ترامب يعترف بتعقيد العالم ويتجنب الحسم في الأزمات

صحيفة هآرتس

ترجمة حضارات 

 كسانيا سفتلوفا 

اعترف ترامب بأن العالم أعقد مما كان يظن، لكن من المبكر تحديد ما إذا كان هذا الإدراك يمثل وعيًا جديدًا أم مجرد تقلب في المواقف. نسخة سبتمبر 2025 من الرئيس الأميركي تبدو أكثر حذرًا من سابقتها؛ فلم يعد يطلق وعودًا متفائلة بإنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة، لكنه يواصل اتباع سياسة متساهلة تجاه (إسرائيل) ، ما يطيل أمد الحرب في غزة.

في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي استمر 56 دقيقة، خصص ترامب بضع دقائق فقط لغزة وأوكرانيا، مفضلًا التركيز على إنكار أزمة المناخ، وانتقاد الأمم المتحدة، والتفاخر بقدراته الدبلوماسية التي – حسب قوله – مكنته من إنهاء سبع حروب، باستثناء الحربين الأهم حاليًا: أوكرانيا وغزة.

وبندرة، أقر ترامب بأن إحلال السلام في أوكرانيا أصعب بكثير مما توقع، إذ كان يظن أن علاقته الجيدة مع بوتين ستتيح تقدمًا سريعًا، لكنه أدرك أن بوتين يسعى إلى "نصر مطلق" لا إلى تسوية. ورغم ذلك، أوضح أنه لن يفرض في الوقت الراهن رسومًا جديدة على الصين والهند، اللتين وصفهما بـ"الممولتين الأساسيتين" للحرب الأوكرانية، طالما أن دول الناتو لا توقف شراء الطاقة الروسية. أما وعوده السابقة مثل "إنهاء الحرب خلال 24 ساعة" أو "فرض رسوم قاسية خلال 50 يومًا"، فقد تبخرت.

وبشأن غزة، لم يطرح ترامب أي رؤية لليوم التالي. اكتفى بتكرار دعوته لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى، دون أن ينتقد التهديدات الإسرائيلية بالضم الجزئي أو الكامل، ولم يتطرق إلى خطة إعادة إعمار غزة التي يعمل عليها توني بلير بطلب من البيت الأبيض. وقبيل خطابه، اجتمع ترامب مع قادة عرب ومسلمين أيدوا خطة سعودية–فرنسية لإحياء حل الدولتين، لكنه لم يقدم لهم أي التزام واضح.

في الوقت الراهن، يكتفي ترامب بدور المتفرج؛ يبيع السلاح للأوروبيين كي يُرسل إلى أوكرانيا، دون ممارسة ضغط جاد على روسيا. الأوكرانيون مرتاحون لهذا الموقف، لكن الأوروبيين يتذمرون من أن إحجامه عن اتخاذ خطوات صارمة يمنح روسيا جرأة أكبر، مع استمرار الطائرات المسيّرة والهجمات الإلكترونية الروسية على حدود الناتو وأوروبا.

في المقابل، وُجهت لترامب اتهامات فلسطينية بأنه أعطى ضوءًا أخضر لنتنياهو للشروع في الضم الرسمي للضفة الغربية، والدليل إغلاق جسر الملك حسين (أللنبي). الحرب في غزة مستمرة يوميًا، مع سقوط قتلى ونزوح واسع.

سياسة ترامب المترددة، التي تلمّح للعرب بأنه يعارض الضم دون أن يصرّح بذلك علنًا في الأمم المتحدة، تهدد أيضًا علاقات (إسرائيل)مع مصر، خصوصًا في ظل اتهامات نتنياهو للقاهرة بخرق اتفاقية كامب ديفيد. ورغم الفارق بين ترامب وبايدن، فإن كليهما اتبع سياسة متساهلة تجاه (إسرائيل) أطالت أمد الحرب.

ويبقى السؤال: هل سيضطر ترامب في النهاية إلى الاختيار بين قرارات صعبة قد تعاكس منطقه السياسي، وبين الاستمرار في السياسة الحالية التي تعني المزيد من الوضع القائم؟ حتى الآن، يبدو أنه يسعى أكثر لنيل جائزة نوبل للسلام، وأقل لاتخاذ قرارات قد تُغضب نتنياهو أو بوتين. وكما هو معتاد مع ترامب، كل شيء يمكن أن ينقلب فجأة إذا قرر أن يضع مصالح بلاده، وإسرائيل، والمنطقة في المقدمة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025