قامت الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، في آخر أيام ولايتها وبالتحديد في تاريخ 15/10/ 2021، بإعلان ضم (إسرائيل) إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية، حيث كانت الأخيرة في السابق ضمن منطقة مسؤولية القيادة الأوروبية، الأمر ــ وجودها ضمن القيادة الأوربية ــ الذي كان الدافع له وجود أغلب الدول العربية في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، ضمن مسؤولية القيادة المركزية مما كان سيشكل عامل معيق لممارسة القيادة لأعمالها ومهامها، في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية في حالة (عداء) ظاهر مع دولة الكيان، لذلك تطلبت ضرورة سلاسة العمل العسكري وتنفيذ المهام للقيادة المركزية فصل الكيان الواقع فعلاً، ضمن جغرافية منطقة مسؤولية القيادة المركزية، وضمه إلى القيادة الأوربية.
وحيث أن عمليات الضم والفصل وتحديد مناطق المسؤولية للقيادات العسكرية في أي دولة؛ صغر حجمها أو كبر، إنما تخضع لاعتبارات تعبوية بحتة، الهدف منها تسهيل عمليات القيادة والسيطرة على القوات أثناء وقبل وبعد تنفيذ المهام المناطة بها؛ فما هي الدلالات التعبوية لعملية الضم هذه؟ وكيف ستنعكس هذه العملية على طبيعة النشاطات التعبوية التي تقوم بها القيادة المركزية وكذا الكيان في منطقة مسؤولية تلك القيادة؟.
وقبل أن نبدء بطرح هذا الموضوع وتفصيلية؛ لا بد لنا من أن نعرج بقليل من الشرح والتعريف بالقيادة المركزية الأمريكية، من حيث المهام ومنطقة المسؤولية، وخلفية هذه القيادة التنظيمية.
وهنا نشير إلى أن القيادة المركزية الأمريكية USCENTCOM هي قيادة عسكرية جغرافية ضمن ست قيادات عسكرية أخرى، معرف لها منطقة مسؤولية جغرافية تمارس عليها كافة المهام العسكرية الهادفة إلى تأمين (مصالح) أمريكا، أو التعامل مع تهديدات قد تنشأ في تلك المناطق، والقيادات الخمس الأخرى هي: القيادة الشمالية USNORTHCOM ومنطقة مسؤوليتها أمريكا الشمالية التي تضم كندا، القيادة الجنوبية USSOUTHCOM ومنطقة مسؤليتها أمريكا الجنوبية، القيادة الأفريقية USAFRICOM ومنطقة مسؤوليتها القارة الأفريقية، القيادة الأوربية USEUCOM، ومنطقة مسؤوليتها أوربا، قيادة الباسفيك USPACOM، ومنطقة مسؤوليتها المحيط الهادئ.
وقد تم إنشاء القيادة المركزية الأمريكية في عام 1983 بعد الثورة الإيرانية تحت مسمى قوات التدخل السريع، والتي كان الهدف منها النزول على الأرض في حال تعرض منابع النفط وخطوط نقله من منطقة الخليج العربي لأي تهديد، ثم تطور هذا التشكيل العسكري إلى ما بات يعرف الآن باسم القيادة المركزية الوسطى، وقد تعاقب على هذه القيادة ثلاثة عشر قائد برتبة جنرال بأربعة نجوم وهو ما يعادل في الرتب العسكرية العربية فريق أول، وكان آخرهم الجنرال كينث ماكنزي، الذي خلف الجنرال لويد أوستن الذي عينه الرئيس الأمريكي الحالي بايدن وزيراً للدفاع.
أما عن منطقة مسؤولية هذه القيادة فهي تضم دول منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط )، دول الخليج بالإضافة إلى العراق، الأردن، سوريا، لبنان، إيران، باكستان، أفغانستان، بالإضافة إلى مصر وهي الدولة الأفريقية الوحيدة التي لا تقع تحت مسؤولية أفريكوم؛ وإنما تحت مسؤولية سنتكوم، كما أن حدود مسؤولية هذه القيادة تمتد لتصل إلى بعض دول القوقاز مثل أزبكستان وقرغيزستان، وتعد هذه القيادة من أهم القيادات العسكرية الأمريكية، إلى درجة أن قائدها الثالث من حيث الترتيب الزمني الجنرال نورمن شوارسكوف، الذي تولى القيادة بين عامي 1988 ــ 1991، وكان قائد قوات الحلفاء التي أخرجت العراق من الكويت في عملية عاصفة الصحراء، يقول في مذكراته: إن من يتولى قيادة هذه المنطقة لا بد له من فترة تبريد بعد تركها لا تقل عن خمس سنوات لطبيعة المعاملة، التي كان يلقاها من قادة ومسؤولي المنطقة السياسيين عندما كان يزورهم، حيث كان يعامل معاملة لا تقل عن معاملة رئيس دولة أو أمير إمارة.
يقع مقر قيادة هذه المنطقة على غير المعهود عسكرياً؛ فبدل أن يكون مقر القيادة في أحد الدول التي تقع ضمن جغرافية المسؤولية، فإنها تقع في أمريكا في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا، كما تملك هذه القيادة كثيراً من القواعد العسكرية في جغرافية المسؤولية، وأكبر هذه القواعد هي قاعدتي العديد والسيلة في قطر، ولها قاعدة مهمة في الأردن تم تدشينها في عام 2013.
أما عن عديد هذه القيادة فيبلغ في الأيام العادية ما بين 18 ــ 25 ألف جندي من مختلف الصنوف والأسلحة، ويأتمر بإمرتها ما لا يقل عن 30 قطعة بحرية و200 طائرة عسكرية.
أمام هذا الموقف وبعد هذه المقدمة؛ ما هي القيمة المضافة التي ستضيفها القيادة المركزية الأمريكية بانضمام الكيان إلى منطقة مسؤوليتها؟، وما هي التبعات التعبوية المترتبة على ضم الكيان ضمن منطقة المسؤولية تلك؟.
في البداية نشير إلى أن إضافة الكيان إلى منطقة مسؤولة القيادة المركزية الأمريكية، لا يضيف أي قيمة عسكرية تعبوية لهذه القيادة لاعتبارين:
الأول: كون هذه القيادة لديها من القدرات وتحت إمرتها من الأدوات القتالية والمنظومات النارية ما يجعلها مكتفية ذاتياً أمام أي تهديد متصور ضدها في هذه المنطقة.
الثاني: مرتبط بطبيعة الكيان الإسرائيلي والظروف السياسية والمواقف التعبوية التي تدفعه إلى شن المعارك وخوض الحروب، وخلاصتها أنه لا يدخل حروب بالوكالة عن أحد حتى لو كانت أمريكا أقرب حلفائه له، فضلاً عن سواها من الدول المتوهمة إمكانية قيام الكان بشن حرب تخدم مصالحها.
وهنا تبرز الفوائد التعبوية المرجوة للكيان من كونه ضمن منطقة مسؤولية هذه القيادة والتي يمكن أن يتم اختصار أهمها في النقاط الآتية:
فتح أجواء منطقة المسؤولية أمام النشاطات الجوية للكيان: من خلال تنسيق سلاح جو الكيان مع وسائط السيطرة الجوية للقيادة المركزية، بحيث تقوم وسائطه ــ الكيان ــ الجوية بطلعات الاستطلاع والتدريب وجمع المعلومات في أي بقعة جغرافية من هذه المنطقة، بشكل مباشر أو عن طريق التسهيلات التي يمكن أن تمنحها قيادة المنطقة له بحيث تظهرها على أنها جزء من القدرات القتالية لمنطقة القيادة المركزية، فلا تثير الشكوك والاعتراضات من دول المنطقة.
تبادل المعلومات والتقديرات الاستخبارية مع دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر: يستوجب دخول الكيان ضمن منطقة المسؤولية.
القيام بعمليات تبادل المعلومات والتقارير الأمنية وتقديرات الموقف العملياتية والمعلوماتية، بحيث يكون الكيان مواكب لتطورات الموقف الميدانية في منطقة المسؤولية، هذه المعلومات ستصل للكيان بشكل مباشر من جهات المسؤولية في القيادة المركزية، كما أنها ستصل له بشكل غير مباشر من دول لا ترتبط معه بعلاقات، عبر قناة المعلومات التابعة للقيادة المركزية.
المشاركة في المناورات والمشاريع التدريبية لمختلف الأسلحة والصنوف: كما أن الكيان سوف يتاح له المشاركة في المناورات العسكرية والمشاريع التعبوية، التي تقوم بها القيادة المركزية مع مختلف الدول التي تقع ضمن مسؤولية هذه القيادة، حتى الدول التي لا تربطها بالكيان علاقات دبلوماسية؛ فإن جنودها سيكونون ضمن التشكيلات المناورة التي ستضطر للتنسيق مع تشكيلات الكيان المشاركة في المشاريع التعبوية، حكماً ولو بشكل غير مباشر.
استفادة الكيان من عمليات الإسناد بشقيها، الناري والإداري: كما سيستفيد الكيان من عمليات الإسناد الناري له في أي عملية قد يقدم عليها في المنطقة، ويمكن أيضاً أن يقدم له الإسناد الإداري المطلوب أثناء القيام بالمهام التعبوية أو التدريبية، كعمليات التزود بالوقود جواً أو تأمين الذخائر والمؤن لجنوده وتشكيلاته المنتشرة في منطقة المسؤولية.
دمج الوسائط النارية في منظومات قتالية: كما ستتيح عملية الضم هذه للكيان إمكانية دمج الوسائط النارية الخاصة به والمنتشرة في جغرافية فلسطين المحتلة ضمن منظومات قتال تخوض عمليات مشتركة، مما يكسب أطقم عمل هذه المنظومات خبرات قتالية مهمة، كما يكسب وسائط النار تلك مصداقية لكفاءتها مطلوبة من حيث المبدأ من أجل رفع مستوى ثقة المقاتلين بما تحت إمرتهم وسيطرتهم من وسائط قتالية مختلفة.
القيام بالعمليات المشتركة مع مختلف القوات العسكرية في منطقة المسؤولية: إن قيام تشكيلات الكيان العسكرية بالمناورات والمشاريع التدريبة مع القيادة المركزية، يساعدها على القيام مستقبلاً بعمليات مشتركة مع تلك القوات، بعد أن تكتسب عناصر ومرتبات الكيان الخبرة اللازمة في القتال ضمن العمليات المشتركة.
العمل ضمن منظومة قيادة وسيطرة واحدة تخدم العمليات المشتركة: كما أن هذا الضم يساعد الكيان على التمرس والتأقلم، للعمل ضمن منظومات قيادة وسيطرة واحدة تخدم أصل هدف واحد في العمليات المشتركة الممكن وقوعها؛ ضمن منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية.
إن تطور هذا الموقف بهذا الشكل، يستدعي من قوى المقاومة الشعبية منها والرسمية في مختلف مناطق غرب آسيا، أن تحسم أمرها وتأخذ قرارها بعقد تحالفات عمل قائمة على المصالح المشتركة وفي مختلف المواضيع وكافة المستويات، تبدأ في الشق السياسي ولا تنتهي بالشق العسكري، وتأمين متطلباتها السياسية والإجرائية ... إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.