عبد الله أمين
01 02 2021
في اليوم الأول لمؤتمر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، اعتلى الجنرال أفيف كوخافي منصة الحديث مقدماً تقديره للموقف وما يملكه من معطيات حول المنطقة والأوضاع التي تمر بها وما يواجه الكيان من تهديدات، وعلى مدار الخمسين دقيقة وزع تهديداته شرقاً وغرباً، مركزاً نار مدفعيته الثقيلة على إيران وحلفائها في المنطقة، كاشفاً عما يظن البعض أنه أهم ما جاء في كلامه من على تلك المنصة وهو أنه وجه من يعنيهم الأمر إلى استكمال التقديرات وتحضير الخطط وإحصاء الموارد فيما يخص العمليات العسكرية وطرق تنفيذها ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من أجل أن توضع على طاولة المستوى السياسي لاتخاذ الإجراء المناسب في هذا الخصوص، وعليه يكونون هم كجهة اختصاص قد أتموا ما هو مطلوب منهم ولم يتبق عليهم شيء والأمر الآن بيد السياسيين ليقرروا هم فيه.
وبمعزل عما قاله الجنرال وأن الأمر لا يعدو البحث عن بطاقة تأمين له ولمن يلونه عندما يضبطون نائمين في نوبة حراستهم، حيث أن الجهاز العسكري الإسرائيلي فيه ما فيه من نقاط ضعف وثغرات يمكن أن يُنفذ منها لتسديد الضربات ـ غير مغفلين أن لديه من نقاط القوة ما يثير الاعجاب، فإن كوخافي يريد أن يقول للرأي العام الداخلي نحن لسنا نيام في نوبة حراستنا، نحن مستيقظين مشمرين مستعدين عازمين، ولكن الأمر لمن بيده الأمر.
وهذا ما لا نعتقده ولا نظن أنه دقيق، فالمقالة هذه التي بين أيدينا تقوم على فرضية أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مع ما تملكه من أدوات فعل ونقاط قوة، إلا أنها لا تملك الجاهزية لخوض حرب تخرج فيها منتصرة مع إيران أو قوى المقاومة مجتمعة، أو تقضي فيها على مصادر التهديد المتصورة فلا تعود تردع أو تهدد، الأمر ــ عدم الجاهزية ــ الذي يستدل عليه من خلال ما ينشر ويقال في المصادر المفتوحة لدى العدو، فضلاً عما تملكه جهات الاختصاص المعادية لهذا الكيان من معلومات عن حالة المؤسسة العسكرية الصهيونية.
فإذا كانت الجاهزية هي عبارة عن قدرة و رغبة، وإذا كانت القدرة مركبة من معارف وتجارب وخبرات، والرغبة مكونة من: دافعية، وثقة، واستمرارية، فأين المؤسسة العسكرية من هذه المكونات وتلك المركبات ؟ هذا في الشق الأول من المقال، أما في الشق الثاني منه؛ وحيث أن الحرب عبارة عن صراع إرادات وعمل تفاعلي بين طرفين؛ فأين الطرف الثاني المواجه للعدو في هذه الحرب من حيث القدرات والاستعدادات والجاهزية ؟ وهذا أمر لن نخوض فيه ــ وإن كنا قد نفرد له حديثاً منفصلاً مستقبلاً ـــ لاعتبار أنه إذا انتفى الأول ـــ جاهزية العدو للحرب ــ فلا ضرورة لمناقشة الثاني ـــ جاهزية إيران ومحورها ـــ لانتفاء وقوع الحرب أصلاً.
سنبدأ في الشق الأول من مركب الجاهزية والمرتبط بالقدرة، وهنا نعتقد أن العدو في شق المعارف لديه معارف وعلوم وأصول عمل لا يستهان بها ولا يستخف بمضمونها، فالكيان لديه علاقات عمل عسكرية مع أهم جيوش العالم التي تنتج العلم العسكري وتؤصل له في شقيه العملي والنظري، فطلابهم يدرسون في كبريات الكليات العسكرية وفي مختلف المقاطع التحصيلية، الرأسية منها والأفقية، وعليه هم يحوزون علوماً ومعارف محترمة.
وهذه العلوم تجرب وتمتحن في ميادين التدريب والمناورات والمشاريع العملية، حتى تثبت صحتها ونجاعتها في التعامل مع التهديدات المتصورة، ويتم تكرار هذه التجارب وتلك المشاريع حتى تتحول إلى ملكات قتالية يملكها المقاتلون فيغدون خبراء كل في مجاله. لكن الأمر الذي يجب الالتفات له هو: أن هذه التجارب والخبرات إذا لم يتم تطبيقها في ميادين المعارك الحقيقية، فإنها تبقى في دائرة الشك من حيث قدرتها على تلبية الاحتياج الحقيقي لدفع التهديد أو تحصيل المصلحة، وهنا لا يجب الحديث عن سلاح معين أو صنف محدد، وإنما الحديث ينصب على كل الأسلحة والصنوف المطلوب أن تنتظم في منظومة قتال واحد تعمل على تحقيق هدف واحد، فلا جدوى من قياس كفاءتها كأجزاء وصنوف مفصول أحدها عن الآخر، وهنا يمكن أن نقول وبكامل الثقة أن هذه المؤسسة عندما وضعت في ميدان الاختبار الحقيقي كمنظومة قتال في حرب تموز 2006 في جنوب لبنان وفي الحروب الثلاثة على غزة 2008 و 2012 و 2014 ثبت وبالفعل الميداني أن لديها من المشاكل ما جعلها تقف 12 يوم على مشارف مارون الراس لا تستطيع اقتحامها مع كل نار الإسناد البري والجوي التي صبت على تلك القرية الصغيرة التي لم يكن فيها ما لا يزيد عن 15 عنصراً من حزب الله، كما أن تلك المنظومة القتالية هي التي وقفت على الحافة الأمامية للمناطق السكنية في غزة في حروبها الثلاثة ولم تجرؤ على تطوير الهجوم البري لدخول غزة أو تطهير مساحات معتبرة يمكن أن تشكل رؤوس جسور لضرب المقاومة إنطلاقاً منها، وعندما طور العدو هجومه في 2008 وتوغل براً باتجاه المحررات جنوب مدينة غزة، اختار مساحات خالية غير مأهولة فاندفع فيها واستقر في تلك المحررات، ولكنه لم يستطيع أن يطور هجومه منها شمالاً باتجاه وسط غزة، هذا باختصار شديد، وقبل الخوض في ما جاء في تقرير مفوض شؤون شكاوى الجيش الجنرال باراك الذي ترك الخدمة العسكرية مؤخراً، فقد قال ومازال يقول: أن الجيش بكل فروعه لديه مشاكل بنيوية في مسار بناء القوات نذكر الأهم منها على سبيل المثال لا الحصر:
هذا غيض مما تفيض به المواقع المختصة بالشؤون العسكرية للعدو الإسرائيلي، وكلها تنتهى إلى التقدير القائل أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مجتمعة كمنظومة قتال لديها معضلات ونقاط ضعف قاتلة.
أما في الشق الثاني من الجاهزية وهي مركب الرغبة التي تأتي من خلال الثقة والدافعية والاستمرارية، أيضاً فحدث ولا حرج، فخذ على سبيل المثال ما قاله أيضاً الجنرال باراك في هذا الصدد:
أيضاً هذا غيض من فيض ما قاله مفوض شكاوى الجنود الذي انهى خدمته منذ سنة تقريباً، والرائد لا يكذب أهله، والمراقب والمتابع للشأن الصهيوني يرى أكثر بكثير مما قاله هذا الضابط، وأهل الاختصاص ــ الرسميون منهم وغير الرسميين ــ ممن ناصب هذا الكيان العداء ويرى فيه عدواً يجب مقارعته ودحره، وأن معادلة الصراع معه معادلة صفرية، يرون ويسمعون ويجمعون من المعطيات والمعلومات ما هو أدق وأشمل وأصلب من المعلومات والمعطيات المنشورة في المصادر المفتوحة حول هذه المؤسسة العسكرية.
في ظل المعطيات التي قلنا أنها جاءت على لسان رائدهم الذي يفترض فيه أن يصدقهم ولا يكذبهم، ما الذي يحمل رئيس هيئة أركان العدو على قول ما قال وهو يعرف حقيقة الموقف والمقال؟ غاضين الطرف عن الحملة التي شنت عليه محلياً من كبار الكتاب وبعض الجنرالات السابقين الذي رأوا في تصريحاته تلك، نفخاً في الذات قد يفضي إلى كوارث ومصائب داخلية وإقليمية، الأمر الذي دفع وزير الدفاع الأمريكي الجديد لويد أُستن للاتصال بوزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس، وهو ما نظن أنه حمل أيضاً قائد المنطقة الوسطي الأمريكية الجنرال كنيث ماكنزي على زيارة الكيان ولقاء كوخافي، معتقدين أن ما تناوله الاتصال ودار في اللقاء جزء منه انصب على تصريحات رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، غير مجافين الحقيقة إن قلنا أن كلا الرجلين الأمريكيين قد ذكّرا نظيريهما بأن الملف الإيراني خارج عن صلاحياتهم السياسية وليس ضمن قدراتهم التعبوية، وأن مثل هذه التصريحات إنما هي من باب التشويش والمشاغبة غير المرغوبة الآن، طبعاً غير متناسيين أن أحد دوافع تلك التصريحات يأتي من باب تأمين بطاقة ضمان التمديد لكوخافي سنة إضافية في منصبه، مقدماً أوراق اعتماده هذه لرئيس وزراء الكيان الذي يرى فيه ضابطاً محسوباً على وزير الدفاع الحالي الذي بينه وبين نتنياهو ما صنع الحداد، فغازل كوخافي الثاني متمايزاً عن الأول.
أمام هذا الموقف، وحتى لا يقال أننا نستخف ونهون من قدرة عدونا، أو أننا لا نظن أن ما جاء في كلام مفوض شؤون شكاوى الجنود السابق وغيره، وما ينشر في وسائل الاعلام المعادية على مختلف أنواعها من تقارير ومعلومات يفهم منها أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لديها عطب وفيها نقاط ضعف، قد يكون جزء من خطة تضليل وخداع تريد أن تجعل قوى المقاومة وحلفاءها والمناوئين لهذا العدو من رسميين وشعبين ينام على حرير أمانيهم ودفعهم إلى عدم بذل قصارى الجهد في الإعداد والاستعداد، حتى لا يظن ذلك ويقال، فإننا نختم بالقول: إن مسار بناء القوات ومراكمة الخبرات؛ إنما يأتي بناء على تعين لأهداف وترتيب للأولويات وتخصيص للقدرات تبنى على أسوأ الفرضيات والسيناريوهات، وأن قوى المقاومة وداعميهم الشعبيين والرسميين، وبما نعرف ونقرأ ونسمع، يصلون الليل بالنهار بحثاً عما يقوى عزيمتهم ويرفع من كفاءة قدرتهم الأمر الذي نرى قرائن جديته في تصرف عدوهم الذي أصبحت مناوراته الحالية تبنى على فرضيات دفاعية بعد أن كانت عدوانية هجومية.
وإن هذه القوى الشعبية والرسمية لن تنام لعدوها ولو كان نملة، وإن غداً لناظره قريب.