لم تستطع بحرية الكيان باعتراضها أسطول "صمود" أن توقف الرسالة التي حملها. فما جرى لم يكن مجرد عملية بحرية لاحتجاز سفن ونشطاء، بل مواجهة مع رمزية أوسع: إرادة التضامن الشعبي الغربي مع فلسطين في وجه ماكينة دعاية فقدت قدرتها على الإقناع بعد عقود طويله من احتكار رواية الصراع.
الإعلام الصهيوني، وعلى رأسه مواقع مثل واي نت، سارع إلى استثمار حادثة لندن – حيث نفذ بريطاني هجوماً ضد يهود – لتكثيف خطاب "تصاعد معاداة السامية". والهدف كان واضحاً: تحويل بوصلة النقاش من الحصار على غزة وحقوق الفلسطينيين، إلى وصم كل حركة احتجاجية بأنها تهديد لليهود. لكن الواقع الميداني في شوارع مانشستر ومدريد وبرشلونة وفلورنسا وجنيف، أظهر أن هذا الربط المصطنع لم يفلح.
الآلاف الذين تظاهروا في أوروبا هتفوا للحرية ورفعوا الأعلام الفلسطينية من دون ارتباك أو خوف من الاتهام الجاهز. لم يرتدعوا من فزّاعة "اللاسامية"، بل أصروا على أن الوقوف مع غزة هو دفاع عن العدالة والكرامة الإنسانية. هذا الإصرار يكشف تحوّلاً عميقاً في الرأي العام الأوروبي، حيث لم يعد ممكناً خلط التضامن مع الفلسطينيين بالكراهية لليهود، إلا في خطاب الدعاية الصهيونيه .
الأهم أن "صمود" أثبت أن قوته ليست في مراكبه وحدها، بل في الرساله القيميه التي يحملها. حتى بعد السيطرة على السفن وترحيل المئات، بقيت الفكرة حاضرة ومُلهمة: أن الحصار جريمة، وأن العالم يرى ويسمع ويحتج(مع ملاحظة الفروق الواضحه في حركة الاحتجاج بين معظم جغرافيا"الوطن العربي الاسلامي" وبين معظم الحاضنه الغربيه واللاتينيه) . لقد خسر نتنياهو وحكومته معركة الصورة، مهما حاولوا استدعاء تهمة "اللاسامية" كسلاح سياسي.
إن تصاعد المظاهرات في العواصم الأوروبية، ومواقف بعض الحكومات التي وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن مواطنيها المعتقلين في إسرائيل، يرسّخان ما هو أبعد من تضامن عابر: يفتحان نقاشاً حقيقياً حول شرعية الحصار نفسه. وهذا ما تخشاه إسرائيل أكثر من أي أسطول.
كل هذا يقودنا الى سؤال يحمل في طياته الجواب :
هل احياء حركة التضامن وتصعيدها مجدداً في "الوطن العربي والإسلامي" له أثر على المعتدين والمحاصرين والمتآمرين على غزه ؟!!
أسطول "صمود" إذن لم يُهزم، بل تحوّل من حدث ميداني إلى رمز سياسي وفكري يتحدى الرواية الصهيونية في عقر دارها: الغرب الذي كانت تعتبره إسرائيل عمقها الاستراتيجي. اليوم، في شوارع لندن وبرشلونة وجنيف، يتأكد أن التضامن مع فلسطين أصبح تياراً عريضاً لا يُسكت بفزّاعة "اللاسامية"