اعتراف فرنسا بفلسطين: أبناء بيكو يلتحقون بأبناء سايكس وبلفور

عثمان بلال

باحث ومختص بالشأن الصهيوني

تحوّل رمزي يعمّق عزلة إسرائيل ويعزّز الشرعية الدولية للفلسطينيين

مع إعلان فرنسا مؤخرًا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، تتسارع وتيرة الدول الأوروبية التي اتخذت هذه الخطوة منذ اندلاع الحرب بعد السابع من أكتوبر. هذا الاعتراف يعيد إلى الأذهان إعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات لدولة فلسطين عام 1988 في جنيف، حينما منعت واشنطن دخوله أراضيها خشية أن يعلن الدولة من على منبر الأمم المتحدة.

ما يميّز الاعترافات الأخيرة، بحسب مراقبين، أنها تصدر من قلب أوروبا، التي لطالما شكّلت الحليف الأوثق لإسرائيل لعقود. أوروبا التي منحت "الانتداب" للصهيونية تجد نفسها اليوم أمام واقع سياسي وأخلاقي جديد، ينزاح تدريجيًا عن دعم "الابن المدلل" إسرائيل، نحو مقاربات رمزية قد تتحول إلى مسارات عملية إذا أُحسن استثمارها.

ردود الفعل الإسرائيلية: خشية من العزلة

الخطاب الرسمي والإعلامي الإسرائيلي لم يُخفِ قلقًا متزايدًا من العزلة الدولية. فقد ربطت تحليلات إسرائيلية بين اعتراف فرنسا وبريطانيا وكندا بدولة فلسطين، وبين احتمالية فقدان تل أبيب دعمها أو جزءًا مهمًا منه داخل مجموعة الدول الصناعية السبع (G7). ويرى محللون أن واشنطن قد تجد نفسها في موقف محرج كآخر داعم مركزي لإسرائيل، في وقت يتراجع فيه التأييد بين حلفاء غربيين كبار.

المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه اعتبر أن "تزايد الاعترافات الأوروبية بفلسطين يضعف قوة الردع السياسي لإسرائيل، ويفتح الباب أمام ملاحقات قانونية في محكمة الجنايات الدولية".

تداعيات على الأرض: من الشرعية القانونية إلى حركة المقاطعة

لا يتوقع المراقبون أن تغيّر هذه الاعترافات ميزان القوى العسكري في المدى القريب، لكنها قد تمنح زخماً جديداً لحملات المقاطعة (BDS) وتقييد تصدير السلاح لإسرائيل. كما تتيح للفلسطينيين قاعدة قانونية أقوى للتوجه نحو عضوية كاملة في الأمم المتحدة والانضمام إلى مؤسسات دولية جديدة.

في المقابل، تتخوف إسرائيل من أن يفتح ذلك الباب أمام فرض عقوبات اقتصادية محددة، أو على الأقل تشديد الضغوط السياسية والدبلوماسية.

فلسطين بين المقاومة والسلطة

بالنسبة للفلسطينيين، تمثل الاعترافات الأوروبية تعزيزًا للشرعية الدولية ودعماً سياسياً يمكن للسلطة الفلسطينية توظيفه لتعزيز موقعها كفاعل أساسي على الساحة الدولية. ويرى مراقبون أن هذا قد يفتح الباب لتوسيع برامج دعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت مظلة دولية.

لكن في الداخل الفلسطيني، يُتوقع أن يُستخدم هذا الاعتراف لتعميق الانقسام بين تيار المقاومة، الذي يرى أن هذه الاعترافات ثمرة لصمود غزة ومقاومتها، فالقوى الوازنة في أوروبا لم تتحرك نحو الاعتراف إلا بعد تغيّر الرأي العام الأوروبي مناصرة لغزة، وفعله مقاومة وصمودًا؛ وبين تيار السلطة، الذي يقدّم نفسه كممثل شرعي وحيد قادر على تحويل المواقف الرمزية إلى إنجازات سياسية.

خلاصة المشهد

في المدى القصير، تبقى الاعترافات الأوروبية خطوة رمزية أكثر منها عملية، لكنها بلا شك تفاقم عزلة إسرائيل. أما على المدى المتوسط والبعيد، فإنها قد تشكّل قاعدة قانونية لتحركات أممية وملاحقات دولية، وربما تضييق الخناق على إسرائيل دبلوماسيًا واقتصاديًا.

وكما عبّر أحد النشطاء الفلسطينيين:
"نحن أمام فرصة تاريخية، إذا أحسنا استثمارها يمكن أن نغيّر قواعد اللعبة، ونجعل العالم يتعامل مع فلسطين كدولة تحت الاحتلال، لا مجرد سلطة مقيدة باتفاقيات منتهية الصلاحية."

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025