في كتابه الأرض الموعودة يذكر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في معرض حديثة عن الرئيس الفلسطيني أبو مازن أن الأخير " إنه رجل بشعر أبيض وضعيف سياسيا، ومنغلق، فهو لا يعبر إلى حد كبير ويكتفي بالإيماءات يخشى على مصالحه الشخصية أكثر من عملية السلام، ويقمع معارضيه بقوة.
بينما يصف نتنياهو بأنه " سياسي ذكي ومخادع ويتقن التواصل بالعبرية والانجليزية، لكن رؤيته لنفسه على أنه المدافع الأول عن الشعب اليهودي في وجه المحن، سمحت له بتبرير أي شيء تقريباً من شأنه أن يبقيه في السلطة، كما أن معرفته بعالم السياسة والإعلام في الولايات المتحدة أعطته الثقة، في أنه يستطيع مقاومة أي ضغط يمكن أن تمارسه عليه إدارة ديمقراطية مثل إدارتي".
هذه الانطباعات التي ارتسمت في ذهن الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما ربما هي انعكاس طبيعي لحالة الصراع القائمة على الأرض، ففي الوقت الذي يتخذ نتنياهو موافقة بكل قوة ولا يأبه البته لأي صوت أو معارضة تحول دون تطبيق برنامجه اليميني المتطرف بما يمثله من توسيع رقعة الاستيطان في الصفقة الغربية إلى أقصى مدى وإقرار قانون يهودية الدولة وتشديد حصار غزة وإضعاف أي أمكانية لقيام دولة فلسطينية، كان في المقابل الموقف الفلسطيني الذي يمثله أبو مازن - والذي كان انعكاساً واضحاً لانطباعات أوباما عن شخصيته- ضعيفاً متردداً. فلم يكن لأبى مازن أي قدرة على اتخاذ أي مواقف تكافئ أو تقترب في القوة من مواقف نتنياهو على الأرض، فقد استمر أبو مازن في مناشدة المجتمع الدولي بإلزام "إسرائيل" لتطبيق نصوص الاتفاقيات التي وقعت عليها، وشجب وإدانة عمليات الاستيطان المستمرة، والتمنع مع الرغبة عن طاولة المفاوضات عل التمنع يأتي بعضٍ من اللين في مواقف نتنياهو.
وقد كان الأجدر بأبي مازن "كقائد للشعب الفلسطيني"، أن تكون موافقة من جنس عمل نتنياهو فلا أقل من سحب الاعتراف بدولة الاحتلال وإطلاق المقاومة استناداً للحق الأصيل للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي في مقاومة الاحتلال، ولم الشمل الفلسطيني بتحقيق الوحدة الوطنية، ولكن أي من ذلك لم يحدث، ولذلك كان أبو مازن هو الشخص المفضل لقيادة الفلسطينيين في هذه المرحلة لدى الاحتلال والإدارة الأمريكية خلال تلك الفترة كما ورد في كتاب أوباما "الأرض الموعودة"
ربما إذا كان من هناك من حسنة لدونالد ترامب تجاه الفلسطينيين، فهي أن سياساته دفعت أبو مازن "مضطراً" لأن يبذل على مضض بعض الخطوات لتحقيق الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، والاتفاق على برنامج مشترك لمواجهة الاحتلال على أساس المقاومة الشعبية، وكل ذلك سرعان ما إنهار تماماً مع أولى مؤشرات نجاح بايدن في الانتخابات الأمريكية، فعاد أبو مازن أدراجه وكان كالذي نقضت عزلها من بعد قوة أنكاثاً، عاد أبو مازن لممارسة دوره المفضل في الاستعداد التام لتلقف كل ما يأتيه من وعود أمريكية بلا أدنى ضمانات بإقامة دولة فلسطينية، تلك الدولة التي لم تر النور منذ أن وُقع اتفاق أوسلو عام 1993م. ومازال أبو مازن مستعد لأن يتعامل مع تصريحات المسؤولين الأمريكيين بمستوى عالٍ من الجدية المبنية على ثقة مفرطة، والتي كان آخرها تصريحات أنتوني بلينكن وزير الخارجية المرتقب في إدارة جو بايدن القادمة خلال مشاركته في مؤتمر "منظمة الغالبية الديمقراطية" حيث قال أن لدى بايدن التزاماً عميقاً بأمن (إسرائيل) وكان شريكاً في الاتصالات مع كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية من فترة غولدا مائير.
وشدد على أن بايدن يؤيد حل الدولتين لأنه الطريقة الوحيدة لضمان مستقبل (إسرائيل) دولة قوية ديمقراطية إلى جانب مراعاة تطلعات الفلسطينيين، المثير في تصريح بلينكن هو أن إيمانه بحل الدولتين غير مبني إطلاقاً على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، حتى ولو كانت على نسبة أقل من 22% من أرض فلسطين التاريخية، وإنما هذا الإيمان بحل الدولتين يتولد عند بلينكن من ضمان مستقل "إسرائيل" فقط، بمعنى أن حرص الإدارة الأمريكية المقبلة على استمرار دولة "إسرائيل" قوية وديمقراطية هو الدافع الأساسي لتبني حل الدولتين وليس حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره المكفول في القانون الدولي، وطالما أن الإيمان بحل الدولتين أصله مصلحة "إسرائيل" فإن هذا الحل يجب أن يكون وفقاً للمواصفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي تناسب دولة "إسرائيل"، وما على الفلسطينيين إلا أن يقبلوا بما يعرض عليهم من "شكل" دولة، حتى لو كانت مجرد كيان بلا سيادة حقيقة، لذلك لم يحدث أن مارست أي من الإدارات الأمريكية المتعاقبة أي نوع من "الضغوطات المؤثرة" على الاحتلال لإجباره على الالتزام بأية إجراءات تُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية، ولذلك لم تجد هذه الدولة النور منذ انطلاق عملية "السلام" قبل حوالي ثلاثين عاماً، ولو كان الأمر على خلاف ذلك لقامت هذه "الدولة" في عهد إدارة أوباما التي استمرت ثماني سنوات وهي الإدارة التي توصف بأنها أكثر إدارة أمريكية كانت متفهمة أو "متعاطفة" إن شئتم مع تطلعات الشعب الفلسطيني.
فهل سيفلح بايدن فيما فشل فيه أوباما؟
غزة في 8/12/2020م