الفرص التي أضاعتها إسرائيل

المحلل العسكري يوسي يهوشواع
 يديعوت أحرونوت

كان الاتفاقان اللذان وقّعتهما إسرائيل في غزة ولبنان أمام انهيار ممكن. وفي الحقيقة، فإنه في كلتي الحالتين، كان يمكن الامتناع من الوصول إلى هذه النقطة لو كانت الجهة المسؤولة؛ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قد أدارت المفاوضات بصورة مختلفة، تسمح باستغلال الإنجازات والأوراق التي لدى إسرائيل، من دون كسر الاتفاق.
في لبنان، وبعد انتهاء الـ60 يوماً للاتفاق، كان على الجيش أن ينسحب إلى خط الحدود، لكن القوات لم تنسحب حقاً. وبحسب أقوال الجيش، فإن جيش لبنان لم يقم بتنظيف المناطق التي يسيطر عليها حزب الله بصورة كافية، وخصوصاً في القطاع الشرقي. لقد انسحب الجيش من مناطق جدية في مرحلة ما، وبعدها بدءاً من ساعات الصباح الباكر، بدأ حزب الله يقوم باستفزازات؛ إذ أرسل مواطنين ونشطاء تابعين له إلى البيوت في القرى كمركبا والخيام وعيتا الشعب وغيرها. وأشارت الأنباء في لبنان إلى سقوط 22 قتيلاً وعشرات الجرحى بنيران الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات. وبحسب الأنباء، فإن بينهم جندياً في جيش لبنان، وهو حدثٌ يتم التحقق منه.
وحتى الآن، لا يهدد حزب الله رسمياً، لكنه يفعل ذلك بصورة عملية. صحيح أنه ليس حزب الله ذاته الذي كان قبل الحرب، لكنه يحاول أن يرمم قدراته. والمكان الأول الذي سيحاول فيه القول إنه استرجع قوته هو المنطقة التي تشكل نقطة قوة لديه؛ جنوب لبنان. يجب ألاّ تهتم إسرائيل بذلك، وعليها أن تحافظ على مصالحها الأمنية التي لا أدري لماذا لم تتم المحافظة عليها في الاتفاق. لقد كتبنا منذ ذلك الوقت أن هناك فجوات في الاتفاق، والأكبر بينها هو حقيقة أننا لم نصرّ على بناء منطقة عازلة داخل الحدود اللبنانية، لا يُسمح بدخولها من جانب المواطنين اللبنانيين ولا "مخربي" حزب الله طبعاً.
رؤساء المجالس المحلية في الحدود الشمالية نادوا مرة تلو الأُخرى بأن هذا خطأ، وحذّروا من أنهم لن يستطيعوا إعادة السكان إلى منازلهم في المطلة على بُعد مئات الأمتار حيث سيعود نشطاء حزب الله إلى التجول بغطاء مدني. والسبب وراء هذا الإحباط مبرَر؛ فالجيش حقق إنجازات مذهلة وانتصاراً عسكرياً واضحاً في مقابل حزب الله، وكان من المتوقع أن تترجم الحكومة هذا إلى إنجاز دبلوماسي في اتفاق يتم توقيعه مع دولة لبنان بوساطة أميركية. وإن هذا هو التضييع الأكبر للفرصة من طرف نتنياهو الذي خضع للضغوط الأميركية التي مارستها إدارة بايدن قبل بدء عهد ترامب.
وبحسب مصدر إسرائيلي، فإن الإدارة الأميركية فهمت الحاجة إلى إطالة أمد بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان، لكنها تشترط أن يحدث ذلك بالتنسيق معها من أجل الشرعية الدولية، وتقرّر أيضاً تمديد فترة عمل لجنة الرقابة الأميركية حتى استقرار الميدان وتطبيق التفاهمات بالكامل.
بحسب مصادر عسكرية، فإن حزب الله يرسل أشخاصاً إلى الحدود، والجيش أوضح أنه مصمم على العمل، لكنه يحذّر من أن عمليات الإحباط لن تكون ضد كل ناشط في حزب الله، إنما فقط ضد تنظيمات فعلية تنفذ عمليات. ولِعِلْمِ سكان الشمال، فإن الأوضاع في غزة مختلفة من ناحية الحقائق، وليست شبيهة، لكنها تمتاز بإضاعة الفرصة كما الفرصة في الشمال. إن الصورة التي تخرج من محور نتساريم لعشرات آلاف الغزيين ينتظرون الذهاب شمالاً تشير إلى درجة أهمية هذا الحاجز، وأنه أهم شيء بالنسبة إلى "حماس" في إطار المفاوضات على صفقة التبادل. لذلك، فقد كان ممنوعاً التنازل عنه في الدفعة الثانية، إنما المحافظة عليه للمراحل المتقدمة أكثر. دفعت إسرائيل هنا ثمن صفقة بالكامل من دون أن تحصل على أي مقابل. وفي اللحظة التي فُتح فيها الحاجز، سيكون في إمكان "حماس" القيام بخروقات أُخرى كما فعلت الآن بعدم تحرير أربيل يهود. في هذه الحالة، كان هناك ضغط من طرف إدارة ترامب التي يتوجب علينا أن نتعاون معها بالكامل، لكن كان يجب التوصل إلى اتفاقات مع الإدارة قبل أن تتنازل إسرائيل عن أكبر ورقة لديها، فقط بعد أن تحصل على أغلب المخطوفين. والآن، في الجبهتين، نحن متعلقون كلياً بِنِيَّات الأميركيين الحسنة؛ فمن جهة، حرّروا شحنات السلاح، ومن جهة أُخرى يفرضون قيوداً على الصعيد الاستراتيجي.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023