خطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، جرى التوصل إليها عبر مفاوضات بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وروسيا، ستُلزم كييف بالتخلي عن أراضٍ، وتقليص جيشها بدرجة كبيرة، والتخلص من أنواع معينة من الأسلحة، هذا ما قاله أمس لمسؤولي صحيفة نيويورك تايمز مسؤولون مطلعون على الخطة.
خطة السلام تتكون من 28 بندًا، وصيغت من دون أي مشاركة أوكرانية، وهي تعكس المطالب القصوى التي طرحتها موسكو طوال فترة الحرب والتي رفضتها كييف بشدة، معتبرة أنها تعادل الاستسلام، بعض تفاصيل الخطة كشفها مسؤولان أحدهما أوكراني والآخر فضّل عدم الكشف عن دولته، لأنهما غير مخولين بالحديث علنًا.
هذا الجهد هو المحاولة الأخيرة لإدارة ترامب لإحياء المفاوضات المتوقفة، للتوصل إلى تسوية للحرب التي تقترب من إتمام عامها الرابع، بعض المحللين الأوكرانيين يرون أن الخطة محاولة من روسيا للضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات، في ظل تراجع قوة حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي نتيجة قضية فساد تتعلق بمقربين منه، وقد تدفع داعمي كييف إلى التردد في تقديم مساعدات جديدة.
الضغط على كييف يتصاعد أيضًا ميدانيًا، إذ تسجل القوات الروسية تقدمًا أمام جيش أوكراني مُنهك يعمل عند أقصى طاقته.
قال كوستيانتين يليسييف، وهو مستشار سابق للسياسة الخارجية للرئيس الأوكراني: "الوضع الحالي لأوكرانيا ليس قويًا، وهذا يبدو واضحًا في الداخل وفي نظر شركائنا، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبالطبع في نظر المعتدي". يليسييف ينتمي للمعارضة السياسية لزيلينسكي.
البيت الأبيض لم يعلّق على محتوى خطة السلام. ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، سُئل عنها، فقال: "لا توجد لدي أخبار أو تصريحات حول الموضوع".
الولايات المتحدة استأنفت جهودها الدبلوماسية لإنهاء الحرب، بعد أن أخفقت لقاءات صيفية بين مسؤولين أوكرانيين وروس، وبين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.، كجزء من تلك الجهود، ضغطت إدارة ترامب على الطرفين لتقديم شروط مكتوبة يمكن أن تشكل أساسًا لاستئناف المفاوضات.
وفد من كبار ضباط الجيش الأميركي وصل أمس إلى كييف، لإجراء محادثات تهدف إلى الخروج من المأزق، زيلينسكي نفسه يحاول منذ فترة طويلة إعادة إحياء محادثات السلام، أمس التقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي عرض الوساطة بين الطرفين، في دولة كانت قد استضافت سابقًا جولات من المفاوضات.
الخطة الأميركية–الروسية جرى إعدادها في محادثات بين ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لإدارة ترامب، ونظيره الروسي كيريل ديميترييف.
مسؤول أوكراني قال: إن إدارة ترامب أطلعت كييف على المسار، لكنها لم تطلب موقف أوكرانيا أو ملاحظاتها.
وأضاف: الشروط الواردة في الخطة غير مقبولة بالنسبة لكييف.
وفق المسؤول الأوكراني، الخطة تجبر أوكرانيا على تسليم روسيا كامل منطقة دونباس شرق البلاد، بما في ذلك مناطق لم تستولِ عليها روسيا أصلًا، ووفق منظمة "ديب ستيت" القريبة من الجيش الأوكراني، فإن روسيا تحتاج أربع سنوات إضافية من القتال لتستولي على كامل دونباس بمعدل التقدم الحالي.
وأضاف المسؤول أن التسوية المقترحة ستجعل جيش أوكرانيا أصغر بكثير من حجمه الحالي، وستعترف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم ومناطق محتلة أخرى.
وقال مسؤول آخر مطلع على الخطة إن روسيا تطالب بمنع أي قوات أجنبية من التواجد داخل الأراضي الأوكرانية بعد وقف إطلاق النار، وهو ما سيُفشل مبادرة فرنسية–بريطانية لإرسال قوة لحفظ الاستقرار بعد الحرب.
الخطة تلزم أوكرانيا أيضًا بالتخلي عن عدة منظومات من الأسلحة بعيدة المدى، حاليًا، تطلق أوكرانيا طائرات مسيّرة هجومية محلية الصنع نحو أهداف داخل روسيا، وبعضها يصل حتى موسكو.
مسؤولون أوكرانيون قالوا إن الخطة "سخيفة" وغير واقعية، واعتبروها "استفزازًا" هدفه بث الفرقة وإرباك الدول الداعمة لكييف.
ألكساندر مارزكو، رئيس لجنة الخارجية في البرلمان الأوكراني، قال: إن "لا مؤشر واحد يظهر أن روسيا مستعدة لمفاوضات حقيقية، بوتين يحاول شراء الوقت والتهرب من العقوبات".
وأضاف أن ديميترييف، الشريك الروسي في صياغة الاتفاق، "لا قيمة له".
نائب وزير الخارجية الأوكراني الأول، سيرغي كيسليتسيا، لفت إلى إن الخطة "غير واقعية"، ووصفها بأنها خطوة بأسلوب "سوڤييتي"، أي حملة معلومات ودعاية تهدف للتأثير على الرأي العام وزرع البلبلة والخوف.
زيلينسكي قال إنه سيناقش الخطة مع ترامب في الأيام المقبلة، وإن فريقَيْ أوكرانيا والولايات المتحدة سيعملان على بنود الخطة المتعلقة بإنهاء الحرب، وكتب على تلغرام: "نحن مستعدون لعمل بنّاء وصادق وسريع".
الخطة الأميركية–الروسية تشبه كثيرًا تلك التي عرضتها روسيا في محادثات عام 2022، بعد ذلك فقدت روسيا نصف المناطق التي احتلتها في بداية الغزو، ثم استعادت بعضها في معارك دامية.
روسيا توحي بأنها مستعدة للاستمرار في التقدم البطيء مهما كان الثمن من جنودها، حتى تقبل أوكرانيا بتنازلات تحدّ من علاقاتها الأمنية مع الغرب، كييف تقول إن تلك التنازلات ستكافئ العدوان الروسي وستترك أوكرانيا ضعيفة ومعرّضة للخطر، وإن روسيا ستستغل وقف القتال لإعادة تنظيم نفسها استعدادًا لغزو جديد في المستقبل.