وريث عباس المعين يدخل الفلسطينيين في الفخ..

هآرتس 

جاكي خوري

*مقبول لدى إسرائيل، أقل قبولا لدى الشعب: وريث عباس المعيَّن يوقع الفلسطينيين في مأزق (يدخل الفلسطينيين إلى الفخ).* 

إعلان رئيس السلطة الفلسطينية عن خليفته المعيَّن، حسين الشيخ، لم يُغلق ملف اليوم التالي لرحيله، بل فتحه على مصراعيه. ثلاثة سيناريوهات محتملة تتراوح بين الهدوء في الضفة الغربية — والفوضى.

خلاصة المقال في 100 كلمة باهتة وبيروقراطية وغير مفاجِئة — هكذا، على الأقل ظاهريا، يمكن وصف إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن خليفته المحتمل. الإعلان تحدّث عن غياب مؤقت أو عجز، وكأن الحديث يدور عن شغل المنصب لفترة محددة. لكن خلف هذا الترتيب الفني تكمن دلالات سياسية عميقة. عباس، الذي سيحتفل السبت المقبل بعيد ميلاده الـ90، يدرك أن وقته شارف على الانتهاء بأكثر من مفهوم. ومع تزايد الشائعات حول وضعه الصحي، والضغوط العربية والدولية لإجراء إصلاحات، وتصاعد الأصوات المنتقدة داخل حركة فتح، اختار الرئيس الفلسطيني إصدار إعلان دستوري أشبه بخريطة طريق لليوم التالي لرحيله.

إعلان عباس يحدد قواعد اللعبة الجديدة: نائبه حسين الشيخ سيتولى منصب الرئيس المؤقت لمدة أقصاها 90 يوما، مع إمكانية التمديد لـ90 يوما إضافية إذا تعذر إجراء الانتخابات في الموعد المحدد. لكن أبعد من ذلك، فإن الإعلان يوضح كيف يريد عباس إنهاء مسيرته السياسية — بسيطرة، وبحذر، ومن دون أن يترك النظام الذي بناه على مدى عقدين عرضة للانهيار. أكثر من كونه ترتيبا لنقل منظم للسلطة، يبدو أن الهدف هو ضمان بقاء السلطة في يد حركة فتح، وعدم انتقالها إلى خصوم داخليين أو إلى حركة حماس.

لكن كل ذلك يبقى نظريا. فالمجتمع الفلسطيني يعيش حاليا أحد أشد أزماته التاريخية: غزة مدمَّرة بعد أكثر من عامين من الحرب، والضفة الغربية مقسَّمة إلى جزر خاضعة لسيطرة إسرائيل — في واقع يقترب من الضم الفعلي — بينما يفقد الجمهور الفلسطيني ثقته بمؤسسات الحكم. وفي هذا السياق، لا يركّز عباس على المصالحة الداخلية أو استئناف المفاوضات السياسية، بل على تسليم القيادة لمن يضمن الاستمرارية والاستقرار، على الأقل من وجهة نظر النظام.

حسين الشيخ يُنظر إليه كمن يمثل "النظام القديم" والعلاقة الوثيقة مع إسرائيل.

واذا أردنا الحكم وفق راي الجمهور، و وفق استطلاعات حديثة، أكثر من 70٪ من الفلسطينيين يريدون استقالة عباس، والثقة في مؤسسات السلطة — الرئاسة، الحكومة والمجلس التشريعي — في أدنى مستوياتها على الإطلاق. أما الشيخ؟ فحتى لا يُذكر اسمه كمُرشَّح محتمل في استطلاعات الرأي.
يقول الدكتور خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية:

> "في الماضي حصل الشيخ على 2٪ من التأييد، واليوم حتى هذا لا يظهر. نحن لا نقرر من نسأل — الجمهور هو الذي يحدد. إذا لم يظهر اسم في السؤال المفتوح، فمعناه أنه غير موجود في وعي الناس".

الشيخ ليس شخصية مجهولة في المجتمع الفلسطيني. حسين شحادة الشيخ، من مواليد رام الله عام 1960، من عائلة مهجرة من قرية دير طريف غرب الرملة، هو من الشخصيات القديمة والمثيرة للجدل في الساحة المحلية. في السبعينيات والثمانينيات قضى 11 عاما في السجون الإسرائيلية. بعد تأسيس السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو، انضم إلى أجهزتها الأمنية، وتدرج حتى أصبح رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية — الجهة المسؤولة عن التنسيق مع إسرائيل في قضايا التصاريح والمعابر والإدارة المدنية.

يقول مصدر في حركة فتح:

> "الشيخ يعرف أنه لا يملك قاعدة شعبية واسعة، لذلك يؤكد في جلسات مغلقة أنه لا يستطيع فرض نفسه، لكنه قادر على الإمساك بخيوط المرحلة الانتقالية".

في هذا المنصب أصبح الشيخ "وجه السلطة البراغماتي"، وحافظ على علاقات وثيقة مع جهاز الأمن الإسرائيلي ومع أطراف في الولايات المتحدة وأوروبا، وكان يُعتبر لسنوات شخصية "يمكن الحديث معها". في عام 2022 عُيِّن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفي عام 2025 نائبا للرئيس الفلسطيني — وهو تعيين فُسِّر حينها كإشارة واضحة إلى أن عباس يُعد الأرضية لما بعد ولايته. ومع تزايد قوة الشيخ المؤسسية، تراجعت شعبيته بين الناس.

سيناريوهات "اليوم التالي" لعباس

1. استمرارية مُراقبة: يتولى الشيخ منصب الرئيس المؤقت ويدير السلطة حتى تتوفر "فرصة سياسية" لإجراء الانتخابات.

2. توافق وطني: تشكيل حكومة انتقالية تضم ممثلين عن حماس والجهاد وفتح لتفادي مزيد من الانقسام.

3. صدام وفوضى: حكم الشيخ لا يلقى شرعية شعبية، ما يؤدي إلى فوضى داخلية قد تعزز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي.

في نظر الكثيرين، قوة حسين الشيخ تكمن في ضعفه نفسه — فهو يُنظر إليه على أنه يمثل "النظام القديم" والعلاقة الوثيقة مع إسرائيل. يقول ناشط بارز في حركة فتح بالضفة الغربية:

> "حتى داخل حركته، الناس لا يرونه قائدا، بل موظفا كبيرا. قوته تأتي من قربه من عباس ومن التنسيق مع الإدارة المدنية الإسرائيلية".

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025