المحلل الإسرائيلي: ألوف بن
هآرتس
سيُعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض إطلاق حملته الانتخابية للكنيست السادس والعشرين، وذلك يوم الثلاثاء، حيث سيقف إلى جانبه رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. لقد انتظر نتنياهو عودة شريكه الأيديولوجي إلى السلطة لكي يستطيع إخبار قاعدته الانتخابية في إسرائيل أنه، وحده فقط، يجيد كيفية التعامل مع الأب الروحي لليمين الأميركي والعالمي. والدليل على ذلك أن ترامب دعا نتنياهو إلى البيت الأبيض قبل أيّ قائد أجنبي آخر. وانتظروا قليلاً، سيُخرجون يافطات "فريق آخر"، مع صورة ترامب ونتنياهو، وهما أكبر سناً من المرة السابقة.
تقترب حكومة "اليمين الكاملة" من نهايتها، وتقديم الانتخابات إلى الصيف المقبل سيلغي عدداً كبيراً من المصائب التي تُقلق نتنياهو. على سبيل المثال، سيصبح من الممكن تأجيل قضية تهرُّب الحريديم من الخدمة العسكرية في العام المقبل لأن المسارات التشريعية ستدخل في حالة جمود؛ وطبعاً، سيحاول كسب الوقت في محاكمته، بادّعاء أن المحكمة العليا سمحت له بالترشح للانتخابات، وأن وجوده في المحكمة 3 مرات في الأسبوع يتناقض مع حقه في الترشح للانتخابات. والأهم أنه لا يوجد الآن أيّ منافس آخر يمكنه الوقوف في مواجهة نتنياهو مع حزب كبير ومنظّم، ويستطيع طرح شعار مختلف. ماذا سيقول نجم الاستطلاعات نفتالي بينت؟ هل سيقوم بالتملق لترامب أكثر؟
حتى قبل أن يُعقد اللقاء، قدم ترامب لنتنياهو الرسالة المركزية لهذه الحملة الانتخابية: ترحيل (ترانسفير) مليون ونصف مليون فلسطيني من قطاع غزة. إن فكرة الترانسفير - أو بكلمات أقل تنميقاً، "تطهير" أرض إسرائيل من سكانها العرب- ليست فكرة جديدة داخل الحياة السياسية في إسرائيل. لكن، قبل اللحظة التي تبنّاها فيها ترامب، كانت محصورة في أوساط اليمين الكهاني فقط. الآن، هناك تحوُّل في طرح الفكرة: فبدلاً من الحديث عن "أرض إسرائيل لشعب إسرائيل"، وعن "الحق الحصري للشعب اليهودي في البلد"؛ الآن، يتم عرض التهجير على أنه عمل خير للفلسطينيين الذين سيتم إنقاذهم من الدمار الموجود في غزة من أجل تحقيق حياة أفضل.
من السهل رفض فكرة الترانسفير الصادرة عن ترامب، والقول إنها شعارات إضافية لن تتحقق، أو مجرد "عائق" تم وضعه في الحوار من أجل التنازل عنه، في مقابل السلام مع السعودية. يمكن أن تكون الأمور هكذا فعلاً، هذا ما جرى مع خطة نتنياهو بشأن الضم التي تم التراجع عنها في مقابل رحلات جوية إلى دبي ومراكش. لكن الضم بحد ذاته لم يتم إلغاؤه، بل بالعكس، لقد أصبح أمراً طبيعياً، ويُطبّق بإصرار، ومن دون إعلان. وهذا ما سيجري مع الترانسفير أيضاً الذي لن يُلغى. والدليل على ذلك هو أن الدول العربية، بقيادة السعودية، سارعت إلى إعلان معارضتها لنقل السكان جماعياً من غزة إلى مصر والأردن. يبدو أن الرياض والقاهرة وعمّان يأخذون الأمور بجدية.
من وجهة نظر نتنياهو، سيشكل ترانسفير ترامب تفوقاً سياسياً واضحاً. هناك دعم واسع لفكرة "الإجلاء الإنساني" عن غزة في أوساط المجتمع اليهودي في إسرائيل، ويمتد أيضاً إلى خارج معسكر داعمي ائتلافه. فبعد اندلاع الحرب، كان النائبان في الكنيست رام بن براك، من حزب "يوجد مستقبل"، وداني دانون، من "الليكود"، أول مَن طرح فكرة إجلاء سكان قطاع غزة بإرادتهم إلى دول العالم، وذلك في مقال في صحيفة "وول ستريت جورنال" خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بعد 5 أسابيع على 7 تشرين الأول/أكتوبر. سيكون هذا أساس الائتلاف المستقبلي بين اليمين والوسط.
وعلى الرغم من ذلك، فإن نتنياهو كان، حتى الآن، حذراً من تبنّي هذه الفكرة علناً. ولذلك تحديداً، يجب الانتباه إلى كيفية تعامُله معها خلال اللقاء في البيت الأبيض. كانت خطواته وتصريحاته بشأن إدارة الحرب منذ بدايتها، تُظهر أن خطته "لليوم التالي" في قطاع غزة تقود إلى الاحتلال الدائم لأجزاء منه، والتحضير لإمكان الاستيطان اليهودي في الأماكن التي دُمرت فيها الأحياء العربية. المرحلة الأولى من صفقة التبادل أعادت الفكرة إلى الوراء، بعد أن سمحت إسرائيل فيها للفلسطينيين بالعودة إلى شمال القطاع في إطار الاتفاق. الآن، يحاول نتنياهو التهرب من المرحلة الثانية التي تتضمن انسحاباً كاملاً للجيش من قطاع غزة.
وحتى لو تم تطبيق المرحلة الثانية، وعاد جميع المخطوفين إلى إسرائيل، فإن النزاع لن ينتهي. فالمعوقات والصعوبات المتوقعة خلال مرحلة إعادة البناء، سيكون الهدف منها دفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية - أو دفع السعودية إلى التطبيع من أجل إنقاذ الغزّيين من نكبة ثانية. في جميع الأحوال، سيطرح نتنياهو على ناخبيه الإنجاز: إمّا الترانسفير، وإمّا السلام.
خلال الولاية السابقة للرئيس غير المتوقع، الذي يحب الارتجال، شهدت علاقات نتنياهو وترامب تراجعاً في مراحل، وازدهاراً في مراحل أُخرى. لذلك، لا يجب الحماسة أكثر مما يجب لإعلانات الودّ التي ستصدر من واشنطن. وفي الوقت نفسه، لا يجب البناء كثيراً على الأمل الجديد في المعسكر المناهض لنتنياهو، حيث يأملون بأن يقوم ترامب بدفع نتنياهو يساراً بالقوة، ويدفعه إلى إنهاء الحرب، وإعادة المخطوفين، وتحقيق السلام مع السعودية، والقضاء على التهديد النووي الإيراني، وتبديل الحكم في القدس. لا ينقصهم إلّا الأحصنة الوردية. لكن، حتى وصولها، سيأمل نتنياهو بأن تدفع الصور والأحضان مع ترامب الجمهور إلى نسيان مسؤوليته عن "كارثة" 7 أكتوبر، وتسمح له بحلّ الكنيست والذهاب إلى النشاط الأحبّ إلى قلبه من أيّ شيء آخر - خوض الانتخابات مرة أُخرى.