المحلل العسكري: عاموس هرئيل
هآرتس
لأول مرة منذ عدة أشهر، هناك أساس لتفاؤل معيّن. إن اقتراب دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير، يزيد بصورة واضحة في فرص توقيع صفقة أسرى بين إسرائيل و"حماس". هذه المرة، يوجد أساس لهذه التقارير. فالمحادثات في قطر مستمرة منذ أسابيع، والآن، يظهر تقدّم مهم. يأتي التغيير الأساسي من ترامب نفسه: يبدو أن المطالبة القاطعة بحل المسألة، قبل تسلُّمه منصبه كرئيس للولايات المتحدة وتهديداته بفتح "أبواب الجحيم"، إذا لم يُستجب لطلبه، خلقتا ضغطاً على الطرفين. وطبعاً، جرى تنسيق خطوة ترامب مع موظفي الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن.
ويظهر أن الصفقة ستتضمن إطلاق المخطوفين على مرحلتين. في البداية، يُطلق سراح النساء والرجال الكبار والمرضى و"مجموعة إنسانية" من بين المخطوفين. ومن المفترض أن تنفَّذ المرحلة الأولى بعد إعلان وقف إطلاق النار، ويجري خلالها انسحاب كبير للجيش الإسرائيلي من جزء من المناطق التي استولى عليها في غزة. وذكر مصدر أمني رفيع المستوى لـ"هآرتس" أنه على الرغم من الأعمال اللوجستية الواسعة النطاق التي تجري في ممر نتساريم وفيلادلفيا لتوسيع القطاع وأعمال البناء التي جرت هناك، فإنها حدثت انطلاقاً من وجهة النظر القائلة إن "كل شيء موقت، وعند الحاجة، يمكن تفكيكه بسرعة نسبية" (وجهة النظر هذه تختلف كلياً عن وجهة نظر اليمين المتطرف والمستوطنين الذين يسعون لاحتلال دائم لأجزاء من القطاع على الأقل).
وخلال تنفيذ المرحلة الأولى، سيجري النقاش بشأن إطلاق المجموعة الثانية من الجنود والشبان من الرجال. أيضاً ستتضمن الصفقة استعادة جثامين المخطوفين، على الرغم من ادّعاء الفلسطينيين أن جزءاً من هذه الجثامين لم يتم التعرف إليها. يوجد في غزة 98 مخطوفاً إسرائيلياً وأجنبياً. والتقدير أن نصفهم لا يزالون أحياء. ومثلما هو معروف، يسعى ترامب لصفقة شاملة، معناها أيضاً نهاية الحرب في القطاع. لذلك، حتى لو جرى الاتفاق على تفاصيل المرحلة الأولى، من المتوقع بذل جهد أميركي يفرض على الطرفين تنفيذ المرحلة الثانية وصوغ صفقة شاملة يكون معناها محاو لة وقف القتال وقتاً طويلاً.
وصل إلى الدوحة المبعوث الخاص للرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف وايتكوف، في منتصف الأسبوع الماضي، وشارك في جزء من المحادثات السياسية للتوسط بين الطرفين. وفي الأمس، وصل وايتكوف فجأة إلى القدس، قادماً من الدوحة، والتقى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وقرار نتنياهو يوم أمس بشأن إرسال الطاقم الإسرائيلي الرفيع المستوى إلى قطر، هو مؤشر إيجابي إلى أن الاتفاق أصبح وشيكاً. هذه المرة، يبدو أن نتنياهو منح الوفد الإسرائيلي هامشاً أوسع من الماضي للمناورة في الاتصالات...
فيما يتعلق بالتهديدات الأميركية، من الصعب التصديق أن "حماس" تعتقد أن ترامب سيزود نتنياهو بالقنابل الثقيلة التي ستمحو ما تبقى من المباني التي ما زالت موجودة في القطاع. وحالياً، الدمار كبير بما فيه الكفاية. لكن إذا كان الرئيس المنتخب ينوي السماح لإسرائيل بعرقلة دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى غزة، فإن مثل هذه الخطوة قد تكون مدمرة لـ"حماس" التي تعتاش من رفع أسعار الحاجات، وتستخدم الإمدادات من أجل تهدئة الغضب الشعبي في القطاع ضدها.
على الجانب الآخر، يبدو كأن نتنياهو يرى أن تهديدات شركائه من اليمين المتشدد بإسقاط الحكومة، إذا تحققت المرحلة الأولى من صفقة المخطوفين، هي أقل حدةً مما كانت عليه من ذي قبل. في نهاية المواجهة بينه وبين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بشأن التصويت في الكنيست، قبل أكثر من أسبوع، بن غفير هو الذي تراجع. وفي هذه الأثناء، حتى وزير المال بتسلئيل سموتريتش يكاد يجتاز بصعوبة نسبة الحسم في استطلاعات الرأي العام، وأيضاً على خلفية الانتقادات القاسية وسط ناخبيه لتعاوُنه مع مساعي تمرير قانون تهرّب الحريديم من الخدمة العسكرية الإلزامية. لقد ضعف موقفهما في الائتلاف، فهل سيكون هذا كافياً لكي يُبدي نتنياهو مرونة في المفاوضات مع "حماس"؟
إلى جانب الحاجة الماسة إلى إعادة المخطوفين، هناك سبب حاسم للتوصل إلى الصفقة وإنهاء الحرب في غزة. فصباح يوم أمس، قُتل 4 جنود من لواء ناحل جرّاء إصابتهم بانفجار عبوة ناسفة كبيرة ضد قافلة من المركبات غير المصفحة، كما أصيب 6 جنود في الحادثة، حالة أحدهم حرجة. وفي الأسبوع الماضي فقط، قُتل 10 جنود في القطاع، وعدد قتلى العملية في شمال غزة، والتي بدأت في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وصل إلى نحو 50 قتيلاً.
وبعكس تصريحات القيادة في إسرائيل، حالياً، ليس هناك فائدة حقيقية من الحرب في القطاع. صحيح أن الجيش يدفّع "حماس" ثمناً غالياً، لكنه لا يقترب من الحسم العسكري الشامل قط، ويتكبد خسائر قاسية في حرب استنزاف طويلة ووحشية. من هنا، يمكن أن تشكل الصفقة بداية عملية لإيجاد واقع سياسي مختلف في القطاع، ويشارك في الحل الأميركيون والدول العربية الأكثر اعتدالاً. قد يكون هذا الرهان كبيراً، لكنه يبقى أفضل من استمرار سفك الدماء الحالي، وفي جميع الأحوال، إذا عادت "حماس" إلى مهاجمة إسرائيل، فسيكون لدى إسرائيل المبرر الكامل لاستئناف الحرب ضدها.