هجمات المستوطنين على القرى والمزارعين

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

تحليل الموقف ومسار المواجهة

بين يدي الموقف:

يلاحظ المراقبون؛ ومنذ إستلام الوزير المتطرف " إيتمار بن غفير" (1976 ــ )، رئيس حزب عظمة يهودية وزارة الأمن القومي في الكيان منذ سبتمبر 2022، يلاحظ أن هجمات المستوطنين على المدن والقرى والخِرب الفلسطينية ازدادت حدة، وشدة، وتنظيماً؛ الأمر الذي أدى إلى خسائر في الأرواح والممتلكات الفلسطينية، كما أجبر كثيراً من سكان الخرب، والتجمعات الرعوية الفلسطينية على ترك أمكان سكنهم، ومراعي مواشيهم، حفاظاً على ما تبقى من أرزاقهم المعرضة للاعتداء اليومي من قطعان المستوطنين المسنودين بقوات الجيش والشرطة الصهيوينة. تأتي هذه الورقة لتحليل هذا الموقف، واقتراح مجموعة من التوصيات والمقترحات، لمواجهة هذه الظاهرة، التي غدت أكثر خطورة، وتنظمياً مما كنا نشهده سابقاً.

أولاً: الموقف:

يتسم الموقف بمجموعة من السمات والمواصفات، التي أضفت عليه مزيداً من الخطورة، من أهمها ما يلي:

1. استلام الوزير المتطرف " إيتمار بن غفير" رئيس حزب عظمة يهودية، وزارة الأمن القومي في الكيان، الأمر الذي وفر ويوفر للمستطونين الغطاء الأمني الذي شنون هجوماتهم تحته.

2. استلام الوزير المتطرف " بتسلائل سموترتش" رئيس الحزب الديني القومي وزارة المالية، بالإضافة إلى وزارة الإدارة المدنية في وزارة الدفاع، المنوط بها ــ الإدارة ــ التعامل مع الشؤون الفلسطينيةفي مناطق الضفة الغربية.

3. زيادة منح رخص اقتناء وحمل السلاح الفردي، الممنوحة للإسرائيليين، خصوصاً، المستوطنونفي الضفة الغربية.

4. وقف العمل بإجراء (التوقيف الإدراي) بحق المستوطنين المتطرفين، والذي كان سارياً في فترة سابقة.

5. مساندة ـــ بشكل مباشر أو غير مباشر ــ قوات الجيش، وقوى الأمن الصهيوني لاعتداءات وتجاوزات المستوطنين، في فلسطين عموماً، والضفة الغربية خصوصاً.

6. زيادة انتشار بؤر الاستيطان؛ المؤقتة والرعوية، ومدها بأسباب وسبل البقاء والتوسع، من شبكات اتصالات، وكهرباء، ومواصلات.

7. توسيع المجال الأمني للبؤر الاستيطانية المُستحدثه، فضلاً عن المستوطنات القديمة المنتشرة في مدن وقرى الضفة الغربية.

8. تقطيع أوصال الضفة الغربية، عبر زيادة نشر وتركيب البوابات الحديدية على مداخلها، وطرق الحركة؛ منها وإليها.

9. تطور عمل المستوطنين، وتحوله من أعمال فردية متفرقة، إلى أعمال مُهدفة، ومنظمة ومخطط لها بعناية.

10. تقاعس أجهزة سلطة الحكم الذاتي، الأمنية والإدارية عن مواكبة هذه الاعتداءات، والتصدي لها، أو على الأقل توفير الحد الأدنى من وسائل الحماية، والثبات والصمود، لأهلنا في مدن وقرى الضفة الغربية.

11. الضغط المستمر لجيش العدو، وأجهزته الأمنية، وأجهزة سلطة الحكم الذاتي الأمنية على مجاميع المقاومة، وبيئاتهم الحاضنة، مما جعلها ــ المقاومة ــ في حالة استنزاف؛ بشري ومادي ومجتمعي، شديدة الخطورة.

12. حالة ضيق واستنزاف اقتصادي ومادي غير مسبوقة، أصابت، وتصيب أهلنا في الضفة الغربية، نتيجية لسياسات العدو الأمنية والاقتصادية الممارسة ضدهم.


ثانياً: أهداف العدو من هذه الاعتداءات:

1. منع المواطنين من الوصول إلى أسباب رزقهم، ومصادره الذاتية، غير المرتبطة بعجلة إقتصاد العدو ومصادره.

2. السيطرة على أو احتلال المساحات المنتجة، وذات القيمة الاقتصادية التي تساعد في (استقلال) و انفصال الاقتصاد الفلسطيني عن اقتصاد العدو.

3. السيطرة على مساحات مفتوحة مجاورة لمستوطنات، أو بؤر استيطان، تمهيداً لضمها إلى مساحات تلك  الحواضر السكانية الاستيطانية.

4. تحويل المناطق المستهدفة إلى مناطق غير آمنة، وغير قابلة للسكن، تمهيداً لطرد أهلها منها والسيطرة عليها.

5. تضييق هوامش حركة و(مناورة) فصائل المقاومة، وعناصرها، في هذه المساحات؛ المسكونة منها وغير المسكونة.

6. إبقاء المناطق المستهدفة تحت الضغط الأمني والإداري الدائم، وبوسائل مختلفة، مما يوفر وقتاً لازماً لإراحة القوات النظامية أو الاحتياط العاملة فيها، يُستغل ــ الوقت ــ في عمليات استخلاص العبر، والتدريب، ورفع الجاهزية، فضلاً عن الراحة الجسدية والنفسية للقوات العاملة في منطقة العمليات هذه.

7. تدريب المستوطنين على عمليات الإسناد والتعزيز الممكن احتياجها للقوات النظامية العاملة في منطقة العمليات، في حال مواجهتها لمواقف ميدانية أو قتالة تتطلب ذلك.

8. تدريب المستوطنين على عمليات الاحتواء والعزل الأمني لأي موقف طارئ في منطقة العمليات، إلى حين وصول قوات الأمن أو الجيش النظامية إلى منطقة الخطر.

9. مشاركة المستوطنين في عمليات الأمن الجاري ــ كمائن، حواجز، تفتيش، مطاردة، ... ــــ

10. الدفاع عن المستوطنات الرئيسية، ومراكز ثقلها البشرية، في الضفة الغربية، وإبقائها آمنة؛كمراكز حشد وتعبئة وتجنيد وإنطلاق لأي إجراء أمني أو عسكري يتطلبه الموقف في منطقة عمليات الضفة الغربية.


ثالثاً: الإجراءات التنفيذية لتحقيق أهداف العدو:

1. التجنيد والحشد والتعبئة في المستوطنات الرئيسية، أو الصغيرة المنتشرة في منطقة الضفة الغربية.

2. السيطرة على المرتفعات الحاكمة والمطلة على القرى والمناطق المستهدفة.

3. قطع الطرق، وسد الممرات الجانبية الواصلة، والموصلة بين المدن والقرى والخِرب في الضفة الغربية.

4. الانتشار والتموضع؛ ليلاً أو نهاراً بالقرب من الأمكان المراد استهدافها والتعدي عليها.

5. تقسيم فرق عملهم ــ المستوطنون ـــ إلى مجموعات عمل ذات أهداف محددة: قطع طرق ونجدات،استهداف وتخريب مصادر الرزق والممتلكات العامة، افتعال إشكاليات مع الجيش العدو وقوات أمنه بهدف رفع المسؤولة الرسمية عن اعتداء وتجاوزات المستوطنين.

6. مهاجمة قرى أو مزارع ثانوية، بهدف الاشغال وتشتيت جهود النجدات العربية.


رابعاً: الوسائط القتالية وغير القتالية المستخدمة:

1. مركبات الرياضة الصحراوية أو الجبلية رباعية الدفع، فضلا ًعن المركبات الشخصية التقليدية.

2. الأسلحة الفردية، مسدسات، M16، M4، عبوات الملتوف الحارقة، وسائل إشعال النار التقليدية. 

3. أدوات الدفاع الشخصي المدنية، سكاكين، العصي والهراوات الخشبية أو البلاستيكية، حجارة،جنازير.

4. الكلاب الأهلية أو البوليسية المدربة على مهاجمة أهداف عند الأمر.


خامساً: مسار المواجهة والتصدي:

من أجل مواجهة هذه الظاهرة المنظمة، والتي تعمل وفقاً لتسلسل قيادي، وإجرائي مُهدّف؛ يجب العمل على وضع نظام عمل ومواجهة يراعي التالي:

1. تحديد المهمة:

منع العدو الإسرائيلي وقطعان المستوطنين من تحقيق غايتهم الرئيسية من اعتداءاتهم اليومية،المتمثلة ــ الغاية ــ بتهجير السكان، ومنعهم من الاستفادة من مصادر أرزاقهم الخاصة، مما يزرعونه من أشجار مثمرة، وما يملكونه من مصادر مياه وطاقة. وتحويل هذه الاعتداءات ــ اعتداءات المستوطنين ـــ إلى عنصر استنزاف، يكبد العدو ومستوطنيه خسائر بشرية ومادية، تمنعهم من تكرارالعدوان والتجاوز.

2. الأهداف:

➢ تأمين القرى والحواضر السكانية الفلسطينية، خاصة النائية والبعيدة عن بعضها البعض.

➢ منع العدو وقطعان المستوطنين من قطع طرق التواصل والاتصال، الفرعية والرئيسية، الرابطة بين القرى والمدن والتجمعات السكانية الفلسطينية.

➢ منع المستوطنين من استحداث بؤر استيطان؛ دائمة أو مؤقتة في المناطق الفلسطينية، أو على الأقل قطع التواصل بين هذه التجمعات المعادية.


3. الواجبات:


➢ إدامة التماس المعلوماتي على حركة المستوطنين في المستوطنات الرئيسية، أو البؤر المؤقتة والمستحدثة.

➢ حشد وتعبئة القدرات والإمكانات الممكنة، في الأماكن المستهدفة، أو المعرضة للاعتداء.


➢ توزيع مجاميع العمل، والتصدي لهذه الظاهرة في أمكان العمل بحيث تتضمن مجموعات تمنعالعدو من: قطع الطرق وسدها بين المدن والقرى والمزارع، منع المواطنين(الفزعات) من الوصول إلى الأماكن المستهدفة، مجموعات عمل تقطع (إمدادات) العدو والمستوطنين من الوصول إلى الأماكن المستهدفة، مجموعات عمل تهدد مراكز انطلاق ونقاط مثابة قطعات المستوطنين المعتدين.


4. التحديات أمام المسار:

➢ الحصول على المعلومات في وقتها.

➢ حشد القدرات المحلية في الزمان والمكان المناسبين.

➢ القيادة والسيطرة وإدارة الموقف والإجراءات.


5. فرضيات عمل المسار:


➢ توفر إرادة التصدي ودفع الأكلاف، البشرية والمادية، والتصرف بفعل لا برد فعل.

➢ توفر جهة مركزية على مستوى المناطق، تحلل المعلومات، وتخطط للإجراءات، وتدير المواجهات.

➢ توفر قدرات مدنية؛ (خشنة) و نصف( خشنة) قادرة على جعل إجراءات العدو ذات أكلاف.

➢ تقسيم مناطق العمل إلى بقع مسؤولية، ومربعات دفاع مدنية وشعبية، محددة الأهداف، والإجراءات.

➢ توفر و/ أو توفير الكم المناسب من القدرات البشرية والمادية، القادرة على التصدي لــ (موجة)الهجوم المعادي الأولى، إلى حين وصول النجدات (الفزعات) من القرى المحيطة.


الخلاصة:

إن العمل المنظم، والمُهدف المعادي، لا يمكن مواجهته إلّا بعمل؛ يشبهه في التنظيم والتوجيه، يخرج من مربع رد الفعل إلى مربع الفعل. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عبد الله أمين

12 11 2025


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025