نوصي إسرائيل الا تقف علنا الى جانب الولايات المتحدة في الدعوة لتهجير الغزيين

المحلل العسكري ميخائيل ميلشتاين
 يديعوت

في نظر جزء من العالم، اعلان ترامب عن نقل الغزيين الى الأردن والى مصر كفيل بان يبدو كطموح آخر – مثل الرغبة في شراء غريلاند من الدانمارك او دمج كندا في الولايات المتحدة. لكن في الشرق الأوسط يؤخذ هذا القول بجدية بل وبقلق. فترامب، كما يذكر، أعلن أول أمس بانه بحث مع ملك الأردن عبدالله في إمكانية نقل غزيين الى المملكة وانه سيبحث الفكرة أيضا مع الرئيس المصري السيسي. وهذا، على حد قوله لان القطاع خرب وغير مناسب للسكن وانه يحتمل ان يكون الانتقال لمدى قصير أو طويل. 
مثل كثير من اقتراحات ترامب، توصف الفكرة كـ “صفقة” ذات منطق واعتبارات مادية في ظل تجاهل الابعاد الأيديولوجية والثقافية، الذاكرة التاريخية، والتوترات بين إسرائيل، العالم العربي والفلسطينيين – وهي عناصر اثبتت بانها اقوى من كل اعتبار آخر في الشرق الأوسط في اعقاب 7 أكتوبر. 
الفلسطينيون، الذين استندوا الى تفاؤل حذر في أن ترامب في ولايته الثانية سيكون مختلفا عنه في الأولى يشهدون “عودة الكابوس القديم”. فقد ضعضع ترامب في ولايته الأولى الأفكار التي سعى الفلسطينيون لان يقرروها وبموجبها لن تكون تسوية في المنطقة دون أن تحل قبل كل شيء مشكلتهم: فقد نقل السفارة الى القدس، دفع قدما باتفاقات إبراهيم ووضع صفقة القرن، خطوات أدت الى انكسار حاد بين رام الله وواشنطن. والان يخشى الفلسطينيون من أن يفرض بالقوة تغييرا عميقا للواقع على الأرض. 
العالم العربي هو الاخر يعيش في صدمة في اعقاب هذا القول. فهو يثير مخاوف دفينة في الأردن وفي مصر، اللتين في ضوء جوارهما من الساحة الفلسطينية والصلات التاريخية بهما تخشيان من محاولة حل المشكلة الفلسطينية على حسابهما. القاهرة وعمان تبديان على نحو دائم عصبية شديدة تجاه كل قول في هذا السياق: من اقتراح غيلا جمليئيل لنقل الغزيين الى سيناء وحتى الأفكار لتشجيع “الهجرة الطوعية” لرؤساء الصهيونية الدينية والنائبين بن باراك ودانون. وهذه تعد صيغا حديثة لمؤامرة إسرائيل لافراغ القطاع من سكانه، أفكار بالفعل بحثت في الماضي بجدية واساسا بعد حرب الأيام الستة. 
يتخذ العالم العربي حتى الان جانب الحذر في ضوء معرفته لطبيعة ترامب وعدم الرغبة في الصدام معه. الزعماء العرب يرفضون الفكرة رفضا باتا ويفهمون بانه حتى التلميح بالموافقة على دراستها سيثير اضطرابا حادا داخليا، والامر صحيح أساسا بالنسبة للاردن. في ضوء هذا فانهم سيحاولون على ما يبدو “اغلاق الحدث” بسرعة بطرق دبلوماسية وبذلك يمنعون نشوء خلاف شديد مع الإدارة الامريكية الجديدة. 
يعيش الفلسطينيون في معضلة حادة اكثر بكثير، وواضح أنهم يرفضون الفكرة تماما. موقع الأخبار “سما” وصف الفكرة أمس بانها “نكبة جديدة”. والحذر الذي سيتخذه العرب على ما يبدو سيميز السلطة التي تتطلع الى ان تبدأ “بالقدم اليمنى” علاقاتها مع إدارة ترامب، وكذا حماس التي اطلقت في الأسابيع الأخيرة إشارات استثنائية عن رغبتها في فتح حوار مع واشنطن، ضمن أمور أخرى في ظل الفهم بان الامر كفيل بان يساعد المنظمة على مواصلة الإبقاء على قوتها في القطاع، حتى دون أن تحمل مكانة صاحب السيادة. 
إسرائيل هي الأخرى مطالبة بان تتصرف بحذر، والا تتبنى مثلا الحماسة التي يبديها رؤساء الصهيونية الدينية للإعلان بدعوى أن الحديث يدور عن خطوة ستسمح للفلسطينيين بحياة افضل في ظل الابتعاد عن الأفكار المتطرفة، قول يعطي الصدى لمفهوم 7 أكتوبر وبموجبه حوافز اقتصادية يمكنها أن تتغلب على الأيديولوجيات. على إسرائيل ان تفهم بان الفكرة من شأنها أن تضر بالعلاقات بين واشنطن والعالم العربي ولاحقا أن تضر بها أيضا، واساسا في كل ما يتعلق بالتطبيع الذي ستنفر منه الدول العربية اذا ما شعرت بان الامر فرض عليها بالقوة من قبل الولايات المتحدة، ويختلط بالجهد لنقل الفلسطينيين اليها.
نوصي إسرائيل الا تقف علنا الى جانب الولايات المتحدة في إطار الدعوة لاستيعاب جماهير غزيين، السيناريو الذي احتمال تحققه كما أسلفنا متدنٍ وسيخلق فقط ضغينة عربية تجاه إسرائيل. مهم ان تشارك إسرائيل في بحث الموضوع، لكن على المستوى الدبلوماسي السري، وليس عبر إعلانات على الملأ. بهذه الطريقة، يحتمل أن يكون ممكنا الوصول الى توافق على استيعاب عدد محدود من الغزيين يعرفون كحالات إنسانية لزمن قصير وهكذا منع نشوب ازمة حادة. الجهد المركزي يجب أن تبذله إسرائيل على اجبار حماس على تنازلات جوهرية مقابل اعمار القطاع وضمان حرية العمل ضد كل تهديد ينشأ في هذه المنطقة في المستقبل.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023