عانقت ستة وثلاثين عاما من زمن السجن

وليد الهودلي

كاتب وأديب فلسطيني

كان ذلك عندما استقبلنا من أفرج عنهم في الصفقة فوجدت نفسي أخترق السيل البشري بصعوبة بالغة لأعانق أخي رائد السّعدي الذي عايشته في السجن اثنتا عشر سنة من سنة 1990 الى 2002 حيث خرجت من السجن وتركته هناك يتلظّى إلى يومنا هذا. 
 ثم كان هذا العناق بعد نجاح الصفقة في 25-كانون ثاني عام 2025،أيّ بعد اثنتين وعشرين سنة، شعرت بأنّي أعانق ست وثلاثين سنة قد تجمّعت في هذا الجسد النحيل وهذه القامة العالية. أعانق آلام بحر من السنين الطويلة، كم عدد وكم تفتيش وكم مرة كان التنكيل والقمع والنقل التعسفي والبوسطة والاهمال الطبي المبرمج والاضرابات المفتوحة وغير المفتوحة ومرارة السجن زمن الحرب الاخيرة، أعانق أطنانا من القهر والألم والموت البطيء جدا جدا.
وفي ذات الوقت أعانق القيم الانسانية النبيلة كلّها وقد تجمعت بين كتفي رجل، أعانق ايمانا وعقيدة وفكرا وصبرا ويقينا وروحا جميلة عالية رفيعة، أعانق الحب كله والتضحية والفداء والايثار والفناء عن الذات، أعانق الوطن بكل جمالياته الباهرة والعظيمة قد جاءت لتكون في رجل. 
كم كان عناقي هذا عظيما وكم كان مشحونا بما يوصف ولا يوصف، وكم كان علينا لمثل هذه اللحظة أن نبذل الغالي والنفيس ولكنا قصّرنا لتأتي مقاومة حرّة أبية عظيمة فتجبر كسر خواطرنا وتحلّق بنا عاليا عاليا في سماء الوطن العظيم والمستقبل المشرق الذي باتت سواعده الحرّة تفتح آفاقه وتنيره من نورها الجميل.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023