تخبط الرئاسة ورهانها الخاسر
بقلم ناصر ناصر
21-11-2020
شكّل إعلان حسين الشيخ الاحتفالي بعودة التعاون الأمني الكامل مع دولة الاحتلال في اللحظة التي كان يجتمع فهيا رفاقه في فتح مع حماس؛ لترتيب المصالحة والمقاومة ، إضافة الى قرار إعادة سفراء السلطة لعواصم التطبيع العربي الذي تتزايد آثاره السلبية ، ومن ثم إيصال رسائل وإظهار الاستعداد للإستجابة لمطالب امريكية في موضوع الأسرى ومناهج التعليم وعدم الانضمام أو التوجه لمؤسسات دولية شكّل هذا الاعلان بداية سريعة لا تبدو عفوية أو وليدة اللحظة ، بل اندلاقاً مدروساً وركضاً نحو إعادة العلاقة مع الاحتلال وأمريكا بايدن ، مع أن آثار عهد ترامب لم تتزحزح بعد .
في المقابل يبدو أن الطموحات الوردية بضرورة تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية ورفع كلفة الاحتلال ، وتحديدا في الضفة والقدس وتجديد شرعية المؤسسات القيادية الفلسطينية وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني قد ابتعدت لمرحلة أخرى .
أما كلمات الرئيس عباس قبيل صدور البيان الختامي للأمناء " العامون " بداية سبتمبر الماضي والذي طالب فيها بالعمل على تطوير المقاومة الشعبية وصولاً لانتفاضة جديدة أو ما ورد في البيان الختامي للأمناء العامين ( التوافق على تطوير وتفعيل المقاومة الشعبية "تشكيل لجنة وطنية موحدة " ) ، فيبدو أنه ذهب أدراج رياح بايدن الموعودة وأوضاع السلطة الاقتصادية الصعبة ،وظهرت أنها تكتيك مؤقت يصلح لعهد ترامب أو كورقة تهديد في اتصالات التسوية .
ان تم تجاوز ما يشبه إهانة المجتمعين للمصالحة في القاهرة بسبب توجهات ابو مازن الجديدة-القديمة فلا يمكن تجاوز خطورة هذا التوجه على القضية الفلسطينية ، فتخبط القيادة من النقيض الى النقيض وعدم تعلمها من أخطائها السابقة ، وعدم قدرتها على الصمود أمام ضغوطات الاحتلال المالية " لأن بنية اقتصادها قائمة على الاحتلال أصلاً ، واستخدامها السياسي الضيق لقيم ومصالح الشعب الفلسطيني الكبرى كالمصالحة والوحدة استرضاءً للاحتلال والامريكان ، ودون أي ثمن مقابل ، كل هذا يشير الى انتكاسة فلسطينية جديدة نحو المزيد من الأوهام والضياع .
من المرجح أن الاقتصاد والمال هما السبب المركزي في تنازل السلطة وتراجعها والعودة للتنسيق الأمني ، ولكنّ عملية إخراج هذا التنازل كانت سيئة وكريهة بامتياز ويصدق فيها مقولة " عذر أقبح من ذنب " ، فعدا عن التوقيت في أثناء حوار المصالحة فإنّ العائدون للتنسيق الأمني لم يبذلوا جهداً يذكر لإخفاء حقيقة المعادلة البائسة وهي تعاون أمني مقابل المال ، بل وتم اعتبارها -لسوء الحال ودرجة الانحدار-كإنجاز وانتصار مع أنها تؤكد فرضية الاحتلال التي بنى عليها استراتيجيته في مواجهة ( زعل وحرد ) السلطة وتوقفها عن تلقي أموال الضرائب منذ فبراير الماضي ، وتقليص التنسيق الأمني منذ 19 مايو .
فرضية الاحتلال تقوم على ان السلطة لن تسمح لنفسها بالانهيار ، وأن تهديدها فارغ من المضمون ، وبالتالي تجريدها من سلاحها الأقوى في الضغط على اسرائيل ، فبقاء السلطة بهذا الشكل هو المصلحة العليا في عيون قادتها ، فالقضية الفلسطينية هي السلطة والسلطة هي القضية ، وما فوز بايدن إلا مبررات إضافية ، فماذا سيفعل بايدن ؟ وهل سيصلح ما أفسده ترامب ؟
أظهر تخلي ابو مازن الفعلي -حتى وإن أعلن عكس ذلك – عن المسار الوطني الأخير ،أنه لم يتغير أو يتعلم من دروس الماضي وبأنه ما زال يراهن على الأمريكان ومشروعه القديم الذي أثبت فشله والذي وصل الى أدنى درجاته بالاكتفاء بالمطالبة والوعود الأمريكية الفضفاضة بحل الدولتين وما يرافقها من " برستيج السلطة الوهمية واحترامات لفخامة الرئيس وسيادة الوزير ..." ، وقد تقتضي تكتيكات ابو مازن حاليا " بتثبيت وإظهار "عملية مصالحة "مستمرة كعملية السلام إمعاناً منه في استخدامها سياسياً .
في المقابل فمن المأمول ان تتعلم فصائل المقاومة والمصالحة من تجربتها الأخيرة المقدّرة والمحترمة وتنطلق في البحث عن مقاربات جديدة للمصالحة أو بالأحرى عن أوراق ضغط جديدة تفرض المصالحة الوطنية الحقيقية لإنقاذ الشعب الفلسطيني من تخبط قيادته الرسمية ، وقد تكون أهم هذه الأدوات والأوراق : تفعيل المقاومة على الأرض بكافة أشكالها .
. البناء على بعض إنجازات المسار الوطني السابق وعلى رأسها تعزيز التعاون مع قيادات فتح والسلطة التي أظهرت جديّة في التقدم في مسار الوحدة الوطنية والمقاومة ، والبحث عن سبل لتعزيز المصالحة والوحدة الوطنية "من أسفل الى أعلى " ، فالمصالحة ما زالت هدفا للمقاومة وشرطا لتقرير المصير الفلسطيني وخاصة في ظل ممارسات الاحتلال القمعية على الأرض .