كوبي مروم
القناة ١٢ العبرية
صباح يوم الأحد، ومع انتهاء الـ 60 يوماً من وقف النار الموقت، كان من المفترض بالجيش أن ينسحب من جنوب لبنان ويعيد انتشاره من جديد على الحدود. وفي الوقت نفسه، كان على الجيش اللبناني أن ينتشر في كل مناطق الجنوب اللبناني بين الليطاني حتى الحدود مع إسرائيل، وأن يفكك بنى حزب الله في المنطقة؛ وأساساً في المناطق التي لم يعمل فيها الجيش برّياً. إسرائيل حقاً تشترط انسحاب الجيش الإسرائيلي باستكمال الجيش اللبناني انتشاره، وأساساً أن يقوم بتفكيك بنى "الإرهاب" في جنوب لبنان بحسب الاتفاق. لذلك، فهناك حوارات مكثفة مع رئيس منظومة التنسيق، الجنرال جاسبر، وإدارة ترامب أيضاً، بشأن تمديد وجود الجيش في نقاط محددة في جنوب لبنان حتى استكمال الجيش اللبناني انتشاره وتفكيك بنى حزب الله في جنوب لبنان.
ليلة الخميس، قرر الكابينيت أن قوات الجيش ستبقى في جنوب لبنان حتى استكمال الاتفاق من جانب لبنان، وهذا القرار كما يبدو منسقاً مع إدارة ترامب. إن الجيش اللبناني ضعيف وينتشر ببطء، وهو جيش صغير، وهذه المهمة معقدة بالنسبة إليه، وهو يحتاج إلى تجنيد آلاف المقاتلين الجدد، وهناك مشكلة التعاون مع حزب الله، وخصوصاً في كل ما يتعلق بالضباط الشيعة، وأيضاً تحدّي الحدود السورية بعد تغيير النظام هناك.
في نظري، هذا هو التحدي الأكبر الأول أمام إسرائيل منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؛ إذ يتوجب عليها أن تصمم على تطبيق الاتفاق كاملاً بالتنسيق الوطيد مع إدارة ترامب في هذا الشأن، حتى لو كان الثمن المخاطرة بالتصعيد.
حزب الله سيرغب في التزام الاتفاق، إلى أن تنسحب إسرائيل
يعكس انتخاب الجنرال جوزيف عون رئيساً للجمهورية، إلى جانب الإنجازات الكبيرة التي حققها الجيش في مقابل حزب الله، تغييراً مهماً في ميزان القوى داخل لبنان. وحقيقة أنه تم اختيار رئيس حكومة ورئيس غير داعمَين لحزب الله هي شيء مهم، لكن يجب ألاّ نبني أوهاماً بأن الرئيس المنتخب ورئيس الحكومة المكلف اللذين يسعيان لضم حزب الله إلى الحكومة سيفتحان معركة من أجل تفكيك الحزب أو يمنعانه من إعادة ترميم ذاته. هناك فجوة واضحة بين تصريحات الرئيس أن الجيش سيكون القوة المسلحة الوحيدة في الدولة، وبين تطبيق هذا فعلياً.
صحيح أن حزب الله تلقّى ضربة مؤلمة، وأنه ضعيف ويحاول إعادة بناء ذاته من دون قيادة ذات رؤية استراتيجية، وخسر حلقة سورية الضرورية لعملية إعادة الترميم، وهو واقع شكّل ضغوطاً كبيرة على الحزب، كما أنه لا يزال تنظيماً أكثر ضعفاً يحاول إعادة بناء ذاته في واقع لبناني مركب مع صعوبة غير بسيطة في الحصول على المساعدات من إيران، ولذلك، فإن قيادات الحزب تخرج بتصريحات عنفوانية. وأنا أشك في أن تكون لدى الحزب أي مصلحة في خرق الاتفاق والعودة إلى القتال، وفي تقديري، فإنه لا يريد هذا بتاتاً، إنما أعتقد أنه يريد التزام الاتفاق من أجل دفع الجيش إلى الانسحاب كلياً، وبعدها سيبدأ عملية إعادة البناء. ويمكن أن نرى مستقبلاً إطلاق نار محدوداً في اتجاه مناطق مفتوحة، أو اشتباكاً مخططاً بين السكان الذين يحاولون العودة إلى منازلهم وبين جنود الجيش في جنوب لبنان من أجل تمرير رسالة فحواها أنهم غير راضين عن قرار إسرائيل البقاء في جنوب لبنان.
وفي الخلفية، فإن سكان الشمال يعيشون قلقاً كبيراً بسبب الوضع الأمني. والمشكلة المركزية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر هي فقدان الثقة في المنظومة الأمنية والحكومة في ضوء هذا الواقع على الحدود. إن قيادات السكان يسألون الحكومة والجيش بقلق كبير: كيف سمحوا ببناء قدرات كبيرة كهذه في موازاة البلدات قبل الحرب من دون القيام بأي شيء من أجل منع ذلك؟ وكيف سمحوا بهذه السياسة المهملة وثمنها خطِر على الحياة؟ لذلك، فإن التحدي لدى دولة إسرائيل والجيش هو إنشاء واقع آخر آمن على الحدود. والتحدي والامتحان هو مع نهاية الـ60 يوماً من وقف إطلاق النار، وتأجيل البقاء الضروري لشعور الأمن لدى سكان الشمال والقيادة. ويجب أن نتذكر أنه في هذه الأيام أيضاً ما زال الجيش الذي يتواجد في جنوب لبنان خلال وقف إطلاق النار يكشف عن بنى "إرهابية" تابعة لحزب الله، ويفجرها.
وهناك قضية أُخرى مهمة، وهي قضية البنى "الإرهابية" في جنوب لبنان، حيث لم يعمل الجيش، وهذه مهمة جيش لبنان الذي ينتشر حالياً ببطء. أمّا على صعيد تعاظم قوة حزب الله، فإن غياب نظام الأسد هو ضربة للمحور الإيراني وحزب الله ومحاولات إيران إعادة ترميم حزب الله، وسيصمم الإيرانيون على إعادة ترميم الحزب، وسيحاولون بكل الطرق مساعدته بكثير من الأموال على الرغم من الواقع الداخلي اللبناني الصعب والتغييرات، فسورية لم تعد جزءاً من المحور.
كيف يمكن إعادة الأمن إلى سكان الشمال؟
بعد 60 يوماً من وقف إطلاق النار الموقت، يمكن لسكان جنوب لبنان العودة إلى منازلهم، لكن بسبب تأجيل الجيش انسحابه، فإن الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي سيمنعانهم من العودة الآن، وهذه قضية مقلقة جداً لسكان الشمال؛ فبحسب الاتفاق، يستطيع سكان كفركلا وعيتا الشعب وجميع قرى "الإرهاب" على الحدود العودة إلى منازلهم شرط ألاّ يكونوا مسلحين، وخلال جولة أجريتُها هذا الأسبوع على الحدود، لاحظتُ أنه لا يوجد لسكان هذه القرى مكان يعودون إليه، فجزء كبير من منازل القرى الحدودية هُدمت كلياً، والتحدي الآن؛ أي مال سيمول إعادة إعمار قرى جنوب لبنان؟ وهل سيكون المال إيرانياً كما حدث مع نهاية حرب لبنان الثانية؟ أم سيكون مالاً سعودياً وإماراتياً يعزز الواقع الداخلي اللبناني ضد حزب الله وإيران؟
وفي الخلفية، ستحاول إدارة ترامب تعزيز التدخل الأميركي إلى جانب السعودية ولبنان، وسيتم تعزيز قوة الرئيس وحكومته الجديدة، وأيضاً ستكون هناك ضغوط كبيرة على إسرائيل كي تنسحب خلال وقت قصير بحسب اتفاقيات الحدود على الرغم من أن الجيش اللبناني لم يستكمل التزاماته بحسب الاتفاق، وسيتوجب على إسرائيل أن توضح لإدارة ترامب أنها لن تتنازل عن أمن سكان الشمال، وستصمم على تطبيق الاتفاق وهدم بنى حزب الله بالكامل.
وعلى صعيد إعادة ترميم الشمال، يبدو أن الحكومة، في ظل التطورات السياسية – الأمنية، ستطالب السكان بالعودة إلى منازلهم في مطلع آذار/ مارس، ولا تزال الحكومة مترددة بشأن خطة الطوارئ لإعادة إعمار الشمال، والمقارنة بنموذج الجنوب، إذ عاد سكان سديروت بعد 5 أشهر إلى منازلهم فقط، وهي مقارنة غير واقعية، فإن الضرر الذي لحق ببلدات الشمال بعد عام ونصف العام كبير جداً، ويجب على الحكومة أن تكون أكثر كرماً مع سكان الشمال، وعليها أن تبني رؤية تجذب الشباب إلى القدوم وإعادة بناء الشمال من جديد، وضِمن ذلك تسهيلات اقتصادية كبيرة وتجديد روح الاستيطان على الحدود.
يجب على الحكومة أن تبني منظومات تكون ملائمة للعائلات التي لديها أولاد بدأوا العام الدراسي في وسط البلد، ويمكن أن يعودوا إلى الشمال بعد نهاية العام الدراسي في شهر تموز/يوليو 2025. إن الحوارات مع قيادات الشمال غير فاعلة، وتقريباً غير موجودة أصلاً، والمستوى السياسي هو من يجب أن يقدم إحاطات إلى القيادات المحلية التي قادت سكان الشمال بشجاعة على مدار عام ونصف العام تقريباً من حرب صعبة ومؤلمة، وهو مَن يجب أن يقدم خطة ورؤية من أجل إعادة إعمار الشمال. ومن دون القيادة المحلية، فسيكون من الصعب إقناع السكان بالعودة. وطبعاً، من أجل ردم الفجوة في الشعور بعدم الثقة بالمنظومة الأمنية، يجب أن يكون هناك تواجُد كبير للجيش مع مركّبات أمن معززة لفترة طويلة داخل البلدات، وأيضاً على الحدود من أجل منح سكان الشمال شعوراً حقيقياً بالأمن.
الخلاصة
إن الاتفاق الذي وقعته إسرائيل معقول، لكنه لا يلائم الإنجازات العسكرية الدراماتيكية في مقابل حزب الله، وهنا نحن أمام امتحان مهم جداً بشأن مستقبل الشمال والواقع الأمني الذي سينشأ بعد الحرب. ويوجد اتجاه إيجابي في الساحة الداخلية اللبنانية، لكنني لا أرى أنه سيتحول إلى سياسة ضد حزب الله، وضمن ذلك تفكيك الحزب ونزع سلاحه، وخصوصاً أن الرئيس يقترح عليه الانضمام إلى الحكومة. حزب الله سيبقى قوة مهمة في لبنان.
ولدى حزب الله الآن مصلحة في استكمال الاتفاق من أجل انسحاب إسرائيل الكامل، وبعدها سيبدأ جهودَ إعادة الترميم التي يحتاج إليها كثيراً. وفي نهاية المطاف، فإن السياسة الحاسمة وتصميم إسرائيل في مقابل خروقات حزب الله هي الرد الأهم كي توضح له ولحكومة لبنان أن ما كان قبل الحرب لن يكون الآن، سواء على صعيد خرق الاتفاق في جنوب لبنان، أو على صعيد منع إعادة مراكمة القوة وإعادة بناء حزب الله من جديد.
إن الحوارات مع إدارة ترامب ضرورية ومهمة، والجيش اللبناني انتشر بالكامل في القطاعين الغربي والأوسط وبصورة أقل في القطاع الشرقي، لذلك، أعتقد أن الأميركيين سيضغطون على الطرفين لتقديم تنازلات؛ فإسرائيل ستنسحب من بقية المناطق المتبقية وتبقى كما يبدو في 3 أو 4 مناطق مهمة في جنوب لبنان لبضعة أسابيع، وفي الوقت نفسه، فإن الجنرال جاسبر والإدارة الجديدة في الولايات المتحدة سيضغطون على الجيش اللبناني لتسريع انتشاره في جميع مناطق جنوب لبنان، وضِمن ذلك هدْم بنى حزب الله من أجل الاستمرار في مسار وقف إطلاق نار دائم وهادئ في الجبهة اللبنانية.
إن الامتحان الكبير سيكون تطبيق الاتفاق ومنع نقل الأسلحة، وأساساً منع انتشار وإعادة ترميم قدرات حزب الله في جنوب لبنان من جديد، كجزء من محاولة إنشاء واقع جديد يقنع سكان الشمال بالعودة إلى منازلهم.