العودة للتنسيق الأمني فشل أم انهيار ؟
بقلم ناصر ناصر
18-11-2020
أثارت خطوة السلطة الفلسطينية بالعودة للتنسيق الأمني مع اسرائيل بعد تلقي ورقة قد تكون رقم 1000 منذ بدء عملية التسوية تتعهد فيها دولة الاحتلال التي لا عهد لها ولا ميثاق بالالتزام بالاتفاقات مع السلطة ، أثارت هذه الخطة جملة من ردود الفعل والمواقف فلسطينياً واسرائيلياً ، ومن المتوقع ان يكون لها تداعياتها التي يصعب إدراكها في هذه الساعات لما تحمله من معاني ودلائل أعمق من مجرد اعلان حسين الشيخ حول الأمر وعودة المليارات الى شرايين السلطة .
ففلسطينيا شكّلت هذه الخطوة ضربة قاسية لجهود المصالحة الفلسطينية الوطنية وانقلاباً على التفاهمات الفلسطينية ، وقد تكون أسهمت بوضوح في تحقيق أهداف أعداء الشعب الفلسطيني في كي الوعي من خلال تعزيز مقولة : المصالحة مستحيلة ، وإحباط أي جهود مستقبلية في هذا الشأن مما سيجعل مهمة الوطنيين المخلصين في فلسطين في إعادة اللحمة وتحقيق الوحدة الوطنية أمرا في غاية الصعوبة .
أما اسرائيلياً فقد اعتبر رئيس معهد أبحاث الامن القومي الجنرال السابق عاموس يادلين أن عودة التنسيق الأمني جاءت بسبب حالة الانهيار التي تعيشها السلطة بسبب افتقارها للسيولة المالية ، فيما اعتبرها كبير محللي صحيفة هآرتس بأنها تشكّل اعترافا من قيادة السلطة بفشل السياسة في السنة الماضية ودليل آخر بأن قيادة السلطة تتصرف وتتخبط بدون استراتيجية واضحة .
في مقابل هذا اعتبر المحلل العسكري في هآرتس أن عودة التنسيق الأمني هي إحدى الثمار الأولى في الشرق الأوسط لانتصار الرئيس الأمريكي بايدن في الانتخابات ، وقد تلقتها أجهزة الأمن الاسرائيلية بالكثير من الارتياح والرضا ، حيث اُعتبر تراجع التنسيق الأمني في الفترة الأخيرة شوكة في حلق اسرائيل وفق تعبير أحد كبار الضباط الاسرائيليين كما جاء في هآرتس .
أما عن توقيت اعلان عودة التنسيق الأمني أثناء اجتماعات المصالحة في القاهرة فقد أثار اهتمام المراقبين ، حيث ذكرت هآرتس بأن اعلان حسين الشيخ بعودة التنسيق الأمني فاجأت الكثيرين في القيادة الفلسطينية بسبب نشرها أثناء لقاءات فتح وحماس في القاهرة حول المصالحة ، بينما توقعت يديعوت احرنوت بأن توقيت الاعلان قد يكون مقصودا ويهدف الى إسقاط محادثات المصالحة وجعل حماس تتراجع عنها ،أما فلسطينيا فقد قوبل الأمر بالغضب لدى فئات ممن اعتبرت الأمر مقصوداً من قبل قوى التنسيق الأمني التي ما فتئت تحاول تعطيل جهود حتى قوى المصالحة الوطنية داخل فتح والسلطة ، وبالبرودة واللامبالاة لدى فئات لم تكن تعوّل أصلا على المصالحة ولا على صدق نوايا السلطة فيها .
قد تكون أهم دلائل ومعاني هذا الاعلان هي ترقب وشوق" التيار السائد والمهيمن في السلطة لإعادة التنسيق الامني لما يشكّله من أهمية بالغة لبقاء السلطة بشكلها ووظائفها الحالية ، فشرعية السلطة فيما يبدو مبنية بالأساس على ما توزعه من رواتب على آلاف الموظفين ، فإن توقفت الرواتب توقفت السلطة عن العمل ، وذلك بعكس شرعية السلطة في غزة القائمة على القناعة والاستعداد للمقاومة والصمود رغم انقطاع الرواتب والحصار الاسرائيلي المستمر ، وشتان ما بين شرعية التعاون الأمني وما بين شرعية المقاومة الوطنية .
لقد عززّت خطوة العودة للتنسيق مع الاحتلال نظرية استخدام السلطة للقيم والمصالح الوطنية وعلى رأسها المصالحة كأداة من أدوات التكتيك السياسي لتحقيق الهدف الأسمى بالنسبة للسلطة وهو أحد أمرين إما مجرد البقاء حتى على هذا الشكل المزري أو استمرار العلاقة مع امريكا واسرائيل على قاعدة استمرار مسلسل الأوهام ، إنه فشلٌ وطنيٌ وانهيارٌ أخلاقيّ لن يلبث شعبنا إلا وسينهض منه ويتعافى ان شاء الله .