النقاش الدراماتيكي بشأن "الأداة السرية"، والفجوات في التحقيقات - والاستنتاجات التي لم يتم التوصل لها

رونين برغمان

 يديعوت أحرونوت

أعرض لكم الآن حدثَين غير موجودَين في صلب التحقيقات التي ستُنشر مساء اليوم (الخميس). لن نجد في التحقيقات، ولا في الأحداث، ولا ما كان يمكن أن يجري بعدها- خطوات كان يمكن أن تجعل السابع من أكتوبرمختلفاً كلياً، ولا الاستخلاصات التي يمكن الاستفادة منها مستقبلاً.

جرى نقاش، في 17 آب/أغسطس 2023، لدى الجنرال (ج)، وهو رئيس قسم العمليات في شعبة الاستخبارات العسكرية، أحد أهم المناصب في الاستخبارات، تحت عنوان "تقييم الوضع بالنسبة إلى قطاع غزة (ملخص النصف الأول من سنة2023)- ملخص رئيس قسم العمليات". شارك في هذا النقاش ضباط كبار من قيادة المنطقة الجنوبية ومجتمع الاستخبارات، ومن ضمنه الوحدة 8200، بالإضافة إلى جهات أُخرى في مجتمع الاستخبارات وتجميع المعلومات عمّا يحدث في غزة.

القضية التي كانت في مركز النقاش، ولا يمكن القول إلّا إنها دراماتيكية، كانت الأداة التي سُميت سابقاً في مقالاتي"الأداة السرية"- والتي لا يتم استعمالها في أغلبية الوقت بسبب صعوبات تكنولوجية ومشاكل أُخرى، على الرغم من الجهود الكثيرة. هذه "الأداة السرية" كانت أداة جمع معلومات استخباراتية مركزية من داخل "حماس"، واعتمدت عليها دولة إسرائيل لكي تمنحها التحذير اللازم.

قال الجنرال (ج) في الملخص الخاص به إنه "على الرغم من العمل الواسع والمهم، استخباراتياً وعملياتياً، فإن القدرة الاستخباراتية في هذه المنطقة لا تزال متوسطة، على الرغم من أن قطاع غزة على رأس أولويات شعبة الاستخبارات العسكرية". بعدها، عاد فأثنى على كلّ مَن يبذل جهداً في هذا السياق، ثم شدد رئيس قسم العمليات على أنه على الرغم من العمل المهم والذي يستحق كل التقدير، فإن هذا التقييم المذكور أعلاه يتعزز في ضوء حقيقة أننا لم ننجح بعد في توسيع عمل "الأداة السرية" إلى قطاع غزة. وأضاف أن "التحسين الجدي في أداء المهمات في القطاع لن يتم قبل نهاية الربع الأول من سنة2024". وهنا، وصل إلى النقطة المهمة، وقال: "من المهم أن يتم توضيح هذا لكلّ الضباط الكبار في الجيش الذين يعملون على هذه الجبهة، وذلك لأخذه بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات التي تؤثر في العمليات على هذه الجبهة".

وبكلمات أُخرى: على الرغم من كل الجهود المبذولة - فإن التغطية الاستخباراتية التي تعتمد عليها منظومة الأمن برمتها، في وضع سيئ جداً، ولا يجب أن نتوقع تحسُّنه فوراً، هذا إذا تحسّن. إن عدم نجاح شعبة الاستخبارات العسكرية في تحسين هذا الوضع - أي الخطر الكامن والواضح والفوري من أن "الأداة السرية" لم تستطع توجيه التحذير الاستخباراتي اللازم إلى القوات، كان يجب أن يكون هذا التحذير مطروحاً على الضباط في الجيش وقيادة الجبهة عندما يريدون تقييم المخاطر. وبشكل أدق: كان يجب استبدال التحذير الذي لن يأتي بسبب الخلل، بوجود قوات بحجم كبير على الجدار.

يوم 3 أيلول/ سبتمبر، قبل هجوم "حماس" بشهر و4 أيام، تم طرح هذه القضية المهمة مرة أُخرى في صلب نقاش في نقاشات منتدى رفيع المستوى ومطّلع، في مقر قائد قيادة المنطقة الجنوبية، الجنرال يارون فينكلمان، تحت عنوان "زيادة الجاهزية للمعركة". هذه المرة، لم يقتصر الحضور على مندوبين من قيادة المنطقة فقط، بل أيضاً حضرت مجموعة كبيرة، بينها مندوبون من سلاح الجو، ومسؤول المنطقة الجنوبية في "الشاباك"، ورئيس قسم العمليات فيه، ورئيس المنطقة الجنوبية في شعبة العمليات في الجيش، وغيرهم. كان هدف النقاش، بحسب تلخيصه يوم 14 أيلول/سبتمبر في ورقة تم توزيعها على الجيش ومنظومة الأمن، "التنسيق بين الأجهزة المختلفة ورسم المبادىء التوجيهية لزيادة جاهزية الأجهزة للمعركة".

رئيس المنطقة الجنوبية في الشاباك قال في النقاش إن "حماس ستبادر إلى هجوم استباقي، إذا شعرت بأن هذا يخدمها". بما معناه، أنه يأخذ بعين الاعتبار فكرة أن تحاول "حماس" فتح معركة بشكل مفاجئ. وكان أحد الجهود المركزية التي فكر فيها أن مجتمع الاستخبارات يجب أن يحصل على "تحذير، حتى من دون الأداة السرية". وبكلمات أُخرى: كان يجب على المجتمع الاستخباراتي بذل جهود قصوى لإيجاد الطرق الأُخرى التي يمكن أن تحضر له التحذير اللازم، وألّا يعتمد على "الأداة السرية".

شدد فينكلمان في تلخيصه على "الفجوات الجدية الموجودة"، بما معناه الفجوة بين المكان الذي يجب أن يكون فيه الجيش ومجتمع الاستخبارات، وأين هما اليوم: "إن جودة التغطية الاستخباراتية تتضاءل من دون توقُّع تحسينها في الوقت القريب". أمّا على الصعيد العملياتي، فتطرّق فينكلمان إلى الفجوة في القوات لدى الجيش، وقال إن "المنافسة في مجال التعلم مع العدو دفعت إلى زيادة الجاهزية والحساسية ورفع مستوى التأهب لديه، لدرجة تفرض تحديات على الخطط الهجومية الحالية المتوفرة بشأن قطاع غزة، والتي تعتمد على الهجمات الروتينية، وتجعل بعض هذه الخطط غير صالح". بما معناه: في مقابل الاستخبارات التي تتراجع، يشير فينكلمان إلى أن العدو - "حماس" - يزيد في جاهزيته لمهاجمة إسرائيل.

وقال مصدر استخباراتي كبير إن "هذا يحدث أحياناً". وبحسبه، "حتى الاستخبارات الإسرائيلية المذهلة، ليس لديها القدرة على الوصول إلى المعلومات أحياناً. لا شك في أن شعبة الاستخبارات ووحداتها الخاصة والوحدة 8200، إلى جانب الشاباك، كان يجب عليهم القيام بما هو أكثر من ذلك لتحسين التغطية الاستخباراتية في القطاع. فهُم المسؤولون عن عدم التغطية الكافية يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي الأعوام العشرة التي سبقته، والمسؤولية ستقع على عاتقهم إلى الأبد".

ويضيف أن "السؤال الأكثر دراماتيكية الذي يطرح نفسه من خلال الوثائق التي اطّلعنا عليها في التحقيق، ومن خلال هاتين الجلستين، هو سؤال فجّ ومحبط أيضاً: ما الذي قام به الجيش عندما عرف خلال هذه الجلسات أن الوضع سيئ فعلياً، وأن الأداة السرية لا تعمل، وأن احتمال الحصول على تحذير مسبق سيكون ضئيلاً جداً؟ وليس السؤال عن واجب مجتمع الاستخبارات بشأن القيام بجهد أكبر للوصول إلى المعلومات، وخصوصاً أن الأداة السرية كانت تعمل أحياناً، وفي أغلبية الوقت لم تساعد".

وبحسبه، فإن "شعبة الاستخبارات والشاباك قاما بفعل أمر بعيد عن الثقافة الإسرائيلية - لقد اعترفا بأن لديهما مصاعب في التنفيذ، ومرّرا هذه المعلومات إلى الرتب الأعلى، وأيضاً إلى الأطراف. وماذا حدث؟ لا يُعقل ألّا يتخذ الضباط الكبار في سلاحَي البر والجو، وقيادة المنطقة الجنوبية، وفرقة غزة، أيّ خطوة. كان يجب تعويض النقص بالمعلومات الاستخباراتية، بزيادة الدبابات في المواقع، وزيادة عديد الجنود على السياج الحدودي، وزيادة الطائرات والمسيّرات ووضعها في حالة جاهزية عالية، للاستجابة في حال قررت حماس مفاجأتنا. لا يوجد هنا احتمال آخر".

التحقيقات ستُعرض، والإشكاليات أكبر كثيراً

مساء يوم الخميس، رفع الجيش الرقابة عن الأمور الأساسية في التحقيقات بشأن كارثة وإخفاق 7 أكتوبر، وعُرضت هذه التحقيقات الكاملة خلال الأسبوعين الماضيَين، بعضها يُعرض للمرة الثانية والثالثة أمام رئيس هيئة الأركان الذي لخّصها أمام آلاف الضباط والجنود في الاحتياط والجيش النظامي. إن غياب قسم من الجنرالات من الاحتياطيين يشير إلى العاصفة المقبلة. في يوم الإثنين الماضي، عُقد مؤتمر لكل القيادة العليا، وتم أيضاً عرض التحقيقات التي قررت قيادات الجيش عرضها، والتقت قيادة الجيش رؤساء البلدات من أجل مشاركتهم في الأمور الأساسية في التحقيقات بشأن الأمور المفزعة التي مروا بها في بلداتهم. وفي الأمس، وأول أمس أيضاً، قدم المتحدثون باسم الجيش إحاطة لبعض المجموعات الإعلامية بشأن هذه التحقيقات.

هذه المنظومة برمتها، من رئيس هيئة الأركان، وصولاً إلى الجنود الصغار، تحاول إقناع السامعين جميعاً، بدءاً من مساء الخميس، بشكل مباشر أوغير مباشر، بأن الجيش أجرى فعلاً "مساراً مستمراً ومعمّقاً من التحقيق، الهدف منه الوصول إلى الحقيقة من أجل التعلم والتصحيح".

إلّا إن هذا المسار كان يتضمن عيوباً كثيرة، ومَن يتحمل المسؤولية، أولاً وأخيراً، المستوى السياسي، رئيس الحكومة والحكومة اللذان كانا مستعدَّين، المرة تلو الأُخرى، لتحمّل المسؤولية باسم الجيش. لكن جوهر هذه الإشكالية في التحقيقات هو عبارة عن سلسلة من الخطوات الخاطئة وفهم غير صحيح لحاجات المجتمع الإسرائيلي والجيش، بعد الضربة القاسية التي تلقيناها في 7 أكتوبر، وكذلك الفجوات الكبيرة بين ما يجب أن يكون عليه التحقيق الموضوعي والصادق الذي يجب أن يصل إلى استنتاجات صحيحة، لكي يستفيد منها الجيش ومجتمع الاستخبارات- وبين مجموعة من التحقيقات التي أُجريت فعلاً، وما يغيب عنها أكثر مما يوجد فيها، وبذلت جهدها لإزالة المسؤولية والتهمة عن أغلبية الضباط الكبار في الجيش، ومن أجل ألّا تُوجَّه لهم سوى ملاحظات بسيطة فقط، وكأن الكارثة الأكبر في تاريخ أجهزة الأمن لم تحدث خلال وجودهم في المنصب.

 لكن هؤلاء الجنرالات الذين أرادوا التصحيح، وعرفوا كيف يتحملون المسؤولية الكبيرة الملقاة  على أكتافهم، حققوا إنجازات كان يمكن أن تكون أفضل: لقد وُضع هدفان للحرب، على الرغم من أن كلّ طفل يعرف أنه لا يمكن تحقيق الهدفين، ومَن أراد تحقيق الهدفين، لن يحقق أيّ هدف من الأهداف، فضلاً عن أن قضية التحقيقات استغرقت وقتاً طويلاً، وابتعدت عن أهدافها، في الوقت الذي يتبنى كثيرون النهج نفسه الذي يتّبعه المسؤولون الكبار في هذه الحكومة، والذي تعلموه ممّن هم أكبر سناً، الشكر على المعاملة الحارة واللطيفة، وتحميل المسؤولية لشخص آخر.

التحقيقات لن تكون النور المطهّر

في الأمس، نشر زميلي يوسي يهوشواع سبقاً مذهلاً- قائد الوحدة 8200، الجنرال يوسي شارئيل، صعد إلى المنصة خلال مؤتمر القيادة العليا، بعد عرض التحقيقات، وبعد أن اعترف بالمسؤولية وبالذنب بكلمات صعبة، وانتقد بكلمات حادة هجوم ضباط كبار في الجيش، ومن ضمنهم رئيس هيئة الأركان، على شعبة الاستخبارات وتحميلها كامل المسؤولية، من دون أن يتحملوا، هم أنفسهم، المسؤولية ذاتها.

شارئيل الذي استقال من منصبه بعد الكارثة ونهاية القتال أمام حزب الله وإيران، حيث قامت الفرقة بدور مركزي، تركت أقواله أثراً في أروقة هيئة الأركان. فقال أربعة ضباط كبار على الأقل في حديث مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن شارئيل مُحق. وهذا يطرح السؤال: لماذا لا يعبّرون عن هذا علناً؟ وهل هذا الصمت هو جزء من المرض الذي تحدث عنه شارئيل؟

إن خلاصة التحقيقات التي سينشرها الجيش ستؤكد جزءاً من هذه الادعاءات على الأقل. إذا عدنا إلى المثال الذي يبدأ به المقال، فإن مجتمع الاستخبارات سيُتهم، وبحق، بأنه لم ينجح في الوصول إلى المعلومات بشكل دائم وحقيقي. وهذا على الرغم من أن الاستخبارات رفعت العلم الأسود فوق الجبهة، قبل أشهر من الهجوم، وقالت إن الأداة السرية لا تعمل، ولن يكون هناك تحذير، ومع ذلك، لم يتم تغيير التجهيزات، تحضيراً لإمكان هجوم "حماس".

هذه التحقيقات لن تصمد وقتاً طويلاً كجدار من الحقيقة، وبصفتها فحصاً ثاقباً وضوءاً يطهّر من الخطيئة. هناك أجزاء في هذه التحقيقات جيدة، لكن الضرر لحِق بثقة الجمهور، ولحِق أيضاً بالثقة بالجيش، والجمهور الذي لا يعرف التفاصيل، سيتعامل مع الجميع على أنهم جزء واحد، وسيكون الجيش حلقة ضعيفة خاضعة للتلاعب وآلة لبث السموم المختلفة.

من المؤكد أن رئيس هيئة الأركان الجديد الجنرال إيال زمير يستطيع استعمال بنك المعلومات الكبير والمفصل والجهد العظيم الذي بُذل لتجهيز التحقيقات كأساس، لكن إذا أراد إجراء تغييرات حقيقية، وإذا أراد أن يصدق الجمهور والجنود والضباط أنه يُجري التغييرات الحقيقية، فلا يمكنه الاكتفاء بهذه التحقيقات، وسيتوجب عليه بناء هيئة أركان عامة جديدة، وبث رسالة للجميع، مفادها أن الأمور ستتغير.

وسيكون عليه أيضاً تعيين ضابط كبير لديه خبرة كبيرة وجدّي جداً لفتح التحقيقات من جديد، أو جزء منها، للتأكد من أن الأخطاء لن تتكرر في المعارك المقبلة التي نأمل جميعاً ألّا تحدث - لكنها تُلزم أيضاً رؤساء المنظومة الأمنية والاستخبارات وهيئة الأركان والقيادات والفروع، أن عليهم التعامل مع هذه الإمكانية كما لو كانت أمراً واقعاً.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023