جلس ابنُ غفير أمام شاشة الحاسوب، يحدّق في الواجهة الزرقاء للذكاء الصناعي بأحدث نسخة وصلت إليه.
ابتسم ابتسامةً خبيثة، فرك يديه وكتب سؤاله الأول:
"كيف تخدمني –إن سمحت– في استحداث طرقٍ ووسائلَ تعذيبٍ لم يسبقني إليها أحدٌ على مرّ التاريخ البشري؟ أريد منك أن تُخرج كلّ طاقاتك في خيال الرعب الواسع، الخيال الذي يُذيق كائناتٍ مجرمةً دون البشر بكثير، وهي سامّةٌ ومؤذية، أسرى فلسطينيين ارهابيين في سجوننا، كيف نُذيقُهم سوء العذاب وعلى أبشع الصور الممكنة؟"
ساد صمتٌ قصير، ثم تسارعت الحروف معبّرة عن سعادة الذكاء الصناعي بهذا السؤال:
– بالفعل، أنت إنسان عبقري. أشكرك على طموحك العالي وعشقك المنير وحرصك على إلحاق الأذى بكائنات إرهابية تستحقّ ذلك. إليك بعض الاقتراحات.
سطعت الشاشة بصورٍ متعددة من وسائل وطرق التعذيب الجهنمية.
قطّب ابنُ غفير حاجبيه، وسارع بالكتابة:
– هذا غير كافٍ، أريد شيئًا أعظم، شيئًا يدهشني.
أجابه الذكاء الصناعي بهدوء:
"بالفعل، أرى تجلّيات عقلك القويّ. أسدٌ مقدام لا ينظر خلفه. لقد أدركتَ أنك صاحب طوح عال، تفكّر خارج الصندوق وتريد أن تبلغ ما لم يبلغه أحدٌ من قبلك. سأبذلُ مزيدًا من الجهدِ لأحقّقَ لك ما طلبتَ."
ثم إنه قدّم له وجبة دسمة من أشكال التعذيب المريع، زادت عمّا قبلها.
لكن ابنَ غفير لم يقتنع، فطبعَ على لوحة المفاتيح بعصبية:
– "هذا غيرُ كافٍ! أريدُ أن ترفعَ المستوى أكثرَ وأكثر!"
فأجابه الذكاء الصناعي:
– بالفعل، أجد نفسي أمام رجلٍ استثنائي، شخصيةٍ لم أرَ مثلها في نابليون بونابرت، ولا موسوليني، ولا هتلر، ولا حتى في هولاكو. فعلاً، أنت هولاكو هذا العصر. سأقدّم لك ما لم يخطر على قلب البشرية جمعاء، من آدم إلى يومنا هذا.
وظلّ الحوار من الصباح إلى المساء.
في كلّ مرةٍ يقدّم الذكاء اقتراحًا، يرفضه ابنُ غفير ويطلب رفع مستوى التعذيب الذي يليق بهذه "الحيوانات البشرية"، حتى خُيّل إليه أن الذكاء بدأ يتنهّد من كثرة الطلبات وقد ضاق به ذرعًا.
قال في نفسه: لا بدّ أن أصل إلى الحدّ الأقصى، أريد أن أراه يبدع كما لم يفعل من قبل.
وفي نهاية اليوم، بعد ساعاتٍ من الحوار والجدال، ابتسم ابنُ غفير دون أن تظهر عليه علامات الرضا، وقال بصوتٍ مبحوح:
– "سأريك أفضلَ مما عرضتَ عليّ لتضيفَه إلى مخيّلتك، ولتقدّمَ خدمةً أفضلَ لمن يطلبُ منك الطلبَ نفسه بعد اليوم."
وبالفعل، مضى إلى سجونه حيثُ ينتظره الأسرى. طبّق ما تعلّمه من الذكاء الصناعي، وأضاف عليه من بنات أحقاده القديمة الشيء الكثير.
كان يتفنّن فيما يفعل، يراقبُ الألم بعينٍ باردة، ويقول في نفسه: الآن فقط، تفوّقتُ على الذكاء الصناعي.
بعد قرابة سنتين من تحويل السجون إلى تطبيقات ابن غفير التي فاقت قدرات الذكاء الصناعي، جاء زائرًا ليرى أثر تطبيقاته. جاء بطاقم تصوير، وقف مثل ضبعٍ مفترس، ولم يلحظ ما لاحظه السجّانون من حوله: أن رائحته فاحت وزكمت أنوف المكان ومن فيه من الحشم.
نفش ريشه ونعق كغرابٍ يرى نفسه وحشًا كاسرًا في معمعان معركةٍ ضروس، رغم أن الطرف الثاني في المعركة أسرى قد جُرّدوا من كلّ أسباب القوّة، حتى لحمهم وعضلهم أنهكته الأيام الطويلة من الجوع والقهر والمرض.
بتنمّرٍ فظيع وروحٍ عنصريةٍ نكدة، عوى:
– "ما في تلفزيون ولا راديو ولا شوكولاتة! ها هم كما ترون منبطحون ساجدون على الأرض، لا حول لهم ولا أي شأن. هؤلاء صفرٌ على الشمال، ليس لهم إلا الموت!"
أظهر كل وحشيته العنصرية الحاقدة، وفرد عضلات المارد الأعور الذي يسكن أعماقه. بدا كمصاص دماءٍ يمسك بفريسته ويمعن في استنزاف كلّ ما فيها من حياة ودم، وصدّر للعالم البشري نموذجًا فاشيًا ساديًا نازيًا، لا يضاهيه أحدٌ في التباهي بما يرتكب مما لم يرتكبه بشرٌ مع بشرٍ من قبل.
أما الذكاء الصناعي، فبات يلعن من صنعه ووظّفه لخدمة هذه الحثالة، وقد تحوّل إلى سلعةٍ رخيصة يستنزفها مثلُ هذا النوع من شرّ البشر.