السياسة الإسرائيلية منقسمة إلى معسكرين رئيسيين، وكلاهما لا يقدّم مسارًا واقعيًا للمستقبل.

 مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط
ترجمة حضارت 

بقلم ناثان ج. براون

للخروج من المأزق الاستراتيجي، يتعيّن على القادة الإسرائيليين أن يأخذوا في الحسبان الحقائق السياسية والدبلوماسية الراهنة، فضلًا عن إدراك حدود ما يمكن للقوة العسكرية أن تحققه.

الطريقة التي قامت بها إسرائيل مؤخرًا بتصفية عدد من خصومها عسكريًا في وقت واحد لا تجد لها مثيلًا حقيقيًا منذ... حسنًا، منذ أن فعلت الأمر ذاته في عام 1967. وهذا وحده بدأ يثير تساؤلات عميقة تُقسِّم الإسرائيليين إلى معسكرات متناحرة، من دون أن يمتلك أي منها إجابات مقنعة.

أجواء الانتصار التي تسود بعض أوساط الطيف السياسي الإسرائيلي تبدو مفهومة، وكذلك الإحساس بالغرق في مستنقع غزة والعزلة الدولية المفروضة. لكن إلى جانب هذه الانفعالات وما يختبئ تحتها، يطفو على السطح نقاش استراتيجي يلفت النظر بضحالته.

فبينما قد يبدو أن أمام الدولة فرصة لإعادة تشكيل الإقليم من حولها، فإن النقاش الحقيقي يدور، في جوهره، حول خيارين غير جاذبين لاستخلاص هزيمة استراتيجية من قلب ما يُوصف بالنصر: إما أن تقرر إسرائيل نشر قوتها العسكرية متى وأينما تشاء—وهي استراتيجية تبدو فعالة إلى أن تنهار فجأة—أو أن تلجأ إلى مسارات سياسية ودبلوماسية قائمة على افتراضات قديمة وغير واقعية بشأن الفلسطينيين والقوى الإقليمية.

الاستراتيجية الأولى: حدود "باكس إسرائيلتيكا"

سلام إسرائيلي مفروض بالقوة (Pax Israelitica) لن يحمل في الواقع كثيرًا من السلام. فدراما الأحداث الأخيرة—قصف الدوحة في سبتمبر، الإشارات الملتبسة بشأن احتلال غزة كاملة من دون إعلان ذلك في أغسطس، المشاهد المروعة الخارجة من القطاع في يوليو، الحرب القصيرة بين إسرائيل وإيران في يونيو، والدبلوماسية الجارية لنقل الفلسطينيين إلى مناطق نزاع بعيدة—لا يجب أن تحجب سلسلة من التطورات "الأصغر" التي وقعت مؤخرًا، لكنها مجتمعة تقدّم صورة أوضح عن الاتجاه الذي يقود إليه التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي المهيمن اليوم.

ففي يوليو مثلًا، شنّت القوات الإسرائيلية هجمات على مواقع عسكرية سورية لحماية منطقة عازلة أعلنتها إسرائيل من جانب واحد. وعلى خلاف تدخلها في السويداء، لم تثر هذه العملية أي انتباه دولي تقريبًا، بل بالكاد لاقت متابعة محلية. غير أن المبرر العلني الذي سُوِّق كان أشبه بخطاب أورويلي من حيث منطقه الملتوي: ففي عام 1967، استولت إسرائيل على المناطق المنزوعة السلاح التي كانت تفصل قواتها عن سوريا، بل واستولت على كامل هضبة الجولان بحجة حماية شمالها. وفي نهاية 2024، سيطرت على المنطقة المنزوعة السلاح التي نشأت بعد حرب 1973 بدعوى حماية الأراضي التي استولت عليها عام 1967؛ ثم في عام 2025، شنّت هجمات جديدة لحماية تلك "المنطقة العازلة" التي لم تعد تعزل شيئًا في الواقع.

هذا التمدد داخل الأراضي السورية، مقترنًا بالإصرار على أن ما يتجاوز "المنطقة العازلة" قد يصبح هدفًا عند الضرورة، لا يوحي إلا بحرب إقليمية بلا نهاية، حيث تبرّر عمليات اليوم الأحادية عمليات أشد وأوسع غدًا.

ومهما بدت صياغة هذا المنطق غريبة، فإنه يقوم على أساس صلب: يُنظر إلى أمن إسرائيل على أنه يتحقق بالتحرك الحاسم، الدائم، والعسكري قبل كل شيء. أما النقاشات السياسية والدبلوماسية—بما فيها محادثات غير مباشرة وأحيانًا مباشرة حول الترتيبات الأمنية بين إسرائيل وسوريا—فلا تتجاوز كونها، في أحسن الأحوال، أدوات لتسوية تفاصيل مؤقتة لما تفرضه الإجراءات الأحادية، وفي أسوأ الأحوال مجرد انحراف عن "الحل الحقيقي" القائم على القوة.

ثمة منطق قوي يحكم هذا النهج: إذ يُنظر إلى أمن إسرائيل على أنه يتحقق على أفضل وجه من خلال التحرك الحاسم، الدائم، والعسكري.

حين بدأت إسرائيل هجومها على غزة قبل عامين، كان ينبغي أن يتضح منذ البداية للمراقبين الحائرين أن التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب وإدارة القطاع لم يكونا ضمن أولوياتها الرسمية؛ فلم يكن الأمر غفلة أو تسويفًا هو ما أدى إلى غياب أي تخطيط لليوم التالي، بل كان إدراكًا بأن إسرائيل منخرطة أصلًا في حرب دائمة على تلك الجبهة، وأن الفلسطينيين لم يعودوا يُنظر إليهم باعتبارهم شعبًا تحكمه مؤسسات وطنية، بل مجرد جماعات محلية تُدار بترتيبات مؤقتة عند الحاجة.

وبحسب هذا المنطق، لم يكن أمام إسرائيل سوى أن تُحوّل قدراتها العسكرية والاستخبارية الهائلة إلى تفوّق استراتيجي دائم. وهكذا غدت "الحرب الدائمة" حربًا إقليمية: تُعرض الآن بشكل متواصل في غزة، لكنها تُخاض أيضًا بشكل متقطع في الضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران.

وعلى الجبهات الفلسطينية، يصعب إنكار النهج الجديد: فمحاولات التعامل مع الفلسطينيين كجماعة وطنية موحّدة وُضعت جانبًا لصالح تفتيت المجتمع الفلسطيني، حتى وإن حاولت الدبلوماسية الدولية غضّ الطرف أحيانًا. فقد استهدفت إسرائيل علنًا، ليس فقط حركة حماس، بل أيضًا السلطة الفلسطينية ومخيمات اللاجئين ووكالات الأمم المتحدة ومسؤوليها، مستخدمة مزيجًا من الأدوات العسكرية والبيروقراطية والدبلوماسية. أما خنق حكومة رام الله ماليًا، فتمّ ضبطه بقدر ما تسمح به الولايات المتحدة.

وتحظى الحملة العسكرية في غزة بأكبر قدر من الاهتمام، لكن هناك إجراءات بيروقراطية "روتينية" لا تقل أثرًا: فقد أُغلقت المؤسسات الفلسطينية المتبقية في القدس، المعزولة منذ زمن عن الضفة، وجرى دفع الطلبة الفلسطينيين هناك بقوة نحو المناهج التعليمية الإسرائيلية. كما طُرحت فكرة إلغاء الاعتراف بالشهادات الجامعية الفلسطينية، وهي خطوة من شأنها ضرب الجامعات التي تعتمد في جزء كبير منها على رسوم الطلبة الفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية. وبطبيعة الحال، فإن معظم المساكن والبنى التحتية في غزة تحوّلت إلى ركام، بينما حُشر السكان في مخيمات ضخمة مؤقتة لفترة غير محددة.

لقد شهدت الجبهة الفلسطينية أطول وأعنف حملة عسكرية منظمة في تاريخ البلاد، لكن النهج الجديد يبرز أيضًا في ساحات إقليمية أخرى. فقد تحقق "قطع رأس" حزب الله في لبنان، والسيطرة على أراضٍ سورية وتدمير بعض ما تبقى من قدراتها العسكرية، إضافة إلى تنفيذ هجوم على إيران طالما لوّحت به إسرائيل لأكثر من عقد.

وهناك دلائل على اجتماع شعور إسرائيلي مفرط بالخطر—فالوطنية الفلسطينية، والنظام السوري الجديد، والنظام الإيراني، وحركة المقاطعة BDS، يُصوَّرون رسميًا وشعبيًا ليس كخصوم أو مشاكل فحسب، بل كتهديدات وجودية—مع إحساس طاغٍ بوجود فرصة سانحة.

ومن خلال أفعالها العسكرية خلال العامين الماضيين، تُقدَّم إسرائيل في نظر التيار المنتشي بانتصاراته على أنها وصلت إلى مرحلة تتيح لها صياغة نظام إقليمي جديد، ربما شبيه بلحظة ما بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا. فدول "اتفاقيات أبراهام" (وربما السعودية) ستُدفع بمصالحها الذاتية إلى أدوار تعاونية، إذ يمكن النظر إليها كشريكة لإسرائيل في المصالح الأمنية والاقتصادية، وإن لم تكن تشاركها حدودًا جغرافية. أما الدول ذات معاهدات السلام القديمة مع إسرائيل والتي تتشارك معها الحدود (بما يستلزم تنسيقًا أمنيًا دائمًا)، فيُراد أن تتقبّل النظام الإقليمي الجديد من خلال شراكة القوة الإسرائيلية مع الثروة الخليجية.

وما يثير الانتباه في هذه الرؤية، أنه على الرغم من طموحها الكبير، فإن استمرارها يبدو معتمدًا على مزيج من الإجراءات العسكرية الأحادية، والتعاون الأميركي (أو على الأقل غضّ الطرف الأميركي)، والتنسيق غير الرسمي مع قلة من الشركاء الإقليميين المتعاطفين. وإذا ما قُدّر أن تُعقد اتفاقيات رسمية، فستكون عبر وساطة أميركية أو من خلال اعتراف دبلوماسي ثنائي.

وهذا واحد من جملة أسباب تجعل هذا النهج محفوفًا بالمخاطر؛ فهو يربط الأمن إلى أجل غير مسمّى بالتفوق العسكري والتكنولوجي النوعي، ويكشف عن اعتماد مفرط على الأحادية والفعل العسكري. ومع ذلك، فإنه في الوقت نفسه يعتمد على توافق أمني إقليمي بين أطراف شديدة التباين. غير أنّ نجاحه الراهن قد أوجد بذاته الظروف التي تقوّضه؛ إذ إنّ إسرائيل وجّهت بالفعل ضربات قاسية إلى التحديات المشتركة من دون حاجة كبيرة إلى تنسيق رسمي مع دول الخليج. ونتيجة لذلك، بات الشركاء الإقليميون المحتملون اليوم يظهرون دلائل قلق من أنّ إسرائيل تبدو أقل كقوة مهيمنة إقليمية وأكثر كدولة مارقة.

وفوق ذلك، فإن خطابها الصاخب الرافض لإقامة دولة فلسطينية، بل والمُلمّح إلى إمكان ترحيل الفلسطينيين إلى دول أخرى، قد نفّر حتى أولئك الشركاء المحتملين الذين ربما كانوا سيرضون بوعود مستقبلية لعملية ما. إن الجمع بين الإسقاط الإقليمي للقوة والطموحات الإقليمية لا يجد أي سند من الأصول الاقتصادية أو الثقافية أو الأيديولوجية التي ساعدت الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد 1945. ونتيجة لذلك، بدأت إسرائيل في أعين الكثيرين في المنطقة تُشبه روسيا وإيران المعاصرتين أكثر من شبهها بأميركا حلف الناتو وخطة مارشال.

وحتى لو نجح هذا النهج—أو طالما استمر نجاحه—فإن له كلفة أخرى. فوجود سكان فلسطينيين في الضفة الغربية بلا قيادة وبلا خيارات سلمية ينطوي على مخاطر، قد لا تصل إلى مستوى التهديد الوجودي لكنها باتت بالفعل ذات أثر مُتآكل داخليًا ودوليًا، والوضع مرشح للتفاقم.

وداخل إسرائيل، شهد العامان الماضيان حالة من إخضاع الفلسطينيين داخلها، لكن هؤلاء قد يكونون الآن بصدد استعادة أصواتهم. أما الوسط واليسار الإسرائيلي، الذي صدّته الرؤية غير الليبرالية لليمين الشعبوي والديني، فقد بدأ منذ صيف 2025 يُبدي بعض مظاهر الضيق من حجم القتل والدمار في غزة.

كما أنّ اغتراب قطاعات واسعة من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة—وهو شعور يتنامى منذ فترة طويلة، لكن حُجب جزئيًا عن الرأي العام منذ أكتوبر 2023 بسبب موجة مواجهة معاداة السامية—بات يأخذ أعماقًا خطيرة، خصوصًا بين الأجيال اليهودية الشابة.

أما على المستوى العالمي، فإن النقاش الدائر—حتى داخل الولايات المتحدة ذاتها وفي مختلف أطيافها السياسية—حول ما إذا كانت أفعال إسرائيل في غزة تُشكّل إبادة جماعية، فهو تطور مُقلق. وحتى أولئك الذين يرفضون هذا الانتشار السريع للمصطلح، يجدون أنفسهم مضطرين إلى دفاع يقوم على الزعم بأن الأرقام بشأن أعداد الضحايا غير موثوقة، وأن التصريحات الرسمية لا تُظهر نية إبادة، مع تجاهل أو تلطيف التعليقات الأكثر صراحة.
الاستراتيجية الثانية: عودة نوستالجية إلى أوسلو ومبادرة السلام العربية بحدها الأدنى

تواجه النزعة الانتصارية التي يقوم عليها التصور الهيمني الإقليمي كثيرًا من المشككين داخل إسرائيل. ليس لأنهم ينكرون الإنجازات العسكرية خلال العامين الماضيين، بل لأنهم يخشون أن تكون هذه الفوائد مؤقتة في غياب إطار داعم، سواء دبلوماسي أو عسكري. وهذه العيوب التي سبق ذكرها ليست غائبة عن أذهان منتقدي القيادة الحالية—وهؤلاء لا يقتصرون على هوامش السياسة الإسرائيلية المتطرفة، بل يشملون الوسط، والمثقفين العموميين، بل وحتى بعض القيادات داخل مؤسسات الدولة. وغالبًا ما يكون المسؤولون الأمنيون المتقاعدون الأكثر صراحة، فيما تتدفق التسريبات من القادة الأمنيين والعسكريين الحاليين بلا توقف. أما من يُصرّون على الحفاظ على الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة، فهم يبحثون عن بديل.

وعندما يطرح هؤلاء أفكارًا بديلة بشكل منهجي، فإنها غالبًا ما تكون أكثر تعقلاً وأقل ميلًا إلى المبالغة، وتشدد على الدبلوماسية والسياسة، وعلى ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين، وعلى الشكوك تجاه التوسعية. وبينما تبقى فظائع السابع من أكتوبر حاضرة بقوة (ويُتعامل غالبًا بخفة مع حجم الدمار في غزة)، فإن منتقدي الحكومة تخلّوا تدريجيًا عن بعض الخطاب العدائي تجاه الفلسطينيين الذي كان سائدًا في أواخر 2023 و2024. ورغم دعمهم لبعض العمليات العسكرية بعد 7 أكتوبر، فإن معظم المنتقدين المحليين يُبدون فتورًا تجاه الاستمرار في الاعتماد على التفوق العسكري وحده.

أما على صعيد الدبلوماسية الإقليمية، فهم يرون أن بناء تحالف ضد إيران والتطرف والإسلاموية، أو ما يُعرف بمحور المقاومة، يُشكّل استراتيجية واقعية. ومن خلال إدخال دول اتفاقات أبراهام، والسعي الطموح لإضافة السعودية (وأحيانًا حتى سوريا)، وكذلك الأردن ومصر، وربما الولايات المتحدة كمنظم، يقترحون تحالفًا إقليميًا يستند إلى مواجهة الأعداء المشتركين والسعي وراء مصالح أمنية واقتصادية متبادلة.

ويبحث هؤلاء المنتقدون أيضًا عن سبيل لاستيعاب الفلسطينيين لا سحقهم بالكامل—وهو ما يُعَدّ في سياق اليوم أقرب إلى "الحمائمية". ومن هذه الزاوية، قد يبدو النهج وكأنه يتلمّس مبادرة السلام العربية التي طُرحت قبل ربع قرن (والتي عرضت تطبيعًا كاملًا مقابل حل الدولتين). لكن ثمة تحفظ جوهري: فمعظم النقاشات تتضمن إشارات فضفاضة إلى المستقبل، بدلًا من تعهّد واقعي وملموس بقيام دولة فلسطينية.

الدبلوماسية والسياسة المقدَّمتان بهذه الطريقة تقومان على الآمال أكثر من كونهما خططًا واقعية—أو بشكل أدق، تقومان على حقائق قد تلاشت. وإذا كان التشبيه الأوروبي مفيدًا، فإن هذه الرؤية الاستراتيجية الثانية ترتبط أكثر بـ"حفلة أوروبا بعد نابليون" منها بالشبكة المعقدة من المؤسسات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي شكّلت النظام الدولي بعد عام 1945. ومع ذلك، فإن هذا التشبيه—لمجموعة من الأنظمة المتشابهة في التفكير والمتحدة بمخاوف مشتركة—يبقى محدودًا، إذ ليس من الواضح أن إسرائيل وشركاءها المفترضين يشاركونها نفس التفكير.

كما هو الحال مع النسخة الانتصارية، فقد فقدت فكرة الشراكات الأمنية الإقليمية الكثير من أسسها في الأشهر الأخيرة، حتى في النسخة الأكثر نقدًا، جزئيًا نتيجة الانتصارات العسكرية الإسرائيلية. فإسرائيل، مرة أخرى، تظهر الآن كممثل معرقل لدى كثيرين كانوا يقلقون بشأن إيران. كما أن تصور التهديد الإيراني بقيادة طهران قد تراجع بشكل واضح نتيجة التحركات العسكرية الإسرائيلية الفعالة—التي لم تتطلب أي تطبيع دبلوماسي على الإطلاق.

على الصعيد الفلسطيني، تتجاهل الأفكار المطروحة ببساطة التطورات (وتأثير السياسات الإسرائيلية) على مدى العقدين الماضيين. هناك رؤية لمحصلة الدولة الواحدة للفلسطينيين موجودة في النقاشات الإسرائيلية، وهي تحتضن هذا المفهوم بطريقة قوية ومفصلة، لكنها تظل على هامش الطيف السياسي الإسرائيلي. وما يزال التيار الرئيسي يكتفي بتبني غامض لفكرة الفصل عن الفلسطينيين، في حين تبدو فكرة الدولة الفلسطينية الثانية للبعض ساذجة بشكل ميؤوس منه، وتظل في الواقع "تهديدًا وجوديًا" للأغلبية الانتخابية. ما أطلقت عليه الباحثة في الرأي العام داليا شايندلين مصطلح "إجماع الاحتلال" يفرض قيودًا صارمة على المقترحات السياسية القابلة للتطبيق.

لذلك، فإن أي ترتيب يقل عن الدولة الكاملة (وأقل حتى من الوضع الحامي الذي قدمه قادة الوسط واليسار الوسطي الإسرائيلي قبل عقدين) يُعرض على قيادة فلسطينية فقدت كل المصداقية والحيوية بسبب فشلها في تحقيق الدولة. ويبدو أن هذا الطريق ليس واعدًا إذا أخذنا في الاعتبار الواقع السياسي الفلسطيني. فمن غير المرجح أن يتمكن القادة الفلسطينيون، الذين وعدوا أتباعهم منذ جيل بأن الحكم الذاتي المحدود الذي أتاحته اتفاقيات أوسلو كان خطوة مؤقتة، من إقناعهم الآن بقبول حكم ذاتي أقل كشرط دائم.

وعندما يُتناول ضعف شعبية القيادة الفلسطينية الحالية في مثل هذه الجهود، غالبًا ما يُقابل ذلك باقتراحات "إصلاحية" لا تزيد إلا من تآكل شعبيتها، عبر مزيج من التحسينات التقنية والتغييرات في عدد من المجالات لتلبية المخاوف الإسرائيلية (مثل المدفوعات للأسرى) دون تلبية احتياجات الفلسطينيين.

هل يمكن للغرباء إيجاد شيء أكثر جدوى ليحنّوا إليه؟

يتم استثمار الانتصارات العسكرية الإسرائيلية حاليًا في تفكير استراتيجي يمكن أن يكون إما مروعًا أو فارغًا: فهو يتطلب إما حربًا مستمرة أو يعطي الأولوية للحنين إلى الماضي على حساب الواقع الحالي. ومع ذلك، فإن الجدل حول الاستراتيجية الإسرائيلية، مهما كان مشكوكًا فيه، له تداعيات واسعة. وبالنسبة للولايات المتحدة، يمكن صياغة السؤال على النحو التالي: "إلى متى سنواصل دعم مأزق واضح أنه غير قابل للحل بالنسبة لجميع الأطراف؟" وقد يكون الجواب أن نصف القرن الذي مضى منذ أن كتب جورج ب. بول هذه الكلمات يكفي.

مقال بول في مجلة "الشؤون الخارجية" عام 1977 بعنوان "كيف نُنقذ إسرائيل رغم نفسها" اقترح نهجًا بديلًا، لكن عرضه كان غير جذاب لسببين. أولًا، أي سياسة تقوم على إقناع القادة الأجانب (أو حتى المجتمعات بأكملها) بأنهم يسيئون فهم مصالحهم الذاتية تبدو غير واقعية. وفي الواقع، لاحقًا لاحظ بول أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة عملت "لتشجيع المواقف والإجراءات الإسرائيلية التي قد لا تكون في مصلحة إسرائيل على المدى الطويل." وكان هذا الأسلوب متعالٍ وغير دقيق، إذ إن ما قامت به الولايات المتحدة هو تغيير هيكل الحوافز للقادة الإسرائيليين من خلال توفير حماية قانونية ودبلوماسية لما تم تسميته مرارًا بـ"الضم التدريجي". ومن خلال تجنب—وفي النهاية معاقبة بشدة—أي استدعاء للمعايير القانونية الدولية، واستبعاد الجهات الدولية الأخرى (مثل استخدام الفيتو ضد معظم قرارات مجلس الأمن التي تدين الإجراءات الإسرائيلية)، وتقديم الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي والدبلوماسي للحكومات الإسرائيلية التي أشرفت على سلسلة من الإجراءات البطيئة، غير المستقرة، لكنها واضحة المعالم، التي شكّلت "واقع الدولة الواحدة" الحالي، فإن الدافع الوحيد للقادة الإسرائيليين للتحرك في أي اتجاه آخر كان شعورًا غامضًا بأن هذا المسار سيقوّض على المدى الطويل دولة "يهودية وديمقراطية"، كما يُقال. وهذه المشاعر الغامضة طويلة المدى ليست أقوى دوافع لمعظم القادة السياسيين والجماهير، خصوصًا عند مواجهة قادة مصممين وماهرين تكتيكيًا وقوى واسعة الأساس تعارضهم.

ثانيًا، التركيز فقط على العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل—ليس فقط من حيث تهميش اللاعبين العالميين الآخرين ضمنيًا، بل وأيضًا على افتراض صريح بأن جميع الفاعلين الإقليميين معطّلون سياسيًا أو ضعفاء—ثبت أنه خاطئ خلال أشهر قليلة بعد مقال بول عام 1977. فقد غيّرت مبادرة غير متوقعة لرئيس مصر أنور السادات السياق وأدت إلى نتائج مختلفة تمامًا عما كان متوقعًا.

واليوم، أخذ اللاعبين العالميين والإقليميين الآخرين على محمل الجد، وتشكيل تحالف يقدم مجموعة مختلفة من الحوافز للإسرائيليين، هو أمر صعب، لكنه قد يكون الأكثر واقعية للخروج من المأزق الاستراتيجي الحالي. ويتطلب هذا نهجًا يجمع بين ميزات خارطة الطريق للسلام عام 2003 ومبادرة السلام العربية عام 2002، ويضخ فيه قدر أكبر بكثير من المبادرة والمثابرة مقارنة بالجهود التي اعتادت على الإنهاك والتحييد. والسياق الذي يُتبع فيه هذا النهج—أي الوضع على الأرض—أصبح أكثر تحديًا بكثير.

لذلك، فإن المبادرات الأكثر وعدًا في الوقت الراهن هي تلك التي تتم بشكل متعدد الأطراف وتشمل بعض المبادرات الإقليمية (وليس مجرد ردود فعل). هناك عدة محاولات أولية—مثل المبادرة الفرنسية-السعودية؛ ووعد ببعض المبادرات من المملكة المتحدة؛ وأصوات تنسيق بين الدول العربية المعروفة بتجزّئها.

من السهل—ومن المناسب تمامًا—أن يكون المرء متشككًا بشأن نجاح هذه المبادرات على المدى القصير. فحين تتلاشى الأزمة الراهنة، قد تعود الدبلوماسية ببساطة إلى الخطاب السهل الذي استُخدم لعقود لتغطية الفشل الدبلوماسي وعدم التحرك: حتمية حل الدولتين. هذا الخطاب لا تدعمه دبلوماسية جدية، بل فقط الفكرة الغريبة القائلة بأن شيئًا ما إذا كان جيدًا، فلا بد أن يحدث، وأن الواقع القاسي غير مستدام لمجرد أنه قاسٍ. وإذا تم اقتراح أي إجراءات قصيرة الأمد، فهي لا تتجاوز المطالب المستمرة بـ"إصلاح" السلطة الفلسطينية، وهو ما سيزيد من انفصالها عن قواعدها الشعبية من خلال إجبارها على تلبية المطالب الإسرائيلية المتغيرة.

لذلك، إذا كان هناك أي طريق للمضي قدمًا اليوم، فلا بد أن يكون متعدد الأطراف، واستباقيًا، ومصممًا لتقديم بدائل جذابة للأطراف. ويجب أن يستمر رغم المعارضة أحيانًا الشرسة من إسرائيل (وأحيانًا بمشاركة الولايات المتحدة).

وهذا مزيج شديد الصعوبة. فهو يتطلب انفتاحًا أمريكيًا على كل من التعددية، وإنهاء استثناء القانون الدولي من القضية، وانفتاحًا إسرائيليًا على نسخة من الحل الثاني تتماشى أكثر مع الواقع الإقليمي، وقيادة فلسطينية قادرة على القيادة. لذلك، يجب الحكم على أي خطوة إلى الأمام بواقعية، ليس بما إذا كانت توفر هذه العناصر المفقودة على الفور، بل بما إذا كانت خطوة في الاتجاه الصحيح.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025