الوباء والمؤمن بين يدي الله .. بقلم / أ. عبد الرحمن شهاب

الوباء والمؤمن بين يدي الله 

بقلم / أ. عبد الرحمن شهاب

مدير مركز أطلس للدراسات والبحوث السياسية .. 


منذ أن سمعنا بوباء الكورونا (COVID-19) ونحن نسمع تحليلات كثيرة، يُمكن الاستنتاج أن كل التحليلات، الدينية والعلمانية، تتفق على أن هذا الفيروس انتشر نتيجة لسلوكنا، سواء أكان ماديًا أم روحيًا، نتيجة توحش الرأسمالية والتجارة الدولية ونظام العولمة و تحول العالم إلى قرية صغيرة أم تطور طبيعي لعلاقة الانسان بالطبيعة أو ربما كان نتيجة انفلاتٍ جرثومي خلال التمادي في تنافس الأبحاث أو عقاب من الله نتيجة الظلم الذي أوقعه الإنسان بأخيه الإنسان أو على العكس تمامًا؛ فربما أراد الله خيرًا بأهل الحضارة الغربية ليصوبوا سلوكهم وينتبهوا لأهمية التعقيم المادي والروحي أو أراد الله للبشرية خيرًا بأن تنتقل إلى مرحلة جديدة هي أكثر تعقيدًا بين الإنسان والطبيعة، يتخللها إعادة إصلاح نواة العائلة باقتراب الرجل العامل والمرأة العاملة أكثر للعائلة، وذلك بتكثيف العمل من البيت من خلال الاستفادة من التكنولوجيا، والتقليل إلى حد كبير من حركة المواصلات التي أدت للإضرار بطبقة الأوزون من خلال تلويث المحركات.

من الطبيعي لمن اعتبر هذا الأمر تطورًا طبيعيًا وتحديًا ماديًا أن يبحث عن وسائل مواجهة هذا التحدي (وهم بالفعل يقومون بذلك)، أما بالنسبة للذين يعتبرون الوباء جندًا من جنود الله جاء ليرفع الظلم عن المسلمين، فليخشوا أن يكون هذا البلاء أيضًا غضبًا من الله على من ضيعوا دينه ليردهم إليه، ولكن يلزم أن يدركوا أن هذا الوباء لن يقاتل الكفار عنهم ويعلي راية دينهم وهم نائمون، وأكثر من ذلك ربما يكون هذا هو الذي استعجلوه وطلبوه من الله مرارًا وتكرارًا في قنوتهم ليرسل الله لهم من يدمر الذين يقفون عائقًا أمام رفع راية الدين، وأن يقضي على كل مشوهات التدين السليم وأن يكونوا هم المستهدفين بهذا. "فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا، بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ، رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ".

مَن يفهمون الكورونا عقابًا من الله لغيرهم وجائزة من السماء لهم، جاءت لتنبت لهم زرعًا وكلأً؛ عليهم أن يفهموا أنه لو كان هذا الوباء منحة وتصديقًا لهم لما كان اشتراط النجاة هو التعقيم، ولا ينفع معه إبقاء الصلاة على موكيت المسجد الثمين الذي لم يحافظوا حتى على تعقيمه، فأنت تستعجل أن يرفع الإمام رأسه من السجود كي تبعد أنفك عن رائحة السجاد المنعكسة من أقدام من داسوا عليه. ولو كان الأمر منحة لصدق وأقر سلوكنا في نظافة حمامات المساجد التي تفوح منها رائحة غاز الميثان التي لا تطاق.

ولو كان الأمر تصديقًا لسلوكنا لما توجب لسلامتنا وقف صلاة الجماعة، التي نتسابق عليها وخلفنا فقراء يرقبوننا بأعينهم ونحن عائدون من صلاة الجمعة لالتهام ثريدنا أو يرقبوننا بأعينهم ونحن ننتقي من يستحق كابونة لأن أمير المسجد أوصى به دون غيره.

لو كان الأمر منحة للمسلمين لما فرض علينا من أجل السلامة أن نوقف خطبة الجمعة، فلم يعد يهم المجتمع ما يقال على منبر ربطناه بمنبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدسنا معتليه وكأنه الرسول، وأرهبوا الناس بالحديث الشريف "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت"، فيما الخطيب يلغو في الدين وبالدين والقيم والأخلاق ولا أحد يقول له كذبت أو أخطأت.

لو كان هذا عقابًا من عند الله، لكنا أحق بهذا العقاب لأننا غير مؤمنين "لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع"، فكيف بـ 120 ألف عامل لا يتلقون شيكلًا واحدًا في الشهر فيما نشعر بأننا واقفون على باب الجنة ونحن نصطف أمام الصراف الآلي لاستلام رواتبنا. لو كان الوباء منحة للمسلمين لوفقنا الله بأن نقدم للعالم شيئًا واحدًا يساعد في فرملة الوباء أو على الأقل أن يشكّل سلوكنا الديني سفينة نوح للمؤمنين.

لو كان الوباء على البشرية تعزيزًا لرفع راية الإسلام بإغلاق البارات وبيوت الدعارة، وتدمير الفساد وكل من التحق بفعل قوم لوط؛ لكانت الوقاية والتعقيم والحجر الصحي وعدم الاقتراب من المصابين إيمانًا وتدينًا، وأن المستهتر يستحق أن يصيبه ما أصابهم ولا أسف عليه "ولو كان من المقربين"، "قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ".

لو كنا نحن الذين نستحق النجاة لما شمتنا في الهالكين، ولكنّا مثالًا للرحمة واقتدينا بأبينا إبراهيم - عليه السلام - ودعونا الله أن يرحم مستحقي العقاب "فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط* إن إبراهيم لحليم أواه منيب* يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود*"، أو كما فعل نبينا - صلى الله عليه وسلم - إذ قال لملك الجبال الذي استأذن النبي أن يطبق على كفار قريش الأخشبين "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".

لو كان هذا عقابًا من الله ويستحقه غيرنا، لكنّا على الأقل ممّن لجأ إلى الله بالتوبة الخاصة والاعتراف بالذنوب والعزم على عدم العودة كي نصلح أن يبقينا الله بعد هذا الوباء، وليس بطريقة إزعاج الناس بسماعات المساجد، بدعاء لا نفهم ما يقال من كثرة الضجيج، فليس هذا الدين الذي يريده الله وينزل وباء على البشرية ليبقى. روى البخاري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: "... أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمًّا ولا غائبا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم"، ديننا ليس دين الصخب والاحتفالات والضجيج والفوضى وتغييب عقول الناس.

إذا كنا نؤمن بأن هذا الفيروس دابّة من دواب الأرض، وبأن هناك رسالة دينية من وراء هذا الخلق "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها"، وبأن هذا الفيروس خلقه الله نتيجة لأفعالنا؛ فإنه وقبل التضرع إلى الله علينا أن نسترجع ما الأمر الذي اوصلنا لهذا، فإن كان هناك ظلم وقع علينا فلا يحاسبنا الله عليه، ولكن يحاسبنا على ظلم أوقعناه على من هم أضعف منا، وإن كان نتيجة فساد غيرنا فما هو فسادنا، أن الله يحاسبنا فرادي والوباء يصيبنا فرادى، فلا نتهرب من مسؤوليتنا الفردية، فليفتش كلٌّ منا عن حسناته وسيئاته.

أختم حديثي بالحديث المتفق عليه أن رسولَ الله قال: انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إلى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ. قال الأول: "اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ، وكُنْتُ لاَ أَغبِقُ قبْلهَما أَهْلاً وَلا مالاً فنأَى بِي طَلَبُ الشَّجرِ يَوْماً فَلمْ أُرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا فَحَلبْت لَهُمَا غبُوقَهمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِى أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمي فَاسْتَيْقظَا فَشَربَا غَبُوقَهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة"، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ. وقال الثاني: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانتْ لِيَ ابْنَةُ عمٍّ كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشد مَا يُحبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءِ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهِا عِشْرينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِهَا ففَعَلَت، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ وَتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَيتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعْلتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ"، فانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا. وقَالَ الثَّالِثُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَّه وَذَهبَ فثمَّرت أجْرَهُ حَتَّى كثرت منه الأموال فجاءني بَعدَ حِينٍ فَقالَ يَا عبدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى منْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَم وَالرَّقِيق فقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ لا تستهزئ بي، فَقُلْتُ: لاَ أستهزئ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْه شَيْئاً، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ"، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فخرَجُوا يَمْشُونَ".

نحن بحاجة إلى وقفة أمام الله، نتوب إليه من كل ذنوبنا ونسأله بمكانتنا عنده وبحسناتنا التي أخفيناها أن يرفع هذا البلاء، عن كل البشرية وان يرحم من قضوا ويخفف عن المصابين وان يهدي المتبقين الى رضى ساكن الارض وساكن السماء.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023