بقلم/ نعيم مشتهى
يعتمد الاحتلال "الاسرائيلي" في ترسانته العسكرية على الدعم الاستراتيجي الأمريكي بشكلٍ كبير، حيث يحصل على حزم مساعدات عسكرية أمريكية بمقدار أربعة مليارات دولار تقريبًا بشكلٍ سنوي، وذلك وفق اتفاقاتٍ "اسرائيلية" أمريكية وقعت بينهما منذ بداية الاحتلال لأرض فلسطين وحتى العام 2016، برئاسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ورئيس الاحتلال "الاسرائيلي" الحالي بنيامين نتنياهو حيث وقعا اتفاقًا أمنيًا طويل المدى لمدة عشر سنوات، فيما سبق ذلك الاتفاق اتفاقين سابقين:
الاتفاق الأول: في العام 1998 بمقدار 21.3 مليار دولار موزعةً على عشر سنوات.
الاتفاق الثاني: في العام 2008 بقيمة 32 مليار دولار موزعةً على عشر سنوات.
كما حصل الاحتلال على حزمة مساعدات أمريكية عسكرية طارئة بموافقة الكونغرس الأمريكي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، بجانب الاتفاق سالف الذكر.
وفي إطار سعي الاحتلال لاستمرار الدعم الأمريكي فإن قادته يسعون لتجديد الاتفاق ولكن لضعف المدة السابقة، لينتهي في الذكرى المئوية لتأسيس "دولة" الاحتلال في العام 2048، وعلى الرغم من يسر ذلك عليهم في السابق إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الموصوف بتغيير رأيه بين الفينة والأخرى، والساعي لإدخال الروح الأمريكية في كافة اتفاقاته يجعل الطريق للوصول صعبًا مع إمكانية حدوثه الكبيرة.
كما أن ضغط الرأي العام الأمريكي حول تقديم المساعدات الأمريكية للاحتلال "الاسرائيلي"، وكيفية توظيف الأخير لاستخدامها بحق المدنيين الفلسطينيين وتنفيذه لجرائم إبادة جماعية على مدار سنتين تقريبًا، وخروج التقرير الأمريكي السري من وزارة الخارجية الأمريكية برئاسة روبيو الصهيوني الفكر والاتجاه قبل أسابيع مع تكتم الدوائر الرسمية حول صحة التقرير، يوجِدُ بعض التحديات لدى الاحتلال في وجه الوصول للاتفاق الاستراتيجي.
كما أن تخفيض الرئيس الأمريكي ترمب لقيمة المساعدات الخارجية ضمن حملة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، يحفز من إيجاد الصعاب في تحقيق الاتفاق كما يريده "الاسرائيليون" من حيث المدة، وتحويل جزء من المساعدات الأمريكية من المساعدات العسكرية "للجيش الاسرائيلي" لتمويل البحث والتطوير بين الولايات المتحدة والاحتلال.
حيث يسعى الاحتلال من خلال الاتفاق لتطوير التكنولجيا الأمنية، وتطوير مشروع القبة الذهبية العاملة على التصدي للصواريخ وهي مشروع ترمب، بجانب توظيف الذكاء الاصطناعي للاحتياجات العسكرية، لتكون الفائدة متبادلة بين الاحتلال والولايات المتحدة وليست مقتصرة على الاحتلال.
بجانب ذلك كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق (جو بايدن) قد عملت على تعليق بعض المساعدات العسكرية الأمريكية للاحتلال خلال حربه على غزة، بسبب الضغوط العالمية والأمريكية عليها، وقد صرح بايدن بأن ردة الفعل "الاسرائيلية" على هجوم السابع من أكتوبر 2023 كانت أكبر مما يجب.
وبناءاً على تلك التصرفات الأمريكية ووجود المصاعب المذكورة سابقًا في تجديد الاتفاقات حول الدعم العسكري الأمريكي صرح نتنياهو، بوجوب عدم اعتماد "اسرائيل" على المساعدات العسكرية الأمريكية، وتطوير ذاتها في الصناعات الدفاعية أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست "الاسرائيلي".
وعلى الرغم مما سبق إلا أن الاحتلال ما زال باقٍ في سعيه حول الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط من خلال امتلاكه للقوة الجوية الأكثر تطورًا في المنطقة، الأمر الذي تعمل تركيا على منافستها به من خلال تطوير صناعاتها العسكرية والتكنولوجية وكشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن صاروخ فرط صوتي يحمل اسم "تايفون"، والذي تعتبر بلاده أقرب جغرافيًا من إيران التي تعتبر تهديدًا استراتيجيًا للاحتلال.
ما يجعل الأخير بين فكي كماشة تركيا وإيران والمنظمات الدولاني مثل (حماس، الجهاد الاسلامي، حزب الله، أنصار الله في اليمن) من جهة، وبين إضعاف الدعم الأمريكي لها، ما يوقعها فيما لم يكن في حساباتها في السابق.
لكنها تبقى تحتفظ بدورها الرئيس في الحفاظ على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا بعد محاولات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب منذ فترة ولايته السابقة بدمجها في المنطقة بشكلٍ علني من خلال اتفاقات أبراهام، حيث على الرغم من التحديات إلا أن البنية الاستراتيجية للتحالف الأميركي–الإسرائيلي ما تزال قوية، وإن كانت تشهد تآكلًا نسبيًا في شرعيتها ومستوى الإجماع حولها داخل الولايات المتحدة.
وقد ذكر المفكر المصري د. عبدالوهاب المسيري صاحب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، أن إنهاء الاحتلال "الاسرائيلي" لفلسطين مرتبط بعدة عوامل منها الصحوة العربية والاسلامية، وشعور الولايات المتحدة الأمريكية بـ "اسرائيل" كعبء لتوقف دعمها الاستراتيجي لها، فيما يؤيد حجته صاحب نظرية الواقعية الهجومية في العلاقات الدولية جون ميرشايمر، الذي ذكر في كتابه عدم وجود مصلحة أمريكية بوجود "اسرائيل" وأنها لا تعتبر الحامي الأول للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بل ويمكن الاستغناء عنها.
وبناءاً عليه، هل يشهد العالم تحولًا استراتيجيًا بالنسبة لـ "اسرائيل" برفع الولايات المتحدة الغطاء الشرعي عنها وعن أفعالها، لتفقد قيمتها بين الدول في النظام السياسي العالمي؟.