة حياتهم، حين يضعون صورة الإخفاق الحكومي الكبير أمام المرآة. اللاعبون أنفسهم - من لبيد إلى غانتس - فشلوا في مهمتهم عملياً. طبعاً، أنا لا أقصد أنهم لم يحاولوا، بل فشلوا. اعتقد غانتس أن الدخول إلى الحكومة هو الأمر الصحيح لشعب إسرائيل (وفي رأيي: كان على حق)؛ أمّا لبيد، فاعتقد أنه بسبب الإخفاق، يجب البقاء في المعارضة، بدلاً من الوحدة المزيفة. وعملياً، فشلت الاستراتيجيتان.
حتى إن المعارضة الداخلية له، على شاكلة وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، تترك موقعها لمصلحة "تقدير الوضع"، في الوقت الذي يستمر نتنياهو في العمل، بحسب خطته.
حتى الجمهور الذي قال بعد أحداث تشرين الأول/أكتوبر، "انتهيت مع نتنياهو"، والجمهور الذي كان يرفض نتنياهو قبل "المذبحة"، يرى أن قيادات المعارضة لا تريد الرئاسة كما يريدها نتنياهو: لديهم استعداد للقيام بكثير من الأمور، نتنياهو مستعد للتضحية بكل شيء؛ لديهم استعداد لمعارضة حادة، وهو مستعد ليكون معارضة هدامة؛ لديهم استعداد للتظاهر في "كابلان"؛ وهو مستعد للتمويه وخلق عالم موازٍ؛ لديهم استعداد للعمل بصعوبة، وهو مستعد لأن يعرق، إذا تطلّب الأمر. ببساطة، يريد الرئاسة أكثر منهم.
وهكذا، بعد عام وشهرين على "المذبحة"، رئيس الحكومة في المكان الأفضل الذي يمكن أن يكون فيه سياسياً. لقد توسعت حكومته إلى 68 نائباً، حتى بعد أن جرى استبدال غالانت المتمرد بنائب أكثر ولاءً، و"المخاطر" التي تدور حولها لا تهددها فعلاً. لا يجب أن نبالغ بشأن إرغام نتنياهو على المجيء من المستشفى إلى الكنيست، أو وصول بوعاز بسموت وترك عزاء والدته. هذه جميعها أحداث تكتيكية صعبة داخل الائتلاف، لكنها لا تغيّر شيئاً على الصعيد الاستراتيجي. لدى الائتلاف مصلحة استراتيجية في البقاء: الحريديم لن يفككوها، ولا بن غفير الذي لن يتنازل سريعاً عن المقعد المريح في وزارته. هذا هو أيضاً سبب تأكّد نتنياهو من أنه سينجح في تمرير صفقة تبادُل في الحكومة، وفعلاً يستطيع ذلك.
وإذا أضفنا إلى هذا كله حقيقة أن الناخبين الذين خسرهم نتنياهو في 7 تشرين الأول/ أكتوبر عادوا إليه، وأن المطالبات بلجنة تحقيق مستقلة لا تحرك شيئاً لديه، فإن رئيس الحكومة يبحث اليوم عن اللحظة المناسبة لإجراء انتخابات. مع بدء سنة 2025، بات واضحاً أن نتنياهو لا يزال المسيطِر الرئيسي على الخريطة الشاملة للسياسة الإسرائيلية. وكل شيء يتعلق به، هو الذي يستطيع أن يضع نفسه أمام اختبار الشعب، ويمكنه أن يضع حكومته أمام فحص حقيقي لإخفاقاتها، كما يمكنه أيضاً أن يستمر حتى الموعد المحدد للانتخابات في القانون: 27 تشرين الأول/أكتوبر 2026. ولا ننسى أنه سيكون لديه حتى ذلك الوقت عامان مع إدارة ترامب، ويمكن أن يحصل خلالهما على إرث إضافي على شاكلة تطبيع، أو ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. ومَن كان لديه شك: فإن رئيس الحكومة لن يذهب إلى أيّ مكان.