المناورة بين المصلحة المحلية والمكان الإقليمية قطر بين الخليج وإسرائيل

معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي (INSS)

المناورة بين المصلحة المحلية والمكان الإقليمية 
قطر بين الخليج وإسرائيل 
كوبي مايكل وجويل غوزنكنزكي 

16-10-2020
ترجمة حضارات


قد تنضم الأمارة الصغيرة والثرية تدريجياً إلى عملية التطبيع، وحينها- وبصورة سخيفة إلى حد ما - ستجد إسرائيل نفسها متورطة في صراع القوى الخليجي.

إن عملية التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين ليست منفصلة عن الصراع بينها وبين قطر. دفنت بذور الأزمة بين قطر و "الرباعية العربية" - السعودية ومصر والبحرين والإمارات - مع تولي حمد الخليفة السلطة في قطر عام 1995 من والده، وتأسيسه لشبكة الجزيرة، الناطقة بلسان سياسة قطر المستقلة.

سعت قطر إلى موازنة مخاوف المواجهة مع إيران مع الرغبة في الحد من الهيمنة السعودية في مجلس التعاون الخليجي، ومنذ ذلك الحين ترددت أنباء عن محاولات سعودية لإحداث انقلاب في قطر. حتى أن السعوديين يظهرون بشكل علني معارضة للأمير الحالي، وهو الشيخ تميم. اتهم وزير الخارجية القطري في يونيو الماضي "دول الحصار" بمحاولة إحداث انقلاب في بلاده. وأشار إلى قيادة دول الحصار حملة تضليل على موقع تويتر شهر قبل ذلك، حيث تم الاشاعة عن محاولة انقلاب في البيت الملكي القطري. في الاتفاقيات الإبراهيمية، وبعيداً عن رغبة الإمارات في تحسين صورتها في الكونجرس الأمريكي والوصول إلى أسلحة أمريكية متطورة، تسعى أبوظبي جاهدة لكسب الحظوة لدى الإدارة الأمريكية في الصراع بينها وبين قطر وتعزيز مكانتها ونفوذها على الساحة الإقليمية والدولية.

يفتح تعزيز العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل الباب أمام الإمارات لزيادة نفوذها في الأراضي الفلسطينية على حساب قطر، وإن لم يكن في المدى القريب. يُذكر أن الإمارات، مقارنة بقطر، تفتقر حاليًا إلى روافع النفوذ في الساحة الفلسطينية لأنها ترى في حماس التابعة لجماعة الإخوان المسلمين عدواً لها. بالإضافة إلى ذلك، هناك خلاف بينها وبين قيادة السلطة الفلسطينية، ويرجع ذلك أساسًا إلى دعمها لمحمد دحلان، الذي يتنافس مع محمود عباس على قيادة السلطة الفلسطينية.

على هذه الخلفية أيضًا، شن الإعلام في قطر حملة منظمة ضد اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، وأدانتها بشدة، بل وهاجمت الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، بتهمة إهمال الفلسطينيين. ومع ذلك، فقد تركت قطر الرسمية لنفسها مجالاً للمناورة ولم تتحدث علنًا ضد عملية التطبيع نفسها، بل وأعربت مؤخرًا عن دعمها العلني لخطة السلام الأمريكية. وفي الوقت نفسه، أعلنت أنها لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل حتى يتم التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، وأنها تدعم المبادرة العربية كأساس لحل النزاع.

ايضاً على الساحة الفلسطينية

بالنسبة لإسرائيل، تعد قطر قناة لنقل الرسائل بين إسرائيل وحماس ونقل المساعدات الإنسانية اللازمة إلى قطاع غزة، ما يحد من مخاطر اندلاع جولة أخرى من المواجهات في هذه الساحة. لذلك فإن لإسرائيل مصلحة واضحة في استمرار هذه المساعدة رغم التوترات بينها وبين قطر وبين قطر وجيرانها الخليجيين. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن زوال التوترات بين الدول الخليجية، سيعطي الإدارة الأمريكية وشخصياً للرئيس دونالد ترامب إنجازاً بمعنى إدراك المصلحة الواضحة في إقامة تحالف خليجي قوي ضد إيران - وبالتعاون مع إسرائيل.

إن التوصل إلى تسوية مزدوجة بين "الرباعية العربية" وقطر وبين قطر وإسرائيل ليس بالمهمة السهلة على الإطلاق. هذا بسبب التوتر، ناهيك عن سنوات من العداء، بين الدوحة وأبو ظبي والرياض. وبالتالي، حتى لو توصلت الدول إلى حل وسط، فقد يكون مؤقتًا وعلى الورق. هناك عقبة أخرى تتعلق بالعداء الشخصي بين القادة والحاجة إلى إقناع الدوحة بالتنحي عن شجرة الدعم الفلسطينية التي تسلقتها مؤخرًا مرة أخرى. ليس من المؤكد على الإطلاق أن التوصل الى تسوية بينها وبين جيرانها سيقودها إلى التخلي عن التأثير الكبير الذي تكتسبه، ليس فقط في مواجهة حماس ولكن أيضًا تجاه السلطة الفلسطينية.

إن تدخل قطر في الساحة الفلسطينية أداة مهمة في صندوق أدواتها لترسيخ مكانتها كلاعب إقليمي مؤثر وحيوي. قطر، الإمارة الصغيرة والغنية التي تشعر بأنها مهددة من قبل جيرانها، وعلى الأخص المملكة العربية السعودية، ترى في مكانتها الإقليمية كوثيقة تأمين لوجودها في المنطقة. إن ترسيخ مكانتها الإقليمية يسمح لها بأن يُنظر إليها على أنها حيوية ومهمة في أعين اللاعبين الإقليميين المهمين مثل إسرائيل، والأهم من ذلك - الحفاظ على القرب الضروري من الولايات المتحدة.

تؤدي جهود قطر في ترسيخ مكانتها الإقليمية إلى تفاقم التوترات والمنافسة الاستراتيجية بينها وبين السعودية والإمارات. في الواقع، إلى جانب جهودها على الساحة الفلسطينية، تحرص قطر على تنمية علاقاتها مع تركيا وإيران، والعمل في الواقع في جميع الملاعب أو المعسكرات وتنويع روافع نفوذها. في الوقت نفسه، تتفهم قطر ضرورة العلاقات مع الولايات المتحدة وأهمية دعمها، لا سيما في مواجهة المقاطعة الإقليمية التي تجد نفسها فيها. حتى لو كانت قادرة على التعامل مع قيود المقاطعة من خلال المساعدات الإيرانية والتركية، فمن المهم بالنسبة لها أن تزيل المقاطعة عنها وتعود إلى حضن مجلس التعاون الخليجي.

حتى لو اتضح أن الولايات المتحدة نجحت في إقناع أبو ظبي والرياض برفع المقاطعة عن قطر وضمان انضمامها إلى المعاهدة الإبراهيمية وتطبيع العلاقات لاحقًا مع إسرائيل، فمن المرجح أن تستمر التوترات بين قطر والإمارات العربية المتحدة، التي وقعت بالفعل اتفاقية التطبيع مع إسرائيل. يمكن لمثل هذا الوضع أن يضع إسرائيل أمام تحدٍ معقد فيما يتعلق بالطريقة التي تتعامل بها مع كلا الأمرين. التعقيد سيكون واضحا بشكل خاص في الساحة الفلسطينية.

المصلحة في تحسين العلاقات

لإسرائيل مصلحة واضحة في تحسين العلاقات وحل الخلاف بين دول الخليج، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن ذلك سيضع إسفينًا بين تركيا وقطر - مما قد يؤدي إلى تفكيك محور الإخوان المسلمين فعليًا. سيؤدي ذلك أيضًا إلى إبعاد تركيا عن الساحة الخليجية، وإلحاق الضرر بوضع أنقرة الإقليمي، وتقليص المساعدات الاقتصادية المتدفقة من قطر إلى تركيا والإخوان المسلمين. عندما تختار قطر تحالفًا مع تركيا، ينبغي أن تكون المصلحة الإسرائيلية تقليص دورها ونفوذها في الساحة الفلسطينية وتفضيل واضح لتعزيز نفوذ الإمارات. والسؤال المطروح هو ما إذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة لديها ليس فقط الأدوات والنفوذ، ولكن أيضا الرغبة في استثمار موارد كبيرة في قطاع غزة.


يمكن فهم طلب قطر للإدارة الأمريكية بشراء طائرة F-35، كما ورد مؤخرًا، كجزء من المنافسة بينها وبين الإمارات العربية المتحدة، وكذلك إشارة إلى الإدارة الامريكية حول استعدادها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا يأتي بترتيب معاكس مع الإمارات العربية المتحدة. الرد الأمريكي على الطلب سيزيد من تآكل التفوق العسكري النوعي لإسرائيل ويسرع سباق التسلح الإقليمي. كما يجب على إسرائيل أن تنسق المواقف مع الإدارة الامريكية في هذا السياق أيضًا، ان معارضة بيع الطائرة لقطر سيضر بفرص التطبيع معها. وبقدر ما يتعلق الأمر بالإدارة الامريكية، سيتعين عليها أن تأخذ بعين الاعتبار أنه بصرف النظر عن الإضرار بالتفوق العسكري الإسرائيلي، فإن بيع الطائرة لقطر، التي تسعى لتعميق التعاون الأمني معها وحتى تعريفها كحليف رئيسي من خارج الناتو، سيضر بالعلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

أما على الساحة الفلسطينية، فإن التأثير الدائم لقطر فيها يعني تقوية محور حماس الراديكالي بقيادة إسماعيل هنية وصلاح العاروري، مع الحفاظ على مكانة تركيا ونفوذها. إن تقوية هنية والعاروري وطموحهما - وهما يتنافسان مع بعضهما البعض على قيادة حماس- لقيادة حماس للسيطرة على الساحة الفلسطينية بأكملها سيزيد من محنة يحيى السنوار في قطاع غزة، الأمر الذي قد يترجم إلى تصعيد متعمد وحملة عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة. بل وربما انهيار حماس وبالتالي خلق فراغ حكومي في المنطقة يتطلب سيطرة إسرائيلية، في غياب خيارات أخرى معقولة.

بسبب ضعف مكانة الإمارات العربية المتحدة في الساحة الفلسطينية، سواء بسبب عدم الشعبية في قطاع غزة، أو بسبب الاشمئزاز والتخوف من قيادة السلطة وفتح في الضفة الغربية، نتيجة دعمها المعلن لخصمها اللدود والمر محمد دحلان، لن تتمكن أبوظبي من أخذ مكان الدوحة في المستقبل المنظور. في مثل هذا الواقع، ستحتاج إسرائيل إلى خدمات الوساطة القطرية وستواصل قطر الاستفادة من ذلك لترسيخ مكانتها الإقليمية.

استمرار اعتماد إسرائيل على قطر وتفضيلها كوسيط في الساحة الفلسطينية إلى جانب استمرار النزاع والتنافس الاستراتيجي بين قطر والإمارات، حتى في ظل ظروف رفع المقاطعة الخليجية عنها، سيضع إسرائيل في مواجهة مع الإمارات العربية المتحدة. قد تجد إسرائيل نفسها، كرهاً وبسبب ظروف الساحة الفلسطينية، في صراع بين البلدين، مما قد يضر بالعلاقات مع كليهما.

المخرج من هذه المتاهة هي خطوة إسرائيلية، بدعم إقليمي وأمريكي، ستؤدي إلى استئناف المفاوضات والعلاقات الثنائية مع السلطة الفلسطينية من جهة، وإحراز تقدم كبير في تحقيق التسوية مع حماس في قطاع غزة من جهة أخرى. بما يبطل جهود الوساطة القطرية. علاوة على ذلك، فإن التخلي عن جهود الوساطة القطرية أو تقليصها بشكل كبير سيضعف المحور الراديكالي في حماس، ويسمح بتأسيس أجندة السنوار اليومية في قطاع غزة ودفع تركيا للخروج من الساحة. ومن غير المستبعد أن يؤدي تقليص نفوذ قطر في الضفة الغربية إلى إضعاف جبريل الرجوب ومعسكره، مما سيساعد على توازن المعسكرات والتنافسات في صفوف فتح ويساعد على إبرام اتفاقيات بشأن تأسيس قيادة فلسطينية في اليوم التالي لأبو مازن.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023