ايهود يعاري
الاتفاقات في جميع الجبهات تبتعد – وكذلك "ديزني لاند" في غزة.
لا يمكن حتى الآن تجنيد دول للمساهمة بقوات في "قوة الاستقرار" الدولية في القطاع. التوقع بتفكيك تدريجي لحزب الله، على الأقل من سلاحه الثقيل، لا يتحقق، ومن الصعب تصور كيف سيتحقق لاحقاً. جهد حماس وإيران يتركز الآن كله على إشعال الضفة الغربية – وحذارِ أن نسمح لمثيري الشغب في التلال بدفع سكان، يفضّل معظمهم الابتعاد عن انتفاضة جديدة، إلى داخل دائرة النار.
من الجدير ألا نخطئ: في جميع الساحات لا يوجد تقدم حقيقي في المستقبل المنظور. انتهت الحرب بانتصار إسرائيلي واضح بالنقاط، ولكن في أي جبهة لم يُطرح الخصم أرضاً. وكما يبدو الآن، لا يُتوقع تحسّن في النتيجة وفق الاتجاهات الحالية.
فيما يتعلق بقطاع غزة، فإن احتمال تنفيذ المخطط الطموح للرئيس ترامب – ثمرة الخيال الإبداعي لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير – منخفض جداً. لا ينجح أحد في تجنيد دول ترسل جنوداً إلى "قوة الاستقرار" الدولية، ولم يتضح بعد أن الهدف ليس خوض مواجهة عسكرية مع بقايا قوات حماس. الإمارات العربية المتحدة، التي كانت الأكثر حماسة لتنفيذ مثل هذه المهمة، تراجعت الآن، ودبلوماسيها البارز أنور قرقاش صرّح علناً بأنهم لن يرسلوا قوة مسلحة إلى القطاع. هذا أيضاً موقف ملك الأردن عبد الله الثاني، ومن المشروع الشك في أن المصريين سيسرّون بتولي مثل هذه المهمة، فضلاً عن السعودية. ومن محادثات مع مسؤولين كبار في الحكومة الإندونيسية تبيّن لي في الأيام الأخيرة أنهم أيضاً غير متحمسين لتنفيذ وعد الرئيس برابوو بإرسال عشرين ألف جندي للإشراف على وقف إطلاق النار في القطاع. الأتراك يريدون المجيء، وكذلك الباكستانيون، لكن لن توافق على ذلك سوى حكومة "عمياء الألوان" في القدس. في المحصلة: خطة ترامب لغزة تنتمي حالياً إلى عالم "ديزني لاند" ولا صلة لها بالواقع. حماس ترفض نزع سلاحها، وأبو مازن يريد تحمّل المسؤولية عن القطاع لكنه عاجز عن فعل شيء فيه، والأمريكيون يريدون المراقبة عن بُعد، ولذلك لا توجد في هذه المرحلة قدرة على ترجمة شعار "اليوم التالي" إلى خطوة جدّية.
في الجبهة اللبنانية، رئيس الأركان الجديد للجيش اللبناني، الجنرال رودولف هيكل – الذي عُيّن أساساً لأنه حصل على "ختم موافقة" من حزب الله – يقترح بالفعل، وإن لم يكن علناً، أن يتوقف جنوده عن العمل ضد بنى حزب الله التحتية جنوب نهر الليطاني. ومن المفترض أن ينتهوا من هذه المهمة خلال شهرين. هذا مجرد إشارة أخرى إلى عدم رغبة الجيش اللبناني، الذي يتلقى دعماً أمريكياً سخياً، في الدخول بمواجهة مسلحة مع وحدات حزب الله التي يحاول إعادة بنائها في المنطقة. ومن باب أولى، فإن الجنرال هيكل لا يُحسن استخدام موارده شمال النهر أو في أعالي سهل البقاع، حيث كان يُحتفظ دوماً بمعظم القوة الصاروخية لحزب الله. رئيس لبنان الجنرال جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام يعدان الأمريكيين بتفكيك سلاح حزب الله، لكن حتى المبعوث الأمريكي الخاص لهذه القضية، توم باراك، بات يعبّر علناً عن خيبة أمله من الحكومة العاجزة التي نشأت في بيروت بدعم من واشنطن. أي أن التوقع بفك تدريجي لسلاح حزب الله، على الأقل الثقيل منه، لا يتحقق ومن الصعب أن يتحقق لاحقاً، ولذلك ستستمر المناوشات بين طائرات سلاح الجو الإسرائيلي والعناصر العسكرية التابعة لحزب الله. الاتفاق الأمني بين الدولتين، الذي كان حتى وقت قريب يبدو ممكناً، يبتعد أكثر فأكثر.
وفي الجبهة السورية، كلما مر الوقت تتضاءل رغبة الرئيس الشرع في إبرام اتفاق أمني مع إسرائيل يقود إلى حالة "عدم حرب". فقد بدأ مؤخراً يضع عقبات بشأن وجود جيش الدفاع الإسرائيلي خلف خطوط اتفاق فصل القوات لعام 1984، وبالطبع في قمة جبل الشيخ، وبشأن علاقة إسرائيل بجبل الدروز، ويميل إلى تبرير نفسه بحجة أن مستقبل الجولان يجب أن يكون على طاولة المفاوضات. كما يدّعي الآن أنه لا يستطيع الموافقة على نزع السلاح جنوب سوريا، من دمشق وما دونها، كما تطالب إسرائيل. لذلك، فإن الحديث عن انضمام سوريا إلى اتفاقات أبراهام لا أساس له، ولن يتحقق إلا بضغط أمريكي استثنائي.
من دون الخوض في التفاصيل، نذكر أيضاً أن الضغط الأمريكي في العراق لتفكيك الميليشيات الموالية لإيران من سلاحها أثمر حتى الآن مجرد ضبط سلوكها ومحاولتها تجنّب استفزاز إسرائيل، لا أكثر من ذلك. وكذلك في اليمن: أعلن الحوثيون وقف هجماتهم الصاروخية وضد السفن. خسائرهم كانت أكبر بعدة أضعاف مما كان معروفاً حتى الآن، لكنهم يحرصون على التأكيد أن تهديدهم لم يُرفع.
وأخيراً، ملاحظة قصيرة: جهد حماس وإيران يتركز الآن كلياً على إشعال الضفة الغربية. من وجهة نظرهم، هذا هو مخرج الطوارئ. وحذارِ لنا أن نسمح لمثيري الشغب في التلال بدفع سكان، يفضّل معظمهم الابتعاد عن انتفاضة جديدة، إلى داخل دائرة النار.