نعتقد أن مرحلة ترامب الرئاسية كانت عابرة حتى وإن كانت عاصفة، ولم تمس في الجوهر الاستراتيجية الأمريكية تجاه العالم وتجاه الصراع في الشرق الأوسط حتى وإن حاول ترامب ذلك، إلا أن حالة من الارتخاء ستطرأ على العلاقات الأمريكية الخارجية بعد ذهاب ترامب وخصوصاً مع روسيا والصين وأوروبا والمنظمات الدولية، وسيبقى الوضع ملتبساً ومرتبكاً فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط مع التأكيد بأن ترامب كان الأسوأ بالنسبة للتعامل مع القضية الفلسطينية.
وإن كان من السابق لأوانه الحسم في سياسة بايدن تجاه قضايا الشرق الأوسط إلا أنه وفي سياق مقاربة استشرافية أولية مبنية على مواقف الحزب الديمقراطي المعروفة تجاه الصراع في الشرق الأوسط وعلى التاريخ السياسي لبايدن الذي كان نائباً للرئيس أوباما ولمواقف كامالا هاريس نائبة بايدن ، يمكن توقع المواقف التالية:
1- لن تكون مشاكل الشرق الأوسط وخصوصاً القضية الفلسطينية على سلم اهتمامات بايدن حيث سينشغل بالقضايا والمشاكل الداخلية لأمريكا التي فجرها ترامب، كما سيعين ممثلاً خاصاً به للشرق الأوسط ثم يبلور رؤية خاصة به كبديل عن صفقة ترامب وكل هذا سيحتاج إلى وقت.
2- سيواصل نهج أوباما في نشر فوضى الربيع العربي وربما يعمل على تمدده لدول أخرى.
3- سيبارك ويشجع سياسة التطبيع العربي مع إسرائيل.
4- سيفتح صفحة جديدة مع إيران لأن الاتفاق النووي الذي نقضه ترامب كان من صنع إدارة أوباما ونائبه بايدن، ولأنه سيحتاج لإيران كفزاعة لاستمرار ابتزاز دول الخليج واستمرار القواعد الأمريكية في المنطقة، وفي نفس الوقت سيعمل على ضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي.
5- مجيء الديمقراطي بايدن سيثير بعض القلق عند دول الخليج ومصر ودول أخرى لأنه من المعروف أن الحزب الديمقراطي هو مهندس فوضى الربيع العربي ويدعم جماعات (الإسلام المعتدل) وتحديداً الإخوان المسلمين.
6- في هذه الانتخابات كما هو بالنسبة لكل الانتخابات الأمريكية وبغض النظر عن الرئيس أو الحزب الفائز فإسرائيل هي المنتصرة لأن الدعم الامريكي ثابت من ثوابت السياسة والاستراتيجية الأمريكية، إلا أن رئيس الوزراء نتنياهو سيتأثر سلباً بفقدان ترامب وقد تُعجل هزيمة ترامب في خروج نتنياهو من المشهد السياسي الإسرائيلي.
7- الديمقراطي بايدن سينهج بالنسبة للقضية الفلسطينية نفس نهج الديمقراطي أوباما تقريباً وخصوصاً أنه كان نائباً لأوباما لمدة 8 سنوات، وهو نهج اتسم بالمراوغة والعمل على إدارة الأزمة وليس حلها ومن المعلوم أن المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين كانت متوقفة في عهد أوباما ونائبه بايدن وكانت إسرائيل تواصل الاستيطان دون أية ممانعة أمريكية بل كانت أمريكا في عهد أوباما الديمقراطي حامية إسرائيل ضد كل محاولات إدانتها في الأمم المتحدة.
8- ومع ذلك وحتى يفرض بايدن بصمته ويتميز بسياسته الخارجية فسيتخذ خطوات تعبر عن حسن النية تجاه الفلسطينيين مثل إعادة دفع المساعدات للسلطة، وربما البعض منها للأونروا، رفض صفقة ترامب لأنها تتعلق بشخص ترامب وليس بالدولة الأمريكية، إحياء فكرة حل الدولتين ولكن بصيغة غامضة، وفي نفس الوقت لن يتخلى عن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
1- مجيء بايدن سيخلق حالة من الارتياح عند القيادة الفلسطينية وسيخرجها من مأزقها السياسي والاقتصادي.
2- وكمبادرة حسن نية مقابلة قد تُعيد السلطة التنسيق الأمني مع إسرائيل وتجمد قرار تحللها من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وربما تطلب منها الإدارة الأمريكية الجديدة ذلك.
3- إذا ما تبلورت رؤية للعودة للمفاوضات وإذا ما تراجعت القيادة عن إجراءاتها تجاه إسرائيل وتجاه التواصل مع الإدارة الأمريكية قد يؤثر هذا سلباً على ملف المصالحة حيث سيتم اتهام السلطة والقيادة الفلسطينية بأنها عادت لمربع أوسلو.
وفي النهاية فإن العالم لا يتغير بالضرورة وحتماً نتيجة انتخابات في بلد ما حتى وإن كانت أمريكا، كما أن أمريكا لا تتغير جوهرياً مع تغير كل رئيس، وعلى الفلسطينيين مواصلة جهودهم للمصالحة والوحدة الوطنية وربما هم بحاجة لهذه الوحدة في حالة العودة لطاولة المفاوضات مع إسرائيل من أي وقت مضى، ما دام لم ينجحوا في تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية طوال عشرة سنوات من وقف مفاوضات وحتى بعد إعلان القيادة بأنها في حل من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل.
بكل موضوعية وصراحة حتى وإن كانت صادمة ومرفوضة حتى من طرفنا، فإنه بعد توقيع هدنة بين حماس وإسرائيل وبعد التطبيع العربي ومع استمرار الانقسام أصبح لا بديل عن التسوية السياسية أو طريق السلام. ولكن في المقابل وحتى لا يتم العودة للمفاوضات العبثية التي استمرت من 1993 إلى عام 2010 على القيادة الفلسطينية أيضاً الاستعداد للمرحلة القادمة بنهج تفاوضي جديد وبمرجعية جديدة تؤكد على التمسك بالثوابت وبما تم التوافق عليه وطنياً، وبفريق جديد يمثل الكل الفلسطيني.