إلعاد بن دافيد
انتصار زهران ممداني التاريخي في رئاسة بلدية نيويورك يمثل محطة غير مسبوقة في المشاركة السياسية للمسلمين في الولايات المتحدة، ويعكس ترسخ قيادة مسلمة في قلب المشهد العام الأميركي. صعود ممداني لم يحدث في فراغ؛ بل يعكس تزايد الحضور المسلم وتنامي النشاط الاجتماعي والسياسي الذي بدأ بالتشكل خلال العقود الماضية خاصة منذ أحداث 11 سبتمبر.
بالرغم من موجات الإسلاموفوبيا التي أثرت سلبًا على صورة ومكانة أجزاء كبيرة من المجتمع المسلم، فإن أحداث 11 سبتمبر مهّدت الأرضية لتحول فكري عميق ولصياغة استراتيجية مسلمة فعّالة، قدّمت الإسلام والمجتمع المسلم كحليف لقيم أساسية في المجتمع الأميركي. أئمة ومنظمات إسلامية وناشطون اجتماعيون بدأوا في إبراز الإسلام كدين إيجابي محب للسلام، وروّجوا لحوارات بين الأديان، وأكدوا انخراطهم في قضايا العدالة الاجتماعية ومحاربة العنصرية والفقر وانتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد العالمي للمسلمين.
بهدف مواجهة الإسلاموفوبيا، ظهرت أصوات متنوعة داخل المجتمع المسلم — من السنة والشيعة والصوفية وغيرهم — تدعو لمزيد من المشاركة المدنية والسياسية، وتوضح مفهوم الإسلام، وتدافع عن الولاء الوطني، وتعمل على اندماج أعمق داخل المجتمع الأميركي. ومع تطور شبكات التواصل الاجتماعي، اكتسب الحضور الإعلامي والافتراضي للمسلمين قوة مضاعفة، وأسهم في بروز قيادات دينية وحقوقية ذات تأثير واسع.
التسارع بعد 7 أكتوبر
الأحداث العسكرية في غزة منذ 7 أكتوبر والحرب غير المسبوقة التي استمرت لعامين، سرّعت من نضوج هذه الاتجاهات ومهّدت الطريق لفوز ممداني. الدمار والقتل الواسع الذي بثته المشاهد من غزة عزز النشاط السياسي والاجتماعي للمسلمين دعماً للفلسطينيين. هذا النشاط ظهر في موجات احتجاج، وحملات مناهضة للصهيونية، وضغط سياسي، وحراك واسع في الجامعات — التي باتت بؤر تضامن مؤثرة ومنظمة.
خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان الضغط المسلم، خاصة في الولايات المتأرجحة، علامة على صحوة صوت سياسي مسلم أكثر تأثيرًا.
هذه التحولات أظهرت بوضوح انتقال الجالية المسلمة من جيل حذر وغير سياسي يخشى انتقاد السياسة الخارجية الأميركية، إلى جيل جديد صاحب وعي سياسي متقدم يسعى للتأثير المباشر على الأجندة الوطنية. الحرب في غزة عززت هذا التحول وأعطت الخطاب المؤيد لفلسطين والمدافع عن الحقوق مساحة شعبية وسياسية أوسع، وكانت تربة خصبة لصعود ممداني، خصوصًا بين المهاجرين واليساريين التقدميين والمسلمين الذين يشكلون حوالي 10% من سكان المدينة.
الهوية المتعددة لممداني
هوية ممداني المتنوعة — مسلم من أصول شيعية، تقدمي ومهاجر — مكنته من ربط جماهير مختلفة:
• مسلمون محافظون رأوا في انتخابه رمزًا دينيًا وفخرًا مجتمعيًا.
• شباب تقدميون رأوا فيه نموذجًا جديدًا يجدد السياسة التقليدية الجامدة.
مواقفه التقدمية والمعادية للصهيونية تتماشى مع شخصيات سياسية مسلمة بارزة، مثل عضوتَي الكونغرس إلهان عمر وراشيدة طليب، وكذلك ناشطين مؤثرين مثل ليندا صرصور، التي لعبت دورًا مهمًا في دعم مسيرته السياسية.
انتصاره في الانتخابات يعكس مرحلة متقدمة من ترسخ الحضور السياسي للمسلمين في الولايات المتحدة، ويشكّل دفعة إضافية لتعزيز اندماجهم في الساحة المحلية والفيدرالية. اختيار غزالة الهاشمي نائبة لحاكم ولاية فيرجينيا يعد مؤشرًا على اتجاه أوسع لصعود القيادات المسلمة.
هذه الاتجاهات، التي تعكس قوة اللوبي المسلم في أميركا، تحمل تأثيرات هامة على مستقبل العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية وعلى مستقبل أكبر جالية يهودية في العالم.