هآرتس
الناشط في مجال حقوق الإنسان/ سافي يافا
ترجمة حضارات
لا تساوي حياة الفلسطينيين حتى مولد كهرباء قديم
بإمكاننا الإطلاع على بشاعة الإحتلال من خلال مواقع حقوق الإنسان مثل موقع كبتسيلم ويش دين، بالإضافة إلى المعلومات التي تكشفها التقارير المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي بواسطة ناشطين فلسطينيين ويهود في مجال حقوق الإنسان، لكن يبدو أن رقمًا قياسيًا تحطّم يوم الجمعة الماضي بتاريخ 1.1.21م، حيث أظهر مقطع فيديو نشر عبر كافة مواقع التواصل الاجتماعي الشاب الفلسطيني هارون البالغ من العمر 24 عامًا "ابن قرية التوانة جنوب الخليل" يحاول هو وعائلته وبعض أصدقائه منع الجنود من مصادرة مولّد كهربائي قديم، حينما تصدى هارون وأصدقاؤه لهذه المصادرة ببساطة لأن المولد يتيح لهم ظروف معيشية أساسية، ولكن كان تعنت الجنود وإصرارهم على مصادرة المولد عملًا معيبًا ومشينًا بحد ذاته، ومقدمة سيناريو مرعب ووحشي حدث بعدها.
حاول هارون وأصدقاؤه استرجاع المولد من أيدي الجنود ولم يهاجم أيهم الجنود ولم يشكلوا أي تهديد على حياتهم، كما ولم يتعرض الجنود أنفسهم إلى خطر حقيقي أو داهم يهدد حياتهم، ومع ذلك أطلق أحدهم عيارًا ناريًا مباشرة نحو رقبة هارون حيث مزّقت الرصاصة رقبته، وسقط هارون أرضًا غارقًا بدمائه وظهر الجندي الذي أطلق النار في الصورة التي وثقت عملية إطلاق النار مصوبًا سلاحه نحو هارون.
كلنا نعرف أن حياة الفلسطينيين بالذات من وجهة نظر جيش الاحتلال لا قيمة لها لكن ما لم نعرفه من قبل هو أنها تعادل قيمة مولد كهربائي قديم!
لا يمكن طبعا اعتبار إطلاق النار الإجرامي على الفلسطينيين ظاهرة جديدة لأنها ليست كذلك، حيث يتذكر أغلبنا عملية إطلاق النار الإجرامية في آذار عام 2019 على الشابين الفلسطينيين أحمد مناصرة وعلاء غياضة اللذين لم يرتكبا أي ذنب يذكر أودت عملية إطلاق النار هذه إلى موت أحمد وإصابة علاء بإصابة خطرة، لم تدع لائحة الإتهام مجالًا للشك، فقد كانت هذه الجريمة إعدامًا ميدانيًا بدم بارد ودون وجه حق لأحمد.
تبنى الجيش موقف الجندي العبثي طبعًا، وعليه كانت عقوبته عبارة عن خدمة جماهيرية لمدة ثلاثة أشهر، كان ذلك قرارًا أوضح جهاز القضاء من خلاله بما لا يقبل الشك أن حياة أي فلسطيني قتل رميًا بالرصاص بدون وجه حق ودون سبب لا تساوي أكثر من خدمة جماهيرية مدتها ثلاثة أشهر.
وعليه فإذا كان الحال كما وصفت أعلاه، فلم لا يقدم ذاك الجندي الإسرائيلي على إطلاق النار على رقبة هارون دون أن يشكّل الأخير خطرًا أو تهديدا عليه؟ فإذا كانت عقوبة قتل أي فلسطيني لا تتعدى الخدمة الجماهيرية لثلاثة أشهر، فلم لا تساوي حياته قيمة مولّد كهربائي قديم؟
وصرح نير دفوري أحد المراسلين العسكريين مساء يوم الجمعة (1.1.21) من خلال مجموعة دردشة مراسلي أخبار القناة 12: باشر قائد لواء الخليل بالتحقيق في الحادثة، وأظهرت النتائج الأولية أن الرصاصة التي أصابت أبو عرام كانت طائشة، حيث لم تجف دماء هارون بعد حتى بدأ الجيش بعمليات التستر على القتلة.
جاء هذا التصريح الغريب على الرغم من تداول صور الجندي المذكور، على شبكات التواصل الاجتماعي مصوبًا سلاحه نحو هارون بصورة لا تدع مجالًا للشك بأن الأمر كان مقصودًا لا رصاصة طائشة، لكن جاء التستر الأبشع بالطبع من طرف المتحدث بإسم الجيش والذي ادعى أن عملية إطلاق النار جاءت عقب أعمال شغب قام فيها ما يقارب الـ150 فلسطينيًا.
لكن غاب عن هذا المتحدث أن شريط الفيديو المصور الذي تداولته شبكات التواصل الاجتماعي لم تظهر 150 فلسطينيًا يقومون بأعمال شغب، بل أظهرت أربعة رعاة يستميتون من أجل استعادة مولد كهرباء.
لا أتوقع أن يتم تقديم الجندي الذي ارتكب هذه الجريمة الشنعاء للمحاكمة؛ ببساطة لأني لا أثق بجهاز القضاء العسكري الذي يسعى لتغطية جرائم جنوده وتبييضها، لكن أتوقع أن تبث هذه المشاهد الدموية في كل وسيلة إعلام تحترم نفسها، كما وأتوقع من المثقفين، أعضاء الكنيست، النشطاء الاجتماعيين، نشطاء حقوق الإنسان والشخصيات العامة المعروفة، استنكار هذه الجريمة الوحشية، لكن الاستنكار لا يكفي، فإذا استمر الإحتلال فسيتواصل إطلاق النار على الفلسطينيين، الاعتقالات الإدارية المنافية للقانون الدولي، القمع والعنف ضدهم، كما وسيواصل اقتحام بيوتهم في ساعات الليل المتأخرة، والقائمة تطول.
كنت قد صرحت وكتبت في أكثر من مناسبة أن إسرائيل تسير نحو منزلق أخلاقي-قيمي، بل وأن هذا المنزلق لن يقتصر على جهاز الجيش فقط.
سيجد هذا المنزلق طريقه لكل الأجهزة المدنية كذلك؛ وذلك لأن هؤلاء الجنود الضالعين بهذه الجرائم سيعودون مجددًا إلى زيهم المدني ليكونوا مواطنين صالحين آباء وأعضاء في المجتمع وسيخرج بعضهم عن صمته، وسيحاول آخرون التكفير عن ذنوبهم، وسيصم بعضهم الآخر آذانه وحواسه عن معاناة الآخرين الإنسانية.
أتساءل ما الذي دار في خلد ذلك الجندي الذي أطلق النار على رقبة هارون، أكان يدرك عمق مأساة عمله الوحشي هذا؟ أيدرك الآن أنه حول شابًا يبلغ من العمر 24 ربيعًا إلى شخص مشلول الحركة حتى يومه الأخير؟
قد لا يعاقبه الجيش لكني على يقين أن صورة هارون الغارق بدمائه، ستظل تطارده مدى الحياة، ربما يكون هذا عقابه الأشد.
متى يزول الإحتلال وأجهزته؟
لا أملك إجابة لهذا السؤال، فعندما تساند الولايات المتحدة بشكل تام وأعمى سياسات الإحتلال القمعية، بل وتبدي أوروبا لا مبالاة تامة إزاء جرائم الحرب التي تقوم بها إسرائيل، فلا متسع للتفاؤل على الإطلاق.
نأمل أن يكون عام 2021 عامًا تقوم فيه محكمة الجنايات الدولية في هاج، بتحقيق شامل ضد هذه الجرائم، كما ونأمل أن ينصف هذا التحقيق الشعب الفلسطيني وأن يردع إسرائيل، ويقيم العدل رغم أنف أجهزة الأمن والسياسيين الذين يدعمون سياسات القمع.
بل ونأمل أكثر من ذلك، أن يدفع كل هؤلاء ثمن جرائمهم.
لا يبشر عام 2021 بالخير أبدًا، لذلك يجب الاستمرار بممارسة الضغط الخارجي على إسرائيل على كافة الأصعدة لوقفها عند حدها.
أذكركم أن الصمت جريمة حرب، لذا اصرخوا عاليًا بكل ما أوتيتم من قوة، اكتبوا، إحتجوا وتظاهروا ضد الظلم.