إسرائيل رفضت الاكتفاء بوعود حماس

المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل

هآرتس 

في مفاوضات مليئة بالصعود والهبوط، ومليئة بالبشائر القاسية حول صفقة المخطوفين، تسلمنا ليلة أمس بعد منتصف الليل بشرى إيجابية. تصميم إسرائيل امام حماس برر نفسه في هذه المرة والنتيجة كانت تبكير احدى النبضات لاعادة المخطوفين. اذا لم يحدث أي تغييرات أخرى وصعوبات في اللحظة الأخيرة فانه ستتم إعادة الى إسرائيل مخطوفتان ومخطوف في يوم الخميس القادم، وبعد ذلك ثلاثة من المخطوفين في يوم السبت القادم.

في غضون ذلك أعلنت إدارة ترامب أنه تقرر تمديد اتفاق وقف اطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، ضمن الشروط القائمة، لثلاثة أسابيع أخرى، حتى 18 شباط القادم. في هذه الفترة يمكن للجيش الإسرائيلي إبقاء قواته في بعض المناطق في جنوب لبنان. القرار تم اتخاذه في نهاية يوم صاخب قتل فيه الجيش الإسرائيلي 22 لبناني، معظمهم من المدنيين، وأصاب العشرات، عندما حاولوا العودة الى الجنوب، الى القرى التي تم تركها. 

الازمة في المفاوضات حول صفقة المخطوفين بدأت في نهاية الأسبوع. حماس وضعت عقبات امام تطبيق النبضة الثانية في المرحلة الحالية للصفقة، عندما اعادت مجندة بدلا من النساء المدنيات المخطوفات، التي كان يجب أن يعدن في يوم السبت، وهي أربيل يهود من كيبوتس نير عوز. إسرائيل بعد تردد وتهديد قررت مواصلة تطبيق الاتفاق، لكن عند عودة الأربع مراقبات من بين الخمس مراقبات، قامت بخطوة عقابية. فقد أجلت عودة سكان شمال القطاع الى المدن والقرى المدمرة عبر ممر نتساريم الذي يفصل القطاع بشكل عرضي. جنود الجيش الإسرائيلي اطلقوا النار من اجل ابعاد عشرات آلاف المواطنين عن الممر الذي تجمعوا قربه، بالأساس في النقطة التي يصب فيها وادي غزة في البحر المتوسط، في الطرف الغربي للممر.

التشدد أثمر. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اشترط أمس عودة سكان القطاع الى الشمال بالحصول على إشارة حياة موثوقة من أربيل يهود. وقد رفض الاكتفاء بوعد حماس ودول الوساطة، مصر وقطر، الذين اعلنوا أن يهود على قيد الحياة وسيتم اطلاق سراحها في يوم السبت القادم. إضافة الى يهود ستتم إعادة في النبضة في يوم الخميس اغام بيرغر، المراقبة الأخيرة التي بقيت في الاسر، ومخطوف آخر هو رجل مسن.

إن تصميم نتنياهو اثبت نفسه في هذه المرة كما يبدو. فبعد محادثات مطولة مع دول الوساطة تمت الموافقة على طلبات إسرائيل: إعادة ستة مخطوفين في نبضتين، في يوم الخميس وفي يوم السبت. وفاء حماس بوعدها تسليم قائمة تفصل وضع جميع المخطوفين الذين سيعودون في المرحلة الأولى للصفقة الحالية (33 شخص، بينهم 7 مخطوفات تمت اعادتهن). جزء صغير من الباقين ليسوا على قيد الحياة. في المقابل، إسرائيل سمحت في هذا الصباح بحركة الفلسطينيين نحو شمال القطاع.

إسرائيل حلت بذلك عدم الوضوح بخصوص وضع يهود وسرعت قليلا إعادة المخطوفين. وهي أيضا اثبتت لنفسها بأن هناك افضليات للتصميم على طلباتها، حتى بمفاوضات قاسية مع منظمة إرهابية. حماس تتعرض لضغط كبير من سكان القطاع، الذين يعانون من ظروف قاسية، جزء كبير منهم يفضلون في حالة اليأس التي يعيشون فيها، العودة الى البلدات المدمرة في الشمال بدلا من مواصلة كونهم عالقين في الخيام في منطقة المواصي في الجنوب. هذا لا يعني بالضرورة أنه في المراحل القادمة من تطبيق الاتفاق سيكون الامر اكثر سهولة.

هناك نقطة أخرى يفضل ملاحظتها. فالرجال الذين سيعودون من الآن فصاعدا هم من كبار السن في معظمهم، اكبر من النساء اللواتي تم اعادتهن. ومن سيعودون في المرحلة الأولى هم المرضى والجرحى. من المرجح أنه تم احتجازهم في ظروف قاسية جدا. وعودتهم ستتضمن في الواقع مشاهد مفرحة ومؤثرة، لكن هذه المشاهد يمكن أن تكون اقل فرحا من مشاهدة المجندات الشابات في الالتقاء مع عائلاتهن.

عن الواقع المعقد في غزة كان يمكن أن نعرف من بعض الملاحظات الجانبية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتهى السبت. لقد سبق ونسينا مدى تأثير التأملات المفاجئة والتفكير خارج الصندوق للرئيس الأمريكي على الاجندة العالمية خلال ولايته الأولى. والآن ظهرت فجأة فكرة اخلاء سكان قطاع غزة الى مصر والأردن للتمكين من إزالة الأنقاض في غزة وإعادة اعمارها. وهذا هو آخر ما يريده زعماء الأردن ومصر. ولكن زعماء المنطقة بدأوا يتساءلون بالفعل عن ماهية العبقرية التالية التي سيقدمها ترامب. 

قبل يومين من ذلك نشر أن الإدارة الامريكية بشكل عام تفحص التوجه الى اندونيسيا من اجل أن تستوعب 2 مليون غزي. نتنياهو يتوقع أن يسافر الى واشنطن خلال أسبوعين من اجل الالتقاء مع الرئيس الأمريكي. ربما في حينه سيكون بالإمكان فهم ماذا تخطط له الإدارة للمراحل القادمة من اتفاقات وقف اطلاق النار. اللقاء بين الاثنين يبدو حاسم بخصوص مستقبل الخطوات القادمة في المنطقة. في هذه الاثناء إشارات ترامب لا تتساوق مع الآمال التي علقتها عليه أحزاب اليمين في إسرائيل.

في غضون ذلك، نتنياهو يحاول تهدئة شركائه، بالأساس حزب الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش، الذين في الواقع يهددون بالانسحاب من الحكومة، لكنهم يؤجلون القرار الى أن يتضح اذا كانت ستنجح في احباط المرحلة الثانية للصفقة بعد اقل من خمسة أسابيع. الادعاء هو أن نتنياهو وترامب يعملان على أمور كبيرة من وراء الكواليس، ومن المؤسف تخريب هذه الخطط بسبب أمور تافهة. ضمن أمور أخرى، تم التلميح الى أن السلام الإقليمي لترامب سيتضمن سيطرة إسرائيل على أجزاء في قطاع غزة واستئناف الاستيطان هناك، كما يحلم الوزير سموتريتش. هذا يذكر قليلا بوعود “سيادة في اليوم الأول” التي اسمعها رجال نتنياهو لنفس الجمهور عند التوقيع على اتفاقات إبراهيم في 2020. في تلك المناسبة الوعود تبددت تماما، وحتى الآن عندما يدور الحديث عن ترامب فانه يفضل الحذر من أي نبوءات.

في هذه الاثناء في الشمال

الاتفاق الذي تبلور قبل شهرين بواسطة أمريكية بين حكومة إسرائيل وحكومة لبنان تضمن التعهد بالانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان حتى أمس. ولكن إسرائيل حذرت في الأسابيع الأخيرة من أن الجيش اللبناني لا يقوم بالوفاء بوتيرة الانتشار المطلوبة في المنطقة، في حين أن حزب الله يقوم بخرق الاتفاق – بصورة حسب قولها، تلزمها بالبقاء في هذه المرحلة في بعض القرى في جنوب لبنان.

الخطوة التي اتخذها أمس حزب الله في لبنان ليست الفريدة في نوعها. ففي أيار 2000، عشية الانسحاب احادي الجانب والمخطط له من قبل الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وبقرار من حكومة اهود باراك، اهتم حزب الله بالمبادرة الى مسيرات حاشدة للمواطنين الى داخل المنطقة الأمنية، التي كانت توجد فيها قوات الجيش الإسرائيلي وقوات جيش لبنان الجنوبي. من اجل منع سفك الدماء الزائد قرر باراك في حينه تبكير الانسحاب، الذي خطط له بعد ستة أسابيع. والوحدات خرجت خلال يومين في الوقت الذي كان فيه اللبنانيون يقومون بالاحتفال بالنصر.

أيضا في هذه المرة الحديث يدور عن مسيرات لسكان القرى الشيعية، التي خلف فيها الجيش الإسرائيلي دمار كبير بعد انسحاب حزب الله. المنظمة الشيعية تشارك في هذه الاحداث من وراء الكواليس. أمس وقعت مواجهات كثيرة على طول القاطع حيث كانت قوات الجيش الإسرائيلي تطلق النار على قوافل المدنيين الذين حاولوا اجتياز الحواجز التي وضعها الجيش. 22 لبناني قتلوا، من بينهم حسب التقارير جندي في الجيش اللبناني وناشط من حزب الله. قبل منتصف الليل، وقريبا من الإعلان عن حل الازمة في قضية المخطوفين، اعلن البيت الأبيض بأن موعد الانسحاب في الاتفاق مع لبنان سيتأجل الى 18 شباط القادم. هذا تطور إيجابي، لكن يصعب التعهد بأن هذا هو العائق الأخير.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023