إسرائيل – الولايات المتحدة: من “علاقات خاصة” إلى مجرد “علاقات”؟

شمعون شتاين

معهد دراسات الأمن القومي (INSS)

تشهد الساحة الأميركية الداخلية، والساحات الإقليمية والدولية، تحوّلات دراماتيكية في هذه الأيام. فهل ستبقى العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة بمنأى عن هذه التقلّبات وتداعياتها؟ وهل ستظل “كما كانت عليه دائمًا” مع بعض التعديلات الظرفية؟ وهل ستتغلب القيمة الاستراتيجية لإسرائيل على احتمال تحولها إلى عبء على الولايات المتحدة؟ في الإجابة على هذه الأسئلة، فإن التآكل الملحوظ في ركائز “العلاقات الخاصة” – الأُطر القيمية والمصالح المشتركة، إلى جانب التصدّعات المتزايدة في الجسر الذي يربط الجالية اليهودية الأميركية بإسرائيل – لا يُبشّر بالخير.

في إسرائيل، يسود افتراض مفاده أن العلاقات مع الولايات المتحدة ستظل كما كانت عليه دائمًا. خلافًا لمقولة رئيس وزراء بريطانيا في القرن التاسع عشر، اللورد بالمرستون، بأن “بريطانيا لا تملك أعداء دائمين ولا أصدقاء دائمين، بل مصالح دائمة تتغير بتغير الظروف”، فإن النمط السائد في تفكير القيادة الإسرائيلية، على مر الأجيال، ومعظم الجمهور، هو نمط مختلف – لا سيما فيما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة. إذ يُفترض أن المتغيّرات الجيوسياسية أو التحوّلات السياسية الداخلية لن تؤثر على طبيعة العلاقة بين الدولتين، ما يسمح لإسرائيل بأن تواصل تحدّي واشنطن أو حتى المساس بمصالحها في الشرق الأوسط دون أن تتغير في المقابل “الدعم المبدئي” الأميركي لها. وعلى مدى سنوات طويلة، بدت هذه الفرضية قابلة للصمود.

لكن، هل تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها مستقبلاً إذا جاءت تلك الأهداف على حساب الأولويات الاستراتيجية للإدارة الأميركية؟ وهل يمكن أن تستمر العلاقة دون أن يتآكل الأساس الذي بُنيت عليه؟

في محاولة للإجابة، يمكن الاستعانة بمقولة للكاتب الأميركي إرنست همنغواي:

“كيف أفلست؟ بطريقتين: تدريجيًا، ثم فجأة.”

وراء هذه العبارة تكمن الفكرة بأن هناك عمليات تتحرك ببطء على مدى الزمن، يمكن ملاحظتها أو تجاهلها، ولكنها تنتهي في لحظة واحدة بمشهد صادم، وحينها فقط تُطرح الأسئلة: كيف حدث؟ وهل كان بالإمكان منعه؟

ينطبق هذا على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وقد ينطبق أيضًا على العلاقات الإسرائيلية-الأميركية إذا واصل التآكل التراكم بهدوء.

الركائز الثلاث للعلاقات الخاصة:

1. الركيزة القيمية – الأُطر الأخلاقية والمشتركات الأيديولوجية

منذ دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، برّرت تحركاتها الدولية برسالة أخلاقية – “جعل العالم آمنًا للديمقراطية” بحسب تعبير الرئيس وودرو ويلسون. بعد الحرب العالمية الثانية، ثم بعد الحرب الباردة، أصبحت واشنطن قائدة للنظام الليبرالي العالمي، مستندة إلى مبادئ الديمقراطية، سيادة القانون، وحقوق الإنسان.

إسرائيل، من جهتها، رُسمت كدولة تشترك مع الولايات المتحدة في هذه الأُطر القيمية، الأمر الذي عزز الرغبة الأميركية في دعمها.

لكن في عهد ترامب، لا سيما في ولايته الثانية، برز تحوّل في هذه المنظومة:

• التخلي عن النظام الليبرالي.

• التشكيك في جدوى التحالفات الدولية.

• أولوية لـ”أميركا أولًا” (بل “ترامب أولًا”).

• تآكل داخلي في النظام الديمقراطي لصالح الشعبوية السلطوية.



بموازاة ذلك، في إسرائيل أيضًا، ظهرت تحولات تهدد البنية الديمقراطية، ما أدى إلى تآكل في أحد الأعمدة الأساسية للعلاقة بين الدولتين.

يُضاف إلى ذلك تراجع الدعم لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي الأميركي، وتحوّل “دعم إسرائيل” إلى قضية خلافية بعدما كانت محل إجماع، نتيجة سياسات إسرائيلية تميل بوضوح نحو الحزب الجمهوري.

2. الركيزة الاستراتيجية – المصالح المشتركة

خلال الحرب الباردة، شكّلت إسرائيل حليفًا طبيعيًا للولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفييتي، وخصوصًا عبر التصدي لمحاولات توسيع النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط. بعد انتهاء الحرب الباردة، برز تهديد جديد مشترك: الإرهاب الإقليمي والدولي، واستمرت إسرائيل في تقديم نفسها كشريك أساسي للولايات المتحدة في هذا المجال.

لكن في السنوات الأخيرة، أصبح واضحًا أن:

• إيران تُعد تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، لكن فقط تهديدًا غير مباشر للمصالح الأميركية.

• واشنطن ترى في إيران خصمًا لسياستها في المنطقة، خصوصًا بسبب دعمها لحماس، حزب الله، والحوثيين، ولكنها لا تعتبرها تهديدًا وجوديًا كما تراها إسرائيل.

• من بين تهديدات إيران الثلاثة (النووي، الصواريخ، التوسع الإقليمي)، يركز الأميركيون على الملف النووي، لأسباب تتعلق بمنع انتشار السلاح النووي عمومًا.

• الغموض في موقف واشنطن من تخصيب اليورانيوم الإيراني، إلى جانب رغبة ترامب في إبرام صفقات اقتصادية وعسكرية بلا اللجوء إلى القوة، يُعد مصدر توتر إضافي مع إسرائيل، التي تسعى لتقويض المشروع النووي الإيراني جذريًا (وإن كانت تدرك أنه لا يمكن القضاء عليه كليًا).



أما القضية الفلسطينية، فقد عادت إلى الواجهة على خلفية الحرب المستمرة في غزة، واحتجاز حماس لرهائن إسرائيليين، وهو ما يُعيق تنفيذ خطط ترامب لتشكيل تحالفات جديدة في الشرق الأوسط، ترتكز على تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

غير أن إسرائيل ترفض دفع ثمن سياسي، مثل الاعتراف بحل الدولتين، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع أولويات الإدارة الأميركية. وقد أعلن ترامب، خلال زيارته للسعودية في مايو 2025، عن تجميد هذا المسار مؤقتًا، وربما تخفيض أولوية إسرائيل لصالح السعودية، التي باتت محور خططه في المنطقة. هذا التغيير قد يؤشر إلى بداية تراجع مكانة إسرائيل كشريك مركزي في الاستراتيجية الأميركية، وربما تقليص الدعم العسكري لها في المستقبل.

3. الركيزة المجتمعية – الجالية اليهودية الأميركية

كانت الجالية اليهودية الأميركية تاريخيًا جسرًا يربط بين إسرائيل والولايات المتحدة. لكنها تمر اليوم بحالة تصدّع داخلي:

• إسرائيل أصبحت موضوعًا خلافيًا داخل الجالية، بعدما كانت رمزًا موحدًا.

• الأغلبية اليهودية لا تزال تصوّت للديمقراطيين، رغم انتقادات الحزب لسياسات إسرائيل.

• الحرب في غزة وارتفاع موجة العداء للسامية بعد 7 أكتوبر وضعت الجالية في موقف دفاعي صعب.

• الأجيال الشابة من اليهود الأميركيين تبتعد تدريجيًا عن إسرائيل، ما يُنذر بتراجع تأثير الجالية كجسر داعم للعلاقة بين الدولتين.



خاتمة: هل نشهد نهاية “العلاقة الخاصة”؟

التحولات الداخلية في الولايات المتحدة، والتغيرات في الشرق الأوسط، والمشهد العالمي المعقّد، تُنذر جميعها بأن مرحلة “العلاقة الخاصة” بين إسرائيل والولايات المتحدة قد تقترب من نهايتها.

تآكل الأُطر القيمية، تضارب المصالح الاستراتيجية، وتفكك الجسر المجتمعي المتمثل في الجالية اليهودية، كل ذلك يُضعف الأساس الذي قامت عليه تلك العلاقة لعقود.

الإجابة على سؤال: “هل ستظل العلاقة كما كانت؟” لم تعد تلقائية.

ومع التآكل في الركائز الثلاث، الجواب – على الأرجح – لا يُبشّر بالخير.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023