لماذا لا ينجح الجنرالات في السياسية؟
بقلم ناصر ناصر
7-1-2021
تناول العديد من الباحثين مسألة إخفاق الجنرالات في عالم السياسة أو على الأقل عدم نجاحهم في تحقيق أهدافهم من دخول السياسة، وتحديدا في دولة الاحتلال الاسرائيلي ، حيث توجه أربعة عشر رئيس أركان من "أصل "21 جنرال عملوا في هذا المنصب منذ إقامة الدولة على خراب ديار الشعب الفلسطيني في العام 1948 ، فنجح منهم اثنين فقط بالوصول الى رئاسة الوزراء هم اسحق رابين وايهود باراك ووصل عشرة آخرون لمنصب وزير.
وفي الآونة الأخيرة برز فشل الجنرالات بوضوح في تجربة بيني غانتس وجابي أشكنازي وموشيه بوجي يعالون .
تعددت الإجابات على هذا السؤال ، وقد يكون ما اقترحه رئيس هيئة الاستخبارات الأسبق الجنرال غيورا أيلند من إجابات في مقاله في يديعوت احرنوت 6-1-2021 مناسبا للعديد من الحالات في المنطقة وليس فقط للحالة الاسرائيلية الواضحة ، أما الإجابة الأولى فيمكن القول انها تضع اللوم على السياسة وطبيعتها أكثر مما تلوم الجنرالات ، فالسياسة هنا وفي العديد من الدول تتطلب وفق أيلند " مستوى عالٍ من المكر والدهاء وقدرة على عقد الصفقات وموهبة بالكذب بشكل طبيعي وهي ثقافة مخالفة لتلك السائدة في الجيش ".
وبمعنى آخر يضيف الجنرال " فانه يوجد فرق بين المواصفات التي تسمح للمرء بأن يتم انتخابه وتلك التي تؤهله لإدارة الدولة والمؤسسة بكفاءة " ، وهو يرى ان أحد أهم عيوب اسرائيل هي مكافأة الشخص الذي يمتلك القدرة والكفاءة كي يجعل الناس تنتخبه ، وليس الشخص الذي يمتلك
القدرة والكفاءة على إدارة وقيادة مؤسسات الدولة .
أما الاجابة الثانية المحتملة فان السياسة بحاجة الى تدريب وكفاءة خاصة ، ولا يمكن للجنرالات ان يتوصلوا اليها بانتقالهم السريع من المجال العسكري الى المجال السياسي المختلف إلا بعد فترة زمنية معينة ونضوج تدريجي في العمل السياسي من عضو برلمان على سبيل المثال الى رئيس لجنة برلمانية الى وزير وهكذا ، ويبدو لي ان في هذه الاجابة جزءاً من الحقيقة ، ولكن هذا لا يكفي لتفسير ظاهرة عدم نجاح الجنرالات في السياسة ، فقد نجح بعضهم نسبياً بالطبع رغم انتقاله غير التدريجي الكافي مثل ايهود باراك واسحق رابين ، وبالمناسبة لا يمكن هنا القياس على الحالات العربية لعدم وجود شروط أساسية لبناء مقاييس لنجاح وفشل هذا الجنرال أو ذاك ومن أهمها الشفافية ، وحد أدنى من الحريات ، فالجنرال في بلادنا ان تولى السلطة فسينجح " شاء الشعب ام لم يشأ ، أنجز أم لم ينجز " .
الإجابة الثالثة لعدم نجاح الجنرالات في السياسة وفق أيلند فتكمن في تحليل ودراسة طبيعة الجيش وقيادته ، حيث توجد ثلاثة مواصفات رئيسية للجيش : الهرمية الواضحة ، صلاحيات المستويات المختلفة ، وجود صيرورات وعمليات بنيوية ، فوصول شخصية لرتبة جنرال أو رئيس أركان لا تعكس بالضرورة تميزه الكبير ومواصفاته الخارقة ، بل قد تعني أكثر مناسبته لمهنة الجيش ولقواعد اللعبة المقبولة داخله ، بمعنى آخر فان سبب عدم نجاح الجنرالات يكمن في طبيعة الجيش بالدرجة الأولى وليس في طبيعة السياسة او نوعية وجودة شخصية الجنرال ، فقد لا يكون الجنرال مميزاً جداً بقدراته القيادية ، لكنه يمضي جيداً بوجود جيش وهيكيلة وصلاحيات وصيرورات لا تتطلب "رئيساً فريداً من نوعه ".
أعتقد بأن التفسير الأقرب للصواب يجمع بين الاجابات الثلاث بنسب مختلفة ووفق الحالات المختلفة ، أي قد يكون سبب فشل الجنرال " ا " يكمن في طبيعة السياسة بالدرجة الأولى ثم في طبيعة تجربته ومهاراته السياسية أو في طبيعة شخصيته الادارية ، أما الجنرال "ب " فأسباب عدم نجاحه هي نفس الأسباب ولكن بترتيب آخر ونسب مختلفة ، ولا يمنع هذا من وجود أسباب أخرى خاصة أو طارئة .
ثم يستنتج الجنرال أيلند ما هو معروف من الإدارة والحكم والسياسة بالضرورة بأن الشخص الذي يصل الى سدة الحكم أو قمة الهرم السياسي أو حتى العسكري في اسرائيل لا يشترط بالضرورة ان يكون الأفضل بل المناسب ، ويبدو لي واضحا بان المناسب تعني توفر اعتبارات أخرى لا تتعلق ب " القوي الأمين " أي الكفاءة والأخلاق ، بل تتعلق أكثر بالتوازنات داخل المؤسسة وخارجها ونيل الرضا والقبول لدى معظم الأطراف ، وعادة ما يكون هذا القبول مبنيا على مصالح ضيقة أو خاصة.