حماس تراقب عبر منظار التصويب: هكذا تبدو حقيقة الجنود في غزة بعد وقف إطلاق النار

أمير بوخبوط

واللا

ترجمة حضارات


عميقًا داخل القطاع قبالة خان يونس، يحافظ مقاتلو لواء كفير على جاهزية دائمة بين الخرائب والطائرات المُسيّرة والعبوات، هناك، عند “الخط الأصفر”، يقاتلون على كل متر، حتى عندما تكون كاميرات المسلحين مصوّبة إليهم، يواصلون المهمة حازمون، يقظون، فخورون بما فعلوه وبما تبقى لهم أن يفعلوه.

قال أحد ضباط لواء كفير قبل لحظات من عبورنا الحدود: “هنا يوجد مخربون، وقع هنا حدث قبل أقل من أسبوع. واجهنا زرع عبوات”.

وأضاف نبرة توتر إلى حالة الاستنفار: “إذا حدث شيء في الطريق أي حدث، إطلاق نار، عبوة، أي شيء نبقى داخل الآلية، المقاتلون يترجلون وسيؤمّنونكم. لا تنزلوا بأي شكل”.

منذ أن عبرت آلية الهامر التابعة للواء كفير سياج الحدود وحتى وصولنا إلى الموقع الأمامي الأعمق داخل قطاع غزة قبالة قصبة خان يونس مسافة تقارب 6.5 كيلومتر، مضت أكثر من 25 دقيقة من السفر. طريق طويل متعرّج يشق مساحة شاسعة مدمَّرة كليًا، لا يخفيها حتى غبار كثيف، لا قبة المسجد التي سقطت على جانبها بفعل انفجار هائل، ولا الملعب الذي لم يبقَ منه أثر، وحتى الجندي في المقدمة على الجيب الذي يتلقى كل الريح والشمس على وجهه ويبقى متأهبًا لكل تطور.

بعد عدة منعطفات يمينًا ويسارًا داخل الحي المكتظ في بني سهيلا، دخلت القوة إلى مجمّع من بيوت فلسطينية مؤمَّنة، كتابات الغرافيتي تزيّن الجدران، وأكثرها تأثيرًا تلك التي كتبها آباء جنود الاحتياط لأبنائهم وبناتهم في الميدان، هكذا تبدو الحال عندما تكون دولة بأكملها مجنَّدة.

الموقع الأعمق للجيش داخل القطاع، يحيط بالمجمّع المبني الذي سيطر عليه مقاتلو لواء كفير صخور ترابية وسواتر، وأسلاك شائكة، ونقاط مراقبة، وقناصة، وحراس، وطنين لا ينقطع لطائرات مُسيّرة استطلاعية، على الحافة الجنوبية لسطح المنزل وقف الرائد “د” (29 عامًا)، نائب قائد سرية “حروب” في الشهرين الأخيرين بعد ثلاث سنوات من الدراسة.

قال إنه يقطن في هرتسليا ونجح في الحفاظ على علاقة منذ نحو ثلاث سنوات، “العرض” يعمل عليه، كما قال، فيما سُمعت تعليقات جانبية من أحد الضباط بأن عليها أن توافق.

“د”، المجهّز بمعدات عسكرية عالية الجودة من رأسه حتى قدميه، بما في ذلك وسيلة رؤية ليلية على رأسه، استعاد ذكريات المعارك قبل وقف إطلاق النار: “شهدت كثيرًا من الأحداث المعقّدة، الأبرز كان في الشجاعية. اشتباكات يومية تقريبًا بالذخيرة الحية. ربما تذكرون مقطع المقاتل من وحدة يهالوم داخل مبنى وهو يقضي على مخربين اثنين؟ أنا من أخلَاه، المقاتل. كان هذا عندنا، بالنسبة لنا كان اشتباكًا اعتياديًا، لكنه خرج للإعلام كاشتباك ‘جنوني’، لماذا؟ لأن له شريط فيديو، حصل معنا بضعة أمثال ذلك خلال أسبوعين،. كانت هناك تجارب جنونية. مثل إطلاق صاروخ مضاد للدروع من مسافة 15 مترًا على جرافة”.

تبدلت الواقع في الميدان الفلسطيني منذئذ مع دخول وقف إطلاق النار، رغم أن دوي الانفجارات يُسمع في كل لحظة، من تفجير مواد ناسفة لتدمير أنفاق، وحتى رشقات من الرشاشات. قال الرائد “د”: “المهمة تغيرت. هناك الكثير من النشاط هنا، بعضه خاص ولا يمكن الحديث عنه، لكن لنقل إننا نتعامل مع مخربين في المجال، والباقي يشمل دوريات، كمائن، مراقبات. هناك الكثير من عمليات رصد البنى التحتية وتدميرها خلال وقف إطلاق النار. كما نُغلق الدوائر على المخربين عبر المُسيّرات”.

التحركات البارزة في الأفق هي شاحنات تنقل مساعدات إنسانية إلى بؤر المناطق الفلسطينية الخاضعة لسيطرة حماس، ومن الجهة الأخرى، قوات الجيش تؤمّن “الخط الأصفر” وتُعلّمه بكتل خرسانية ولافتات صفراء.

شرح أحد الضباط في الميدان: “في البداية رأت حماس خطًا على الخريطة، ثم رأت لافتة، وربما الآن ترى كتلة خرسانية، هذا يدفعها للجنون، هي تخشى جدًا أن يكون خط حدود دائم، إنه رافعة ضغط هائلة عليها. واضح أنها تريد إيقاف ذلك، لكن من الجهة الأخرى لديها تحدٍّ داخلي، استعادة السيطرة على قطاع غزة”.

يتحدث الرائد “د” بثقة ولا يبدو أنه ينتقي كلماته: “هنا مقاتلون و(الرغبة) في عيونهم. تحدث إليهم، يريدون الاستمرار بقدر ما يلزم وبما يلزم حتى نبيد هذا الشر. لا توجد هنا معنويات منهارة، بل العكس. هنا مقاتلون أقوياء، مؤهلون للمهمة”.

من المبنى الفلسطيني الذي يبدو أنه يعود لعائلة ميسورة جدًا، واصلنا على متن جيب الهامر إلى مبنى آخر في المنطقة، تغيّر تسليح المقاتل جذريًا عمّا كان معمولًا به في 7 أكتوبر: زاد عدد مخازن الذخيرة، وارتفعت درجة الحرص على نظافة الأسلحة وسلامتها لتفادي الأعطال، خصوصًا بسبب القرب من البحر والرطوبة الضارة، يكاد كل مقاتل يكون مجهزًا بقنابل يدوية، والتدريبات كثيرة، هناك تشديد على الجاهزية الدائمة وعلى استخدام أنواع مختلفة من المُسيّرات، بما فيها مُسيّرات هجومية.

قال قائد لواء كفير، العقيد إيال كوهين: “الجاهزية في وعيهم بعد عامين من القتال. هم يواجهون عدوًا طوال الوقت، خبروا ذلك على جلودهم، يؤمنون بالتهديد. إنهم يقظون”، وهو غارق في القتال لكنه يكرّس الانتباه أيضًا للعمق لتأهيل مقاتلي اللواء في قاعدة التدريب.

“كيف نفعل ذلك؟ نضع في كتيبة التدريب قائدًا قويًا، وفي مدرسة السرية قائدًا قويًا، هؤلاء أيضًا قاتلوا، بالنسبة لي هذه صهيونية، أعني ذلك، وتأكد أن تواصلنا مستمر طوال اليوم. مهم بالنسبة لي التأكيد أننا لم نختصر عملية التأهيل، نفذنا كل المضامين حتى في ذروة القتال”.

تحدٍّ قيادي مهم في اللواء هو خلق تواصل في الخبرة القتالية، بعض المقاتلين الذين خبروا القتال الأكثر كثافة في 7 أكتوبر، وفي المناورات الأولى قد سُرّحوا من الجيش، وكل أربعة أشهر تتجند دفعات جديدة، قال القائد: “نحرص جدًا على صعودهم إلى الكتائب، هناك آلية منظمة جدًا تتضمن عملية إدخالهم إلى المهمة، يحدث ذلك تدريجيًا، لا دفعة واحدة، لكن من المهم التشديد على أن هناك أحداثًا، واجهنا هجمات على التحصينات، نحن مستعدون لكل سيناريو، وجاهزون لكل مهمة”.

خلف ظهر القائد كُتبت على جدران المنزل الفلسطيني تواريخ بخط اليد مع تقارير لجنود عن تحرير مختطفين، قال: “مع كل الألم والفشل الذي كان في 7 أكتوبر، حقيقة أن لواء كفير قفز إلى المنطقة، جنود وقادة وصلوا دون أن يُطلب منهم، بعضهم من البيت، من دون سؤال، هذا يدل على الحمض النووي للواء، يدل على روحه”.

وأضاف: “كانت هناك نقاط ذروة كثيرة للواء في الحرب، إلى جانب المناورة المعقدة نفسها. مثل المشاركة في عملية ‘أرنون’ لتحرير المختطفين، القتال على ممر موراج، وفتح محاور إضافية، لم يعد ممكنًا التشكيك لواء كفير أخذ دورًا مركزيًا في الحرب، المهام التي تلقاها هي تعبير عن ثقة كاملة بقدرات اللواء”.

مرّ أكثر من عامين منذ اندلاع الحرب، وحماس التي كانت سابقًا جيش إرهاب منظمًا، لم تعد تعمل كمنظومة عسكرية نظامية من كتائب وألوية، قال القائد: “هنا توجد مقاومة، مختلف أشكال التنظيم، مهمتنا ضمان ألا تعود وتتعافى كمنظومة عسكرية قادرة على تنفيذ وظائف مهمة، لذلك علينا إزالة التهديدات طوال الوقت، هنا خلية مخربين، وهناك مخرب آخر. ما زالوا قادرين على تنظيم أنفسهم في مجموعات أكبر من خلية واحدة، وعلينا ألا نستهين بهم”.

عند الخروج من المنزل الفلسطيني، كان عدة مقاتلين ينتظرون على متن جيب، في حالة تأهب لأي تطور، قال “أ”، مقاتل في كتيبة “دوفدفان” (دوخيفات بحسب النص): “كنت في بيت حانون، بيت لاهيا، غزة وخان يونس. الأصعب كانت المعارك في مدينة غزة. كان الوضع سيئًا، الكثير من الغبار. تهديدات أكثر بكثير. معظم التنقلات ليلًا، الكثير من صواريخ مضادة للدروع، نشعر ونسمع إطلاق النار والقتال طوال الوقت”.

تذكر “ي”، أحد المقاتلين الجالسين في وسط الجيب، انفجارات لن ينساها ما عاش: “كانت رحلة ليلية. نحافظ على مسافة. انفجرت عبوة بين الهامر الأول والثاني عبوة بتفعيل عن بُعد، كأنها لو كانت الرحلة ليلًا، كان الثاني بالتأكيد سيعلو فوق العبوة لأن المشغل كان سيدقّق تشغيلها، إذ تكون المسافة ليلًا أكثر تقاربًا، بعد ذلك نرى مقطع العبوة على إنستغرام الذي نشره المخربون. هل تدرك؟”.

وقال “أ” آخر، انتقلت عائلته من شلومي إلى حيفا في ظل الحرب مع حزب الله: “اتصلت بأبي وقلت له إنني حصلت على تعيين في لواء كفير، سألني: ما هذا؟ لأنه كان في ‘نحال مظنح’. قال لي: دعني أتحقق قليلًا مع أصدقاء، عاد إليّ وقال: اسمع، هذا لواء جديد، يقولون عنه أمورًا جيدة، إنه يتطور بشكل جميل، أنا راضٍ جدًا عما أفعله هنا، عن اللواء وعن الأصدقاء الذين تعرفت عليهم، لا فرق بيننا وبين غولاني، جفعاتي أو نحال. الفرق الوحيد في ناقلات الجند”.

يفتخر الضباط الشباب في الميدان بدمج النشاط مع سلاح الجو وبأنهم على اتصال مباشر مع طياري مقاتلات، “اسمع، هذه قوة، أن تعرف أن فوقك طائرة مقاتلة تعطيها إحداثية فتنزل نصف طن على مخربين يهددونك، إذا استمعتَ إلى شبكة اتصال اللواء، تسمع التقارير طوال اليوم. ترى هؤلاء المقاتلين مع العتاد على ظهورهم؟ عادوا من كمين، بعد قليل ستخرج دورية في منطقة الخط الأصفر. هنا نشاط طوال اليوم، وإن لم تكن في نشاط، فأنت في حالة تأهب أو راحة محددة بثماني ساعات”.

البيت الفلسطيني الذي انتقلنا إليه مزدان بأقواس ورخام إيطالي، في كل طابق ثمة مقاتلون، وأقلّه واحد يراقب عبر النوافذ إلى المحيط، قال أحد المقاتلين وهو يعرض صورًا على هاتفه: “انظر إلى الوجبات التي نعدّها هنا، عندما يصل الطعام من إسرائيل إلى هنا لا يكون بالجودة نفسها، لذا عندما نستطيع نعدّ الطعام، نبتكر. ننوّع، بين حين وآخر يُدخلون لنا حمامات ساخنة، نتعوّد، عملوا لنا نوعًا من الإنعاش”.

أحد أكبر التحديات كان الانتقال من قتال مكثف إلى وقف إطلاق النار، ثم الحفاظ على روتين. بدأ ذلك بإرساء النظام والانضباط — يشمل تدريبات لياقة، طوابير، ونظافة — حتى في الأماكن التي تتجول فيها كلاب ضالة قرب المقاتلين.

ننهض كل صباح نحو 05:30 إلى حالة تأهب الفجر. الجميع يستيقظ، صدريات، أحذية، أسلحة، نلتزم بالانتقال بين الليل والنهار وبالعكس، متأهبين لكل سيناريو، أريد أن أقول لك شيئًا: انظر إلى هؤلاء المقاتلين، وحدة التنقّل في كفير. عندما تدخل إلى المنطقة وحدات شاييطت 13، سرية الأركان، يهالوم ووحدات أخرى لمهام كهذه أو تلك من يدخلهم؟ نحن يثقون بنا، نحن مهنيون ودقيقون. نعرف المنطقة بسرعة كبيرة، عن ظهر قلب، اختر مسارًا أغمض عيني وأقول لك متى يوجد حفرة ومتى يوجد منعطف حاد، حتى ليلًا. حتى عندما واجهنا الهجوم على التحصين كان حدثًا معقدًا جدًا رددنا بسرعة، أنا أثق بالمقاتلين معي مئة بالمئة، كان لدينا تحصين قريب، قفزنا إليه، كانت عملية الإخلاء هي القصة، الجميع دخل في ‘الحماس’. أنا فخور بما فعلناه هناك.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025