صراع الحضارات، نسخة ترامب

يديعوت

ترجمة حضارات 

داني فإن

يوجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشارة تحذيرية صارخة إلى زعماء أوروبا، التي يرى أنها ترتكب انتحارًا ثقافيًا: العودة إلى المسار الصحيح، وإيقاف موجات الهجرة – وإلا ستتجه بلدانكم نحو الدمار.

في كتابه "صراع الحضارات" الصادر عام 1996، قسّم البروفيسور صموئيل هنتنغتون عالم ما بعد الحرب الباردة إلى ثماني حضارات رئيسية، محددًا خصائص كل منها على أساس التاريخ واللغة والثقافة والتقاليد، وخاصة الدين. ورأى أن خطوط الصدع بين الثقافات المختلفة هي مصدر الصراعات في العالم، وأن الدين عامل مؤثر، وسبب لصراعات عنيفة، وأحيانًا مستعصية على الحل.

في الأسبوع الماضي، أشار ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى ما وصفه بـ"حرب الحضارات" الدائرة في أوروبا، منتقدًا ما اعتبره تقاعسًا من بعض الدول الأوروبية في الدفاع عن ثقافتها.

على مدى العقود الأخيرة، شهدت أوروبا عمليات متراكمة أضعفت الدول القومية وفككت تدريجيًا أسس المجتمعات الأوروبية. أولها سياسي ودبلوماسي، إذ أخضعت الدول الأوروبية نفسها طوعًا لقواعد ولوائح وضعها تكنوقراط الاتحاد الأوروبي في بروكسل، دون انتخاب شعبي مباشر. ثانيها موجات الهجرة الضخمة، ومعظمها من الدول العربية وشمال إفريقيا. ثالثها ثقافي واجتماعي، حيث تأثرت الأحزاب اليسارية الحاكمة بالتيار التقدمي، مفضّلة أجندة التعددية الثقافية والتنوع على حساب الحفاظ على الثقافة الوطنية، متجاهلة التيارات المعارضة لهذه السياسات.

لا يهتم معظم المهاجرين المسلمين بالاندماج، بل يسعون إلى فرض ثقافتهم. وقد بلغ الانفصال عن رموز الهوية الوطنية والدينية حدًا دفع بريطانيا مؤخرًا إلى إنزال أعلام المملكة المتحدة من الشوارع، حرصًا على عدم جرح مشاعر من لا يتماهون معها.

هذا الجمع بين العناصر الثلاثة – السياسي، والهجرة، والثقافي – يُعدّ مدمرًا للدول الأوروبية، وقد أشار ترامب إلى ذلك بوضوح. فمعظم المهاجرين المسلمين لا يسعون للاندماج، بل لفرض ثقافتهم، ما أدى إلى تآكل الرموز الوطنية والدينية.

الموت الغريب لأوروبا

هذه العملية، التي نضجت تدريجيًا على مدى عقود، وصفها الكاتب دوغلاس موراي في كتابه "الموت الغريب لأوروبا" بأنها حالة "انتحار ثقافي". لم يكن هنتنغتون، مثل موراي، ليتنبأ بالظاهرة غير المنطقية لانضمام اليسار التقدمي – المفترض أنه ليبرالي – إلى الصوت الإسلامي والحملات المؤيدة للفلسطينيين التي تغمر القارة.

يكمن التفسير في القاسم المشترك بين الثقافتين، رغم اختلافهما الجوهري. بعض المهاجرين المسلمين، الذين يقودون الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل، يسعون، مثل شركائهم التقدميين، إلى تفكيك الثقافة الأوروبية – بعضهم بهدف خلق ثقافة بديلة وفقًا للشريعة الإسلامية، والبعض الآخر بهدف تفكيك المؤسسة وصولًا إلى الفوضى.

ترامب وضع أمام قادة أوروبا تحذيرًا صارخًا: عودوا إلى المسار الصحيح، أوقفوا موجات الهجرة – وإلا ستُدمر بلدانكم.

لكن ترامب لا يعمل في فراغ. ففي بعض الدول الأوروبية، بدأ البندول يتأرجح بالفعل نحو الاتجاه المعاكس. وكما يحدث عادة، فإن انجذابه الحالي إلى الزاوية المتطرفة قد يُحدث رد فعل مضاد يدفعه إلى الطرف الآخر.

لقد سئم السكان المحليون في بعض الدول الأوروبية من تآكل ثقافتهم، وبدأ رد فعلهم بالظهور. ففي بريطانيا، التي انسحبت من الاتحاد الأوروبي، تتوقع استطلاعات الرأي فوز نايجل فاراج، زعيم اليمين، في الانتخابات المقبلة، وقد خرجت الجماهير مؤخرًا إلى شوارع لندن للتظاهر ضد الهجرة غير المنضبطة. وفي هولندا، فاز خيرت فيلدرز، زعيم اليمين المؤيد لإسرائيل، في الانتخابات الأخيرة، لكنه لم يتمكن من تشكيل ائتلاف. وفي فرنسا، التي تعيش أزمة سياسية مستمرة، تتوقع استطلاعات الرأي فوز الأحزاب اليمينية.

على عكس ترامب، لم يستوعب بعض القادة الأوروبيين – مثل رئيس الوزراء البريطاني ستارمر والرئيس الفرنسي ماكرون – اتجاه الرأي العام، ويتشبثون بالقضية الفلسطينية كأداة سياسية لجذب المهاجرين، وكامتداد مباشر لسياساتهم المتساهلة تجاه المنظمات الإرهابية.

لكن شعور الشارع الأوروبي يتغير تدريجيًا. فقد سئم المواطنون الأوروبيون الأصليون من التعددية الثقافية وتفكك ثقافتهم، وبدأوا يشعرون بالاشمئزاز من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين التي تغمر شوارعهم.

قد تؤدي هذه التحولات إلى تغييرات سياسية كبيرة في القارة الأوروبية خلال السنوات المقبلة، مما قد يخفف أيضًا من سياسات بعض الحكومات المعادية لإسرائيل.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025