في قلب أفغانستان، وعلى أطراف العاصمة كابول، تقع قاعدة باغرام الجوية، واحدة من أضخم القواعد العسكرية التي عرفها القرن. بُنيت في الأساس على يد الاتحاد السوفييتي في الثمانينات، لكنها تحوّلت إلى القلعة الأمريكية الكبرى بعد غزو أفغانستان في 2001، لتصبح رمزًا للهيمنة، والتجسس، والقوة الجوية الساحقة...
البداية مع الاتحاد السوفييتي:
حين دخل السوفييت أفغانستان عام 1979، أدركوا أن السيطرة على الأرض دون سماء، لعبة خاسرة. فبدأوا بإنشاء قاعدة جوية ضخمة شمال كابول: قاعدة باغرام.
فقاموا ببناء قاعدة بحجم ومساحة ضخمة حيث تمتد القاعدة على مساحة تقارب 20 كيلومترا مربعا (حوالي 5,000 فدان).
تحتوي على مدرجين للطائرات: المدرج الأحدث طوله 3.5 كم (يسمح بهبوط الطائرات العملاقة مثل B-52 وC-5). ومدرج آخر أصغر استخدم سابقا من السوفييت.
البنية التحتية:
مخازن عملاقة للأسلحة والذخيرة.
منشآت صيانة متطورة للطائرات والمركبات.
مستشفى عسكري ضخم كان يُعد الأكبر في أفغانستان (بسعة مئات الأسرة).
محطات اتصالات واستخبارات ومراكز تحكم في الطائرات المسيّرة.
منشآت سكنية تستوعب أكثر من 20,000 جندي وموظف.
سجون سرية كانت تابعة لـ CIA.
مهابط طائرات مروحية وقواعد انطلاق لعمليات خاصة.
محتوياتها القيمة سابقا (قبل انسحاب أمريكا): مخزون ضخم من الأسلحة والمركبات(تركت بالكامل للأفغان).
طائرات استطلاع ومسيرات.
معدات إلكترونية وتجسس متطورة. أنظمة رادار ودفاع جوي( ترك بعضها وهي معطلة).
مولدات طاقة ضخمة، ومحطات تنقية مياه(تركت هناك).
- شبكات أنفاق وتحصينات تحت الأرض. (لازالت قائمة وبحالة جيدة)
كما استخدمها السوفييت كنقطة ارتكاز للطيران والقـ.ـصف، ومقر لوجستي متقدم.
وظلت القاعدة في قلب المعركة حتى انسحب الروس مهزومين.
لكن القاعدة لم تُدفن مع انسحابهم، بل نامت قليلًا... في انتظار سيد جديد.
فبعد أحداث 11 سبتمبر، حين غـ.ـزت أمريكا أفغانستان، لم يكن هناك خيار أفضل من باغرام. لقد وجد البنتاغون ضالته: قاعدة مبنية، قريبة من كابول، وقابلة للتوسعة.
- أعادت أمريكا بناء القاعدة بالكامل.
- أصبحت تحتوي على مدرجين عملاقين، أحدهما قادر على استقبال القاذفات الثقيلة.
- نُصبت فيها أنظمة اتصالات وتجسس واستخبارات من الأكثر تطورا في العالم.
- تحولت إلى مركز إدارة الحرب، والتحكم في الطائرات المسيرة، وتنسيق عمليات الـCIA.
باغرام.. مقـ.ـبرة الأسرار السوداء:
في سراديب القاعدة، بنَت أمريكا سجونا سرية عُرفت بالوحـ.ـشية، أشدها سجن يطلق عليه "الزنزانة السوداء"، حيث تم تعـ.ـذيب مئات الأسرى دون محاكمة.
باغرام لم تكن فقط قاعدة.. بل كانت غوانتـ.ـنامو الشرق.
لماذا تعتبر القاعدة جوهرة استراتيجية؟
- موقعها يُمكن أمريكا من مراقبة:
- إيران من الغرب.
- باكستان من الجنوب.
- الصين من الشرق.
- روسيا من الشمال.
- باختصار: هي مركز عمليات استخباراتية متقدمة على مفترق طريق قوى العالم.
🛑 الانسحاب الأمريكي: ليلة الهروب الكبير
في يوليو 2021، انسحبت القوات الأمريكية من باغرام في منتصف الليل، دون تنسيق مع الحكومة الأفغانية.
غادرت القاعدة في الظلام، كما يُغادر اللصوص بعد عملية فاشلة.
كانت اللحظة تجسيدا حيا لانكسار الإمبراطورية في وجه صلابة الأرض.
طـ. ـالبـ. ـان دخلت القاعدة بعد ساعات، وأحكمت السيطرة عليها.
لماذا تريد أمريكا العودة؟
اليوم، بعد الانسحاب المخـ.ـزي، يتحدث ترامب عن رغبة أمريكا في استعادة باغرام عبر تفاهمات إقليمية.
- لأن القاعدة ليست مجرد معسكر، بل بوابة السيطرة على آسيا الوسطى.
- لكن طـ. ـالبـ. ـان ترفض بشكل قاطع.
- وما بين الرغبة والرفض.. يشتعل الصراع الخفي من جديد.
ما الذي تحتويه القاعدة حاليا؟
- عشرات المنشآت: مستودعات أسلـ.ـحة، مراكز عمليات، مهابط، مقرات عسكرية.
- بعض التقارير تشير إلى أن معدات تجسس متطورة لم تسحب بالكامل.
- ويعتقد أن جهات اجنبية كالصين الآن تُحاول تحليل محتويات القاعدة ومخلفاتها.
الخلاصة:
قاعدة باغرام ليست مجرد موقع عسكري. إنها:
- رمز للغطرسة الأمريكية حينما كانت تتوهم أن أفغانستان يمكن أن تُحكم بالنار.
- رمز للغدر السوفييتي الذي دفن جنوده تحت ترابها.
- ورقة حرب باردة جديدة، قد تُشعل فتيل التوترات مجددا بين الشرق والغرب.
ولعلها الجملة الأصدق: من يسيطر على باغرام، لا يسيطر على أفغانستان فقط... بل على مفاتيح نصف الكرة الشرقية.